الانتخابات الأميركية «التقاربية» بين ترامب وهاريس.. والمفاجأة المتوقعة!
د. جمال زهران*
أخيراً… وصلت أخطر انتخابات أميركية، منذ أن وُجدت الولايات المتحدة الأميركية، منذ أكثر من مئتي عام، إلى المحطة الأخيرة، وذلك لاعتبارات عديدة، أهمّها بشكل واضح، تأثير المنطقة العربية والشرق الأوسط، على مجريات هذه العملية الانتخابية التي لم تكن تتأثر من قبل بالسياسات الخارجية، وفقاً لما قدّمته الدراسات العلمية في هذا الشأن، إلى محطتها الأخيرة، وإما أن تغلق الصفحة باستقبال أيّ من المرشحين، فائزاً، وتمرّ الأمور في سلام، وإما أن ينجح أحدهما، ويكون لذلك تداعيات خطيرة قد تمسّ الأمن الداخلي، ووحدة هذه الدولة، وسط تهديدات ضخمة بانفصال محتمل لعدة ولايات عن الاتحاد الأميركي، وينفكّ عقد اتحاد الولايات، ليصير فيها، وفقاً لما حدث في الاتحاد السوفياتي، الذي تفكّك – مثل قطع الشطرنج، بنهاية عام 1991م، بعد (6) سنوات من تولي غورباتشوف الحكم في مارس 1985م! ولذلك يدور السؤال الكبير في هذه الانتخابات، ماذا لو نجح ترامب؟! وماذا لو رسب؟! على عكس ما يوجّه إلى السيدة كاميلا هاريس، لأنه في حالة نجاحها، ستكون صورة طبق الأصل من سياسات بايدن، وإعادة إنتاج نظام الحزب الديموقراطي بسياسات وتوجّهاته.
فالذي يُسجّل هنا، في مجريات الانتخابات الأميركية الجارية الآن، أنّ «التعادلية»، و»التقاربية»، هي الاستخلاص الحادث الآن، بين المتنافسين الرئيسيين، ترامب عن الحزب الجمهوريّ، وهاريس عن الحزب الديمقراطيّ. فهناك انشطار كبير في داخل المجتمع الأميركيّ، وداخل كل ولاية، وليست هناك ولاية واحدة لا تشهد مثل هذا الانقسام الحادّ، بل إنّ «الضبابيّة»، هي التي تسود في محاولة أيّ استشرافات أو توقعات بمن سيفوز بكرسي الرئاسة، في أميركا.
وفي الوقت، الذي ترجّح فيه قياسات الرأي العام – الموثوق بنتائجها وآلياتها، قرب فوز هاريس عموماً، بتقدّم نتائجها في بعض الولايات، نجد على الجانب الآخر، رجحان ترامب في بعض الولايات الأخرى، واحتمالات بنجاحه في هذه الانتخابات.
وإزاء ذلك التأرجح بين هذين المرشحين (ترامب # هاريس)، فإنّ النتيجة المتوقعة ستكون مفاجأة للجميع، سواء فاز ترامب، أو فازت هاريس. فضلاً عن ذلك، فإنّ التداعيات لفوز هذا، وهزيمة تلك، ستكون خارج التوقعات أيضاً. ولذلك فإنه في إطار منظور «التعادلية، والتقاربية»، يمكن أن يساعد في تفسير هذه الانتخابات الأميركية التي أعتبرها أخطر انتخابات أميركية، منذ تاريخ إنشائها، وهذا هو ما أتوقعه في الأيام المقبلة.
لذلك، فقد تلاحظ اهتمام فريق عمل بايدن (رئيس المخابرات – مستشاريه – وزير الدفاع – وزير الخارجية – قائد القوات المركزيّة في الشرق الأوسط)، في منطقة الشرق الأوسط، ووجدناهم بشكل يومي في الشهر الأخير السابق على انعقاد الانتخابات. حيث اهتمّ هؤلاء بمسألة: – ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، والوصول إلى ثمة اتفاق، – ضرورة وقف إطلاق النار في لبنان، والوصول إلى ثمة اتفاق، – ضرورة عدم التصعيد في الملف الإيراني، ووقف طموح النتن/ياهو، بضرب إيران، بشكل واسع، منعاً للتصعيد.
ولجأوا إلى الوسطاء من حلفاء أميركا في الإقليم (مصر/ قطر)، بضرورة طرح مبادرات للاتفاق، وتفكيك حالة الركود السائدة. كما لجأوا إلى الزيارات المكثقة، والمصحوبة بالتهديدات والمزايا (العصا والجزرة)، من أجل الوصول إلى ثمة اتفاق، يسهم في تخفيض التصعيد، وتفكيك حالة التوتر السائدة، بغض النظر عن الأثمان!
وقد التقت الأطراف الوسيطة، مع رموز نظام بايدن، في قطر، وفي مصر، بل تمّت الزيارات إلى تل أبيب، وإلى بيروت، والعاصمة الأردنية، وتتالت التصريحات المتفائلة، بأنّ الاتفاق حادث، وهو في الصياغات النهائيّة، وعلى وشك الإعلان! إلا أنّ المفاجأة الكبرى، هي عودة الوسيط الأميركي (هوكشتاين)، إلى المنطقة، والتقى برئيس العصابة في الكيان الصهيوني (النتن/ ياهو)، وحسبما نشرت صور اللقاء، فقد كان لقاءً فاشلاً، ولم يصل إلى شيء، وظهر النتن/ياهو، وهو ينظر بازدراء وتعالٍ واستكبار، إلى هذا المندوب الأميركي، وفريق العمل المصاحب له، لينتهي اللقاء بالفشل، وعودة الوسيط إلى واشنطن دون المرور على بيروت، الأمر الذي أكد على الفشل الذريع الذي مُنيَ به هذا الوسيط، وغيره من فريق عمل إدارة بايدن، الراحل بعد الانتخابات الأميركية، بفعل العدوان الصهيوني على غزة، والمدعوم أميركياً ومن إدارة بايدن، بشكل فجّ، يصل إلى مرحلة «الفجور السياسي»!.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا كان كلّ هذا الاهتمام الأميركي بالمنطقة (عربية – شرق أوسطية)، في هذا التوقيت؟! وهل هناك ضمانات بالوصول إلى ترجمة هذا الاهتمام إلى اتفاق فعليّ وجاد لوقف النار في الإقليم؟!
الأرجح، حسب تقديري، هو أنّ الانتخابات الأميركية، هي السبب. فلولا الأزمة التي تواجهها هذه الانتخابات، لما كان كلّ هذه النشاطات وهذا الحراك الكثيف من مسؤولي إدارة بايدن. فقد وصل فريق حملة هاريس الديمقراطي (وريثة بايدن)، إلى استخلاص مهمّ، في ضوء قراءة موضوعية وشاملة لكل الولايات، وهو أنّ الحملة الانتخابية في خطر، وهناك مشاكل عديدة مع الجاليات العربية والإسلامية، والأقليات الأخرى الداعمة للقضية الفلسطينية، ومعاداة الكيان الصهيوني، الذي يمارس رئيس العصابة (النتن/ياهو) حرباً عدوانية واسعة، تقوم على خيار «الإبادة الجماعية»، وأنّ أميركا الرسميّة تدعم هذا النتن/ياهو، ومن ثم تصبح احتمالات فوز «هاريس»، على المحك، وفي تراجع واضح!
لذلك فقد طلبت الحملة الانتخابيّة من الرئيس بايدن، أن يكلّف فريق عمله ومساعديه بالقيام بمهمة إنقاذ للمرشحة الديمقراطية المهددة، بعدم الفوز في الانتخابات، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على أميركا، حسب تقديرهم.
بينما يقف ترامب، على الجانب الآخر، ليعلن على الملأ، أنه سينجح في الانتخابات وسيُنهي عملية وقف النار فوراً، وأيضاً يقضي على حالة الفوضى الجارية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، الواقعة بين جميع الأطراف، دون أدنى إشارة إلى العدو الصهيونيّ.
أما النتن/ياهو، فهو يتلاعب مع جميع الأطراف، ويحاول كسب الوقت، وتجاوزه، حتى تتمّ عملية الانتخابات، وهو وراء فشل جميع الجهود الأميركية الظاهرية، لوقف النار، والوصول إلى ثمة اتفاقات! وهو يراهن على خسارة هاريس، وإلا لتجاوب معها بالوصول إلى أيّ اتفاق ولو كان صغيراً ومحدوداً، لترجيح كفتها داخل أميركا، ويراهن على كسب ترامب للانتخابات، وهو ما يتوقّع منه دعم النتن/ياهو، في مسار ما يقوم به من إبادة جماعية للفلسطينيين والشعب اللبناني، والمقاومة العربية في غزة والضفة وجنوب لبنان، وإيران! ولكن دون إعلان رسميّ منه أو أعضاء عصابته في الكيان، ولكن أفعاله تؤكد ذلك.
لقد درجت أميركا، على أنه في سنة الانتخابات الأميركية، تكلف بريطانيا، وأوروبا لملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، حتى تنتهي الانتخابات، أما الآن فالجديد، هو استمرار عمل فريق بايدن حتى اللحظات الأخيرة للوصول إلى ثمة اتفاق لوقف النار في الإقليم.
إلا أنّ هذا الفريق فشل في تحقيق أيّ تقدّم، لأنهم أصلاً لا يبغون ذلك، باعتبار أنّ إدارة بايدن متورّطة تماماً، في ما حدث ويحدث وسيحدث، بل هي التي تحارب بالفعل دون مغالاة أو مبالغة، كما سبق أن أشرنا في مقال سابق، كما أنّهم لا تتوافر النيّة الصادقة في الوصول إلى أي اتفاقات، لذلك مُنيت كلّ جهود فريق بايدن، بالفشل الذريع! وما تبقى هو، أنهم سيحاولون تسويق أنهم كانوا في «حراك»، و»نشاطات»، حتى آخر لحظة مما يثبت أنهم كانوا على أمل الوصول إلى اتفاق، وهو ما لم يحدث رغم إرادتهم، وغصب عنهم!
الأمر الذي يجعلنا نستخلص أنّ مثل هذا الفشل الذريع، في الوصول إلى اتفاق لوقف النار، ربما تكون له تداعيات خطيرة على الانتخابات الأميركيّة، بسقوط هاريس، وصعود ترامب، وقد تكون تلك هي المفاجأة الكبرى، بفشل كلّ ما تمّ فعله، من أجل إنقاذ هاريس، وتفادي ترامب!
وإنّا لمنتظرون خلال الساعات المقبلة.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية