الرؤية الأميركية تجاه المنطقة وبناء عالم جديد…
محمد حسن الساعدي
تغيّرت جميع المعطيات على الأرض بعد 7 أكتوبر 2023، واختلفت الاستراتيجيات التي كانت تظنّ واشنطن أنها وضعتها لمنطقة «الشرق الأوسط»، خصوصاً أنّ المواجهة هذه المرة تغيّرت تماماً وأصبحت أكثر تكافؤاً بين محور الممانعة وبين «إسرائيل» وداعميها، فمجرد الوقوف بوجه الأخيرة ومَن معها من حشود كبيرة وترسانات هائلة من صواريخ وطائرات متطوّرة يُعتبر تحوّلاً استراتيجياً في مسار الصراع، ويجعل المواجهة متكافئة إلى حدّ كبير بين الطرفين، حتى أنّ أصل حصول المواجهة يُعدّ نصراً واقعياً على الأرض يُحسب لمحور الممانعة كنقطة تفوّق، لأنّ هناك مَن كان يبني حساباته على أساس أنّ الصراع ضد العدو «الإسرائيلي» قد انتهى لمصلحة التطبيع والمطبّعين، ولكن تبيّن أنّ تلك الحسابات كانت خاطئة تماماً رغم أنّ محور الممانعة قدّم تضحيات كبيرة وتكبّد خسائر فادحة من أرواح وقيادات خسرها تباعاً بدءاً من الشهيد صالح العاروري وبعده الشهيد إسماعيل هنية ثمّ الشهيد يحيى السنوار، وعلى الساحة اللبنانية أيضاً ارتقىالعديد من القادة الشهداء وتوّج ذلك استشهاد سماحة السيد حسن نصرالله، ورغم هذه التضحيات الكبيرة جداً إلا انّ الواقع يتحدث عن فرض معادلة جديدة تحكم «الشرق الأوسط» وهي قائمة على أساس وجود هذا المحور كخط الصدّ وطرف أساسي مقرّر في المرحلة المقبلة.
المنافسة اليوم اختلفت تماماً وتعدّت في ذلك الى ان تكون بين القوى الفاعلة في العالم، وتجري اليوم للدفاع عن عصر جديد للشؤون الدولية، وانّ القوى الكبرى كـ روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية يسعون الى إيجاد تعديلات ضرورية على النظام العالمي أو البقاء كمنافس صعب للولايات المتحدة وحلفائها في العالم، وهذا ما يستلزم العمل سريعاً وعلى كافة المستويات سواءً الخارجية او الاقتصادية، على ان تعمل هذه الدول على دعم اقتصاداتها بصورة سريعة ومكثفة وإيجاد تحالفات جديدة في العالم وتحديداً فتح مجالات الحوار مع مع دول «الشرق الأوسط».
تعدّ الصين من الدول الوحيدة التي لديها النية والأدوات للعمل على إعادة تشكيل النظام الدولي، وهذا ما أكده الرئيس الأميركي جو بايدن بأنّ التعامل مع الصين يتمّ على أنها «تحدّ» للولايات المتحدة والمنافس الاستراتيجي الأكثر اهمية على المدى الطويل، وفي ما يتعلق بروسيا فإنّ واشنطن مدركة تماماً للتأثير الروسي على مجريات الأحداث في «الشرق الأوسط»، وانها هي الاخرى تمثل تحدياً لها، لذلك سعت الى تمديد معاهدة «ستارت» الجديدة وإطلاق حوار بشأن الاستقرار الاستراتيجي.
بنفس الإرادة وبنفس القدر من التعامل تتعامل واشنطن مع كوريا الشمالية وإيران، إذ تعتبر إدارة بادين انسحاب «ترامب» من الاتفاق النووي الايراني تراجعاً وفشلاً، بل حرر البرنامج النووي الايراني وعزز قوتها العسكرية بالإضافة الى بيونغ يانغ، ما عزز من قدرة إيران الدفاعية وجعلها تقترب كثيراً من إنتاج القنبلة النووية والتي يؤكد فيها الخبراء النوويين انّ طهران قد تنتج قنبلة نووية خلال أسبوع واحد، لذلك سارعت واشنطن الى ضرورة إعادة فتح ملف البرنامج النووي إذا كان هناك استعداد من إيران في إعادة المباحثات النووية ووفق أسس جديدة تحفظ فيها إيران حقها في امتلاك الطاقة النظيفة.
الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط لم تعد كما كانت من قبل، وانّ الصراع الدائر فيها اليوم هو صراع وجود ونفوذ وقوة، وسيسعى الجميع من أجل أثبات وجوده وقوته، إذا ما علمنا انّ عنصر التوازن والتكافؤ حاضراً في هذا الصراع، وتحديداً مع وجود اللاعب «الإسرائيلي» الذي يراهن على إبقاء الصراع وإدامته لأنه يعتبرها احدى خطوات وجوده، لذلك سيعمد الى فتح جبهات جديدة في «الشرق الأوسط» أهمّها العراق واليمن وإيران، ما يعني انّ المنطقة مفتوحة على جميع الاحتمالات، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية…