خطاب الوحدة وأفعال التقسيم
وليد زيتوني
تشهد الساحة اللبنانية أكبر حراك كاريكاتوري في السياسة والاقتصاد والأمن الاجتماعي. فالساحة اللبنانية كما غيرها من الساحات في العالم العربي، مرشحة للتقسيم استناداً لمشروع برنارد لويس والإدارات الأميركية المتلاحقة. غير أنها تتميّز بوفرة السياسيين المحاضرين بالعفاف. هؤلاء السياسيون الذين يتبجّحون ليل نهار بوحدة الأرض والشعب والمؤسسات هم أكثر العاملين فعلياً على التفتيت والشرذمة. وهم أكثر الناس ارتباطاً بمشاريع الخارج، بل هم المنفذون الحقيقيون لإرادة الخارج وإملاءاته.
إنّ من يتابع الحملات الإعلامية المرافقة، يظنّ أنّ هذا البلد مثالي إلى درجة تماهيه مع جمهورية أفلاطون، وتجاوزه مدينة الفارابي الفاضلة وانغماسه في «مدينة الله» للأكويني. يتصوّر المتابع أنه لم تبق لدينا مشاكل إلا مسح الغبار عن لوحة ترقيم السيارات، أو كيفية المساهمة مع القرية العالمية للحدّ من الانبعاث الحراري، أو ربما وضع اللمسات الأخيرة لتوأمة إدارتنا للبلاد مع إدارة الجنة. بل قد تطلب منا الجنة المساهمة في إنمائها والدفاع عنها.
طبعاً لن أتناول البروباغندا المواكبة لقانون السير ولا الخطط الأمنية لكل المناطق اللبنانية وسجن رومية، ولا حملات جودة الغذاء، ولا اقتلاع الفساد من الإدارات والمرافق العامة. لأنّ لكلّ ما تقدّم وذكرت وظيفة تغطية على سياسة القهر والجوع لتمرير مسائل سياسية كبرى في البلد. إنما سأتناول بعض قضايا الخطاب السياسي المخادع التي تتبجّح بالوحدة وتعمل على التقسيم.
يتحفنا السيد سمير جعجع بشكل يومي تقريباً، وعبر توليده لمناسبات على قياسه وقياس أتباعه، بخطابات ديماغوجية، تحمل من الأضاليل ما يجعلنا بعض المرات نقترب من تصديقه لولا علمنا المسبق بأهدافه. فمرات يتناول الجزء ليعمّم، ومرات أخرى يتناول العام ليسقطه على الفرعي. وربما كان التكرار المدروس في خطاباته وأحاديثه نسخة ملبننة عن خطابات «غوبلز» المشهورة. فهو مع الجيش مثلاً ومع العبور الى الدولة باعتبارهما يمثلان كلّ اللبنانيين. غير أنّ تاريخه الدموي مع الجيش، وطروحاته السابقة في ما خصّ الدولة أثناء الحرب الأهلية، تؤكد بما لا يقبل الشك أنه لا يهتمّ لا بوحدة الجيش ولا بوحدة الدولة. بالأمس القريب وفي معرض خطابه بيوم «الطالب القواتي»، قال إنه ليس وحيداً وليس متروكاً. أيّ أنّ هناك من يحميه، وأنه طبعاً طبعاً سيدافع عن لبنان. ونحن نقول طبعاً طبعاً إنه غير متروك. فهو مرتبط بأجندة الخارج، أجندة محور النهب، أجندة برنارد لويس والمحافظين الجدد في أميركا، ويتلاقى مع مصالح الحركة «العبد وهابية» في السعودية والخليج. نعم نعم إنه جزء لا يتجزأ من منظومة العاملين على تقسيم الساحات الوطنية. إنّ سمير جعجع وغيره بقايا أمراء أزقة الحرب الأهلية في لبنان، وإنّ إطلالته اليومية على الشاشات تعيدنا إلى أيام هذه الحرب، وخطاب هذه الحرب، وسلوك هذه الحرب، وبشاعة هذه الحرب. إنّ أطنان مساحيق التجميل الإعلامية التي تنتجها الشركات المخصصة بذلك، لن تزيل عن وجهه صورة المجازر التي ارتكبها.
مسألة أخرى لا بدّ من التطرّق إليها، وهي مؤتمر الهيئات الاقتصادية العاملة في السعودية، الذي أخذ مساحة واسعة من الإعلام المحلي. قد يكون من المنطقي تفهّم الأسباب والدوافع وراء هذا المؤتمر الذي تحوّل إلى حفلة مبايعة للنظام السعودي، وتعداد «فضائل» السعودية على لبنان واللبنانيين. والحقيقة تقال إنّ فضائل السعودية كثيرة على أصحاب هذا الشأن وأمثالهم تجار السياسة والمواقف وليس على اللبنانيين. واختتم بتساؤل موجه إلى الهيئات الاقتصادية.
هل تسمح السعودية باستخراج النفط من الأراضي اللبنانية؟ وبالتالي الاستقلال المالي والاقتصادي للبنان؟
وهل إقامة هذا المؤتمر هو لدعم اللبنانيين العاملين في السعودية أم للاحتفاظ بامتيازات هذه الطبقة في السعودية؟ أم أنه موجه لمعاداة قسم كبير من اللبنانيين مهما غُلفَ بزيارات ودروع تذكارية لتمويه الموقف؟
لا شك في أنّ الرأسمال الوطني المرتبط والتابع لعجلة الرأسمال الخارجي أشدّ خطراً علينا من مدافع وطائرات العدو. إنه ينفذ إرادة الخارج في لحظة الفصل بين مصالح البلد ومصالح الآخرين.
للكلام صلة…
عميد ركن متقاعد