«عاطف كان خايف»
رمزي عبد الخالق
مَن لم تخُنْه ذاكرته، أو مَن لم يخُنْها، لا يزال يذكر أنّ معارضي التمديد للرئيس إميل لحّود في العام 2004، كانوا هم أنفسهم تقريباً باستثناء قلة قليلة جداً مؤيّدي التمديد للرئيس الياس الهراوي في العام 1995.
للتوضيح، فإنّ الحديث عن معارضين ومؤيّدين للتمديديْن هو عن الفترة التي سبقت جلستي التمديد الأولى في 19/10/1995، والثانية في 3/9/2004 ، لأنّ المواقف تغيّرت وتبدّلت وانقلبت رأساً على عقب، وجاءت نتيجة التصويت برفع الأيدي في الجلستين لمصلحة التمديد بأغلبية كبيرة جداً.
وهناك طرفة يعرفها الذين حضروا جلسة التمديد للهراوي، حين عمد النائب محمد عبدالحميد بيضون قبل أن يترك بندقيته ويذهب صوب الجيوب المنتفخة إلى رفع يد جاره النائب عبدالله الأمين، معلناً بشكل غير مباشر عن تأييده لذلك التمديد الذي كان يعارضه فريقه السياسي.
أما عاطف مجدلاني فلم يكن نائباً في العام 1995، غير أنّ الفريق السياسي الذي ينتمي إليه أيّد بقوة التمديد آنذاك، ودفع باتجاهه وسوّق له، حتى أنّ بعض المطّلعين يؤكد أنّ الرئيس الراحل رفيق الحريري كان أول مَن طرح على صديقه عبدالحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري فكرة التمديد للهراوي.
في العام 2004 كان مجدلاني قد زيّن سيارته باللوحة الزرقاء، وكان الفريق نفسه برئاسة الحريري معارضاً للتمديد، وعمل جاهداً في الداخل والخارج لمنع حصوله، ولكن المعطيات السياسية التي أحاطت بتلك المرحلة، خصوصاً مع إرهاصات ونتائج الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وما سبقه وتلاه من تهديدات مباشرة لسورية، كرّستها التسوية الأميركية ـ الفرنسية على شواطئ النورماندي في حزيران 2004، ومضمونها اتفاق على ما صار يُعرف لاحقاً بالقرار 1559.
إزاء هذه المقدّمات ومآلاتها التي كانت حاضرة وواضحة في العقل الاستراتيجي لمحور المقاومة ـ وسورية هي منه في موضع القلب ـ ما كان ممكناً ترك لبنان في أيد قد ترتجف، أمام المخاطر أو أمام المغريات، لذلك كان التوجه إلى التمديد للرئيس لحود، وهو ما لم يخالفه الرئيس رفيق الحريري نتيجة حساباته الاستراتيجية وليس خضوعاً لتهديد غير موجود إلا في مخيّلة المغرضين الذين لا شهود على أقوالهم إلا الأموات أو المزوّرين.
أما المجدلاني الذي لم يتوان أمام المحكمة عن التصريح بأنّ «خوفه على نفسه» كان السبب في تغيير موقفه ورفع يده مؤيداً التمديد، بعدما كان معارضاً له بـ«قوّة» كما قال، فلم يأتِ على ذكر اجتماع كتلة المستقبل النيابية برئاسة الحريري الذي خيّر نوابه ومعظمهم لا يزال حياً يُرزق بين السّير معه في التمديد أو اعتبار أنفسهم خارج لائحته الانتخابية بعد أشهر قليلة من ذلك التاريخ.
وللإنصاف، فإنّ عاطف لم يكن وحده «خايف»، بل شاركه في الخوف 13 نائباً من زملائه في 14 آذار وقّعوا وإياه وثيقة سلّموها إلى لجنة التحقيق الدولية، يقرّون فيها بأنهم تعرّضوا للتهديد مما أسموه «النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك»، فخافوا على أنفسهم ورفعوا أيديهم مستسلمين لمشيئة التمديد!؟
ألا يجدر بالذين اختاروا هؤلاء لكي يكونوا ممثلين لهم في الندوة البرلمانية أن يعيدوا النظر في اختياراتهم؟ ألا يُفترض بالنائب أن يتحلى بصفات القيادة لكي يتقدّم الصفوف في الذوْد عن الوطن وحياضه؟ أم أنّ شعارات «الحرية والسيادة والاستقلال» هي لزوم ما لا يلزم؟ أو هي عدّة الشغل في الساحات وعلى المنابر والشاشات؟ وهل يمكن لمَن ترتجف قدماه يعني اللي بيسكّوا ركابه أن يكون قيدوماً على الناس؟
هذا ما كان من شهادة مجدلاني، والإجابة على الأسئلة الآنفة هي برسم ناخبيه وليست من اختصاصنا.
واليوم تفتتح المحكمة مسلسلاً جديداً مع شهادة النائب وليد جنبلاط، الذي لا نعرف إذا كان قد أخذ «الغشاوة» معه إلى لاهاي أم تركها في المختارة أو كليمنصو؟