أزمة بنيوية وجودية في الكيانين
كثيرة هي وجوه التشابه بين الكيانين الاستيطانيين على حساب السكان الأصليين في كل من أميركا وفلسطين، والاستناد الى غلبة المنشأ الأوروبي الأبيض البروتستانتي، والاعتماد على نظرية أرض الميعاد والشعب المختار وأرض الفرص في ولادة الكيانين وتمسك كل منهما بالآخر.
في يوم واحد مشهد لافت في الكيانين، حيث الانتخابات الرئاسية الأميركية ليست مجرد منافسة على منصب الرئيس، بل تعبير عن انقسام عمودي يقسم المجتمع إلى نصفين متقابلين متعادلين، يرفض أحدهما التسليم للآخر، وسط مخاطر الفوضى والحديث عن استعدادات أمنية استثنائية لاحتمالات الشغب وصولاً لخطر الحرب الأهلية، التي صارت شبحاً وكابوساً. وبالتوازي في اليوم ذاته تتحوّل إقالة رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو لوزير الحرب يوآف غالانت الى مواجهات في الشارع، تستعيد الانقسام العمودي في الكيان، بين التيار اليميني الصهيوني العلماني، الذي يشكل الجيش والقضاء وأجهزة الأمن عموده الفقري، ومقابله التيار الديني القومي المتطرف الذي يسيطر على الكنيست والحكومة، ولا يمكن فصل الإقالة عن لحظة يواجه فيها الكيان فشل الحروب وتراجع المكانة، كما هي الأزمة الناشئة في الكيان الأميركي لأسباب مشابهة.
في توقيت واحد يواجه الكيانان أزمة بنيويّة حيث المكوّنات غير المتجانسة تعيش أزمة الهوية، واقتصاد الرفاهية يفقد وهجه والأمن المطلق يصبح موضع سؤال وجودي، والصراع على السلطة يتحوّل إلى انقسام اجتماعي خطير يهدّد السلم الأهلي، مع انعدام الرؤية نحو خيارات قادرة على رد الاعتبار للمشروع الأصلي والأحلام والوعود التي قام بقطعها عند التأسيس.
لم يتردّد قادة أميركا و”إسرائيل” بالحديث عن خطر الحرب الأهلية، حيث خطوط التماس واضحة والاستنفار على وتيرة عالية، والطريق الذي يقود إلى تسوية تاريخية بين المكونات مسدود.
من اليوم حتى نهاية العام يعبر الكيانان في أصعب مرحلة تاريخيّة يواجهان خلالها الأسئلة الصعبة، وحيث تبدو العودة إلى مثال القوة والإبهار بالقوة مجرد ذكريات، ولا تبدو استعادة الأمجاد الماضية أمراً متاحاً، وسواء كان المسار الانحداري ساخناً أو بارداً فهو مسار انحداري في الحالتين، ويصبح الحرص على أن يكون الانحدار بارداً سقف التمنيات.