الثمن المنشود لـ «السلام الإسرائيلي» الموعود…!
} د. عدنان نجيب الدين
يتوهّم بعض اللبنانيين وبعض العرب أنّ سلاماً يمكن أن ينشأ بين الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والدول العربية التي «تتشارك» معه الهدف في ضمان استقرار المنطقة.
ومعروف أنّ السلام لا يتحقق إلا من خلال ترجمة عملية لميزان الحق والعدل، وكذلك لموازين القوى التي تتعادل فيها القدرات، ويجري فيه الإقرار بالحقوق، فيتقاسم الفرقاء الأعداء الرغبة في دخول حقبة ما بعد الحروب لتجنّب المآسي التي تجلبها للشعوب المتحاربة، ولتحقيق السلام، الذي وحده يجلب الأمن والازدهار.
نشأ الصراع بين الكيان الصهيوني والدول العربية، ولاحقاً بين هذا الكيان والجمهورية الإسلامية في إيران التي دعمت حق الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه من الاحتلال الصهيوني بعد أن تشاركت القوى الغربية والصهيونية في إقامة الكيان الغاصب على أرض فلسطين وطرد معظم شعبها منها، وارتكاب العصابات المسلحة الصهيونية المجازر بحق الفلسطينيين في فترة ما قبل إنشاء الكيان. ثم تمّ تحويل هذه العصابات الى جيش أطلق عليه تسمية «جيش الدفاع الإسرائيلي». والمقصود بهذه التسمية هو الدفاع عن المشروع الصهيوني في احتلال أرض الغير والتوسّع بقدر ما تسمح له قدراته والظروف الإقليمية والدولية.
أما تسمية مشروع السلام الذي يرغب فيه الكيان الغاصب ومن ورائه القوى الغربية المتحالفة معه، فهو يسعى إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا إليها وشطب حقهم بالعودة إلى ديارهم التي طردوا منها، مع أنّ القرار الأممي رقم 194 الصادر في العام 148 واضح بهذا الخصوص، لكن العدو رفض تطبيقه كما رفض قرار تقسيم فلسطين الى دولتين عربية و»إسرائيلية» عام 1947، وكذلك كل القرارات الأممية الأخرى التي يعتبرها ليست في صالحه ومنها القراران 242 و 338 الخاصان بضرورة انسحاب القوات الصهيونية من الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، كذلك القرار 425 الخاص بلبنان الذي نص على انسحاب الجيش الصهيوني الى ما وراء الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة، ولا يزال هذا القرار الذي جرى تنفيذه تحت ضغط ضربات المقاومة اللبنانية عام 2000، ولا زالت هناك أرض لبنانية لم ينسحب منها العدو حتى الآن.
لقد استطاع العدو الصهيوني من خلال حروبه المتكررة على الدول العربية المجاورة لفلسطين والمجازر التي يرتكبها، سواء بقتل المدنيين او بتدمير المباني والمنشآت المدنية أن يهزم بعض حكام العرب الذين سلّموا له باحتلاله لفلسطين حفاظاً على كراسي الحكم، وراحوا يضلّلون شعوبهم ويقنعونهم بأنّ السلام مع هذا الكيان الغاصب هو الطريق إلى الأمن والرخاء في بلدانهم. وبدأت أول عملية طعن للقضية الفلسطينية مع توقيع مصر اتفاقية السلام مع العدو في كامب ديفبد، تلتها اتفاقيات سلام أخرى مع الأردن ثم مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد تنازُل السلطة الفلسطينية عن 78% من أراضي فلسطين التاريخية مقابل إنشاء شبه دولة للفلسطينيين كان الهدف منها تأمين حماية للكيان الغاصب من خلال تنسيق أمني مع سلطة الاحتلال لمنع أيّ عمل مقاوم رافض لأصل وجود هذا الكيان على أرض فلسطين.
وهكذا تحقق للكيان الغاصب ما كان يصبو إليه من اعتراف عربي رسمي بـ «شرعية» احتلاله لبلد عربي هو فلسطين، ومن طرد لشعبها منها خارج وطنه.
ثم جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعيد انتخابه اليوم في الولايات المتحدة الاميركية، لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة «السلام الإسرائيلي» وهي مشروع «السلام الابراهيمي» وما يُعرف بـ «صفقة القرن». فجرى تطبيع العلاقات العربية الخليجية مع الكيان الصهيوني. وكذلك جرى تطبيع العلاقات، في ما بعد، مع المغرب والسودان وانضمام دول أخرى إلى هذا المشروع سراً أو علناً.
أما في لبنان، فقد راح بعض اللبنانيين يروّجون لمشروع السلام مع الكيان الصهيوني بحجة إنهاء الحروب معه وما تجرّه على لبنان من خراب ومآسٍ، بالرغم من استمرار العدو باحتلال أجزاء من الأرض اللبنانية.
وجاءت عملية «طوفان الأقصى»، انطلاقاً من غزة، التي هي عملية انتفاضة لشعب محتلة أرضه يعاني من حصار مطبق لسنوات طويلة، تبعته حرب المساندة التي أعلنتها المقاومة اللبنانية في الجنوب كعملية دعم لغزة وإشغال للعدو من جهة، وكحرب دفاعية استباقية ضدّ العدو الذي كان قد وضع خطة مسبقة للهجوم على لبنان لإنهاء المقاومة تمهيداً لتنفيذ أطماعه في احتلال قسم من الأراضي اللبنانية ليضمّها إلى كيانه الغاصب الذي ينوي توسيعه ليشمل أجزاء أخرى من مصر والسعودية وسورية والعراق إضافة إلى الأردن.
واستشرس العدو في ارتكاب جرائمه ابتداء بحرب الإبادة ضدّ شعب غزة واحتلال أرضه التي سبق وطرد منها عام 2005 تحت ضربات المقاومة، وصولاً إلى لبنان الذي راح ينفذ فيه خطته بضرب أجهزة الاتصالات للمقاومة وعمليات اغتيال القادة وصولا إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله الذي كان يمثل برمزيته وقيادته الحكيمة والشجاعة عقبة كأداء أمام مشروع التوسع الصهيوني.
إنّ الهجوم على المقاومة وعودة بعض اللبنانيين إلى ترداد نغمة السلام مع الكيان الصهيوني هي نغمة كنا قد نسيناها منذ توقيع اتفاق الطائف الذي نص على حلّ ميليشيات الحرب، واعتبار الكيان الصهيوني كياناً عدواً، كما نص على حقّ اللبنانيين في مقاومة العدو حتى تحرير كامل الأراضي اللبنانية المحتلة، وقد شرعت البيانات الوزارية كلها حق المقاومة لتحقيق هذا الهدف.
وهنا لا بدّ أن نضيء على ما يعنيه السلام مع العدو من وجهة نظر العدو:
أولاً – لا يعترف العدو في عقيدته بكل الكيانات العربية التي تحيط به، ويعتبرها أجزاء من كيانه التوراتي من النيل إلى الفرات.
ثانياً – أن السلام مع الكيان الغاصب يعني هيمنته على هذه المنطقة، وعلى ثرواتها، وهذا يعني أنّ حقّ استثمار هذه الثروات سواء منها النفطية أو الغازية او المائية او الزراعية هو حق حصري له ايّ لشركاته، لكنه قد يبقي على شعوب هذه المنطقة ضمن كياناتها طالما أن هذه الكيانات والأنظمة الحاكمة فيها تحت سيطرته وتنفذ أوامره. كما أن شعوبها يجب ان تخضع له ولا تقاومه، لأنها مجموعات من العبيد عليها أن تخدم سيدها، اي النظام الصهيوني. ولا داعي للتذكير بما ورد في توراة اليهود المزوّرة وفي التلمود الذي كتبه أحبار اليهود، وهي نصوص شكلت عقيدة رسمية للدولة الصهيونية التي نص على هويتها اليهودية الكنيست «الإسرائيلي».
ثالثاً – تخضع كلّ الجيوش العربية للشروط الصهيونية والغربية في تسليحها حتى لا تشكل تهديداً للكيان الصهيوني.
رابعاً – أنّ الخطط الاقتصادية للبلدان العربية يجب أن تكون تحت الوصاية الصهيونية ويجب أن تكون في خدمة المستثمرين الصهاينة وداعميهم الغربيين. وهذا يعني سيطرة «إسرائيل» وحلفائها الغربيين ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، من خلال قواعدها العسكرية، على الممرات البحرية والمرافق الاقتصادية الحيوية.
خامساً – يجب إعادة النظر في كل المناهج التربوية لكي تتلاءم مع السلام الصهيوني المفروض، ومع الثقافة التي تخدم إفساد الأجيال الصاعدة وجعلها في حالة انحلال اخلاقي.
سادساً – يجب إعادة النظر بالنصوص الدينية وتعديل محتويات القرآن الكريم وإلغاء العديد من النصوص التي تذكر الجهاد ضدّ الظالمين والمفسدين في الأرض من اليهود الذين حاربوا الأنبياء والصالحين.
سابعاً – يجب حصر الأبحاث العلمية والابتكار التكنولوجي والتصنيع المتطور في الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين. (وهذا ما يجعلنا نفهم السبب الأصلي في حصار الجمهورية الإسلامية في إيران لأنها انخرطت في مشاريع البحث العلمي والتطور التكنولوجي).
وبناء عليه، نخلص إلى القول: هذا هو الثمن المنشود للسلام «الإسرائيلي» الموعود، فعن أي سلام يتحدثون؟