ماذا سيتغير بعد الانتخابات الأميركية؟
لا يكاد يمر مقال سياسي حول أي قضية على الساحة الدولية دون أن يتضمن اشارة الى انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فهل لهذه الانتخابات هذا التأثير؟
الأكيد هو أن أميركا طرف مباشر في كل أزمات العالم، من حروب المنطقة التي يخوضها كيان الاحتلال بدعم أميركي مفتوح، إلى الاحتلال الأميركي لسورية والعراق، والحرب الباردة الدائرة بين أميركا وإيران، مع شحنة من السخونة يضيفها عليها الدور الذي يلعبه الكيان بإشراف أميركي لمحاولة تحجيم الوزن الإقليمي لإيران كقوة صاعدة. أما خارج المنطقة فإن المعلوم هو أن الأزمات الكبرى مع روسيا والصين مصدرها قضايا وعناوين تتصل بالدعم الأميركي لكل من تايوان وأوكرانيا.
أميركا دولة قوية ومقتدرة وتستطيع توفير إدامة الحروب أو وقفها، فهل يمكن أن تؤثر الانتخابات الرئاسية في رسم اتجاه الحركة الأميركية وما هي حدود هذا التأثير في المنافسة الدائرة بين المرشحَين الديمقراطية كمالا هاريس من جهة والجمهوري دونالد ترامب من جهة مقابلة؟
إذا كان ترامب يرفع شعار أميركا أولاً ويسعى عموماً إلى تقليص التدخل في الحروب أو شن حروب جديدة، فإن هذا الشعار الذي حمله قبل ولايته الأولى لم يرَ النور عملياً وتابعت إدارة ترامب التدخلات التي بدأت في عهد سلفه الديمقراطي أوباما، خصوصاً في حرب سورية التي كانت مشتعلة في ذروتها، واضطر ترامب للتراجع مرتين عن قرار بالانسحاب من سورية.
في دعم كيان الاحتلال يبدو ترامب أكثر تطرفاً من الديمقراطيين، لكن ما يمكنه تقديمه إضافة للدعم السياسي والتبني الأعمى للمواقف الإسرائيلية، لن يكون كافياً لتوقع تغيير جوهري في الحروب التي يخوضها الكيان، لأن الإدارة الديمقراطية في عهد الرئيس جو بايدن قدّمت المال والسلاح والدعم الاستخباريّ والدبلوماسيّ والضغط غير القانوني على المحاكم الدوليّة دعماً لحروب الكيان، وبقي تجييش القوات الأميركيّة لخوض حروب الكيان، وهو ما لم تستطعه إدارة بايدن ولن تستطيع إدارة ترامب فعله، ما يعني أن وصول ترامب للرئاسة سيُقدّم شحنة دعم معنويّ للكيان لكن موازين الحروب لن تتغيّر.
كلام المرشحة كمالا هاريس عن أولوية وقف حرب غزة يبقى بلا قيمة أيضاً، لأن الأمر في النهاية هل سوف تهدّد هاريس بوقف السلاح عن الكيان لإخضاعه لمعادلة وقف الحرب، والجواب هو قطعاً بالنفي، ولذلك فعالية الكلام هي صفر هنا.
الآلة الأميركية العسكرية والأمنية والمالية تقودها دولة عميقة تقف خلفها تكتلات اقتصادية عملاقة، ويشكل البنتاغون والمخابرات عقليها وذراعيها، وهي واحدة وموزعة بين الحزبين ومعسكرات المرشحين، ورؤيتها تنبع من المصالح العميقة للمشروع الاستعماري الإمبراطوري الأميركي، وحدود التأثير الناجم عن تغيير اسم الرئيس سيبقى طفيفاً.