لصوص خانوا الوصية !
علي بدر الدين
سألت أنديرا غاندي والدها الزعيم جواهر لال نهرو، ماذا يحدث في الحرب؟ أجابها: «ينهار الاقتصاد» ثم سألته: ماذا يحدث بعد انهيار الاقتصاد؟ أجابها «تنهار الأخلاق»، وماذا يحدث إذا إنهارت الأخلاق؟ أجابها: «ماذا يبقى في بلد انهارت أخلاقه، ومن دون أخلاق يسود اللئام وتذهب الأعراف وتُستباح القوانين ويُمحى فعل الخير ويتحوّل المجتمع إلى غابة».
للأسف هذا هو حال لبنان الذي عانى كثيراً من الحروب «الإسرائيلية» المتوحّشة عليه ومن «الحروب» والصراعات المسلّحة الداخلية بين معظم مكوناته السياسية والحزبية والطائفية بحيث أنّ الكبير يأكل الصغير، والقوي يطحن الضعيف، والحاكم الفاسد يظلم ويستبّد بالمحكوم، والتاجر الجشع يستغلّ الناس ويفرض الأسعار من دون حسيب أو رقيب أو ضمير، والمنظومة السياسية السلطوية والمالية الحاكمة غائبة عن تحمّل مسؤولية حماية الوطن والمواطن وعن تداعيات ما يحصل من مآسٍ ومعاناة، تاركة حبل الفوضى والفلتان على غاربه، لأنها كما قال الملك الفرنسي لويس الخامس عشر «من بعدي ومصالحي الطوفان»، مع أنّ الشعب هو من اختارها (وبئس الاختيار) وكانت بالنسبة له وما زالت طبقه الشهي المفضّل، ولكنها غدرت به وخانت «العشرة» وأذلّته وأفقرته وجوّعته ووجّعته بقرار وعن سابق تصميم وإصرار.
الأسوأ أنّ بعض وسائل الإعلام يتحمّل المسؤولية من خلال التسويق لمواقف وأخبار تزيد «الطين بلّة» من أيّ نوع كانت، وينطبق على بعضها (للأسف)، ما قاله غاندي يوماً «عندما تتبوّل السلطات على الشعوب، يأتي دور الإعلام ليقنعهم بأنها تُمطِر».
وفي الحرب «الإسرائيلية» الهمجية والوحشية المستمرة على لبنان منذ الثامن من تشرين الأول 2024، وما أفرزته من تداعيات خطيرة وكارثية ومأساوية حلّت باللبنانيين وتسبّبت لغاية اليوم بقتل وجرح آلاف المواطنين وتدمير الأبنية والبيوت والممتلكات وحرق المزروعات وتهجير أكثر من مليون وخمسمائة ألف من السكان من المدن والقرى، الذين تحوّلوا إلى نازحين مشتتين بائسين يائسين ومصيرهم مجهول وأرزاقهم في مهبّ الرياح وتحت «رحمة» الذين لا رحمة عندهم ولا ضمير ولا أخلاق، الذين ينبتون كالفطر ويتكاثرون كالجراد ويخرجون من جحورهم كالأفاعي والفئران والجرذان لبثّ سمومهم وأحقادهم ويمارسون «وظيفتهم» وهواياتهم ولصوصيتهم لسرقة بيوت الناس وأرزاقهم وومتلكاتهم إنْ كانوا من الشهداء والجرحى أو من النازحين الذين تطاردهم صواريخ طائرات العدو الإسرائيلي وتدمّر بيوتهم، لأنّ ما يتمّ تداوله في بعض وسائل الإعلام ومنها مواقع التواصل الاجتماعي وعن شهود أعيان تشيب له الرؤوس وتقشعرّ له الأبدان، وقد لا يصدَّق لأنّ بعضاً من فاقدي الأخلاق من اللصوص يستغلون الحرب «الإسرائيلية» على لبنان ويقومون بالغزو والإغارة على البيوت التي غادرها أصحابها أو التي دمّرها الطيران الحربي المعادي ونهبها والعبث فيها وسرقة كلّ ما يرونه ويبحثون عن ما لا يرونه، حتى قيل (على ذمة بعض الإعلام ووسائل التواصل، أنّ السرقات تطال الأبواب والنوافذ من الحديد والألمنيوم) وقساطل و»طلمبات» المياه والأسلاك الكهربائية وغيرها…
إضافة إلى بعض من أفقدتهم الحرب أخلاقهم المغيّبة والمشكوك فيها أصلاً من الجشعين الذين لا يشبعون من أصحاب العقارات والشقق والتجار على أنواعهم الذين يستغلون النازحين والمقيمين على حدّ سواء، من دون رحمة أو رادع أو خوف من الله، وهم يسرحون ويمرحون ويسرقون في ظل غياب من يعنيهم الأمر من الجهات الرسمية والحكومية والإغاثية المعنية.
ويُقال إنّ لصوص بغداد في العصر العباسي كانوا من «الحكماء والفلاسفة»، ومن أشهرهم أبو عثمان الخياط القائل: «ما سرقت جاراً وإنْ كان عدواً لي، ولا سرقت كريماً ولا امرأة ولا بيتاً ليس فيه رجل ولا قابلت غادراً بغدره». وكان من تلاميذه ابن حمدي العيّار الذي كان لا يسرق أصحاب البضائع الصغيرة التي تكون قيمتها دون الألف درهم،
«ومن شربت ماء من بيته أو ألقيت عليه السلام وردّ عليك، فلا يحقّ لك أن تسرقه أو تؤذيه ولو كنت لصاً». عند وفاة كبير اللصوص في العهد العباسي (أدهم بن عسقلة) ترك وصية لأتباعه اللصوص:
«لا تسرقوا امرأة، ولا جاراً، ولا نبيلاً، ولا فقيراً، وإذا سرقتم بيتاً فاسرقوا نصفه وأتركوا النصف الآخر ليعتاش عليه أهله ولا تكونوا مع الأنذال».
(لروحك السكينة يا ابن عسقلة لقد خانوا الوصية من بعدك)!