تمثال النازح وطابعُه…
علي بدر الدين
توفي أحد عمّال النظافة في العاصمة السلوفاكية «براتيسلافا»، فأقام له أصدقاؤه تمثالاً تخليداً لذكراه.
وجاء في الخبر العاجل «أنّ هذا العامل الطيّب «تورّط» بحب فتاة، ولكنها هجرته بعد أن أخبرها عن عمله! (قليلة أصل ولديها نزعة طبقية). ورغم عنجهيتها وغدرها بمن أحبَّها بجنون، لم تكن لديها الشجاعة لتصارحه بذلك حين حدّثها عن عمله، وكان ردُّ فعلها صمتاً وخداعاً تمثّل بوعدها له بشرب القهوة معه ولكنها أخلفت الوعد.
كان العامل الولهان ينتظرها كلّ يوم في نفس التوقيت وفي نفس المكان، وكان أصدقاؤه الذين «تواتر» الخبر إليهم يتعاطفون معه ويجالسونه لشرب القهوة معه بدلاً منها لمواساته.
بعد وفاته قهراً وعذاباً ووجعاً (بسبب حبِّه البريء والنظيف)، أقاموا له تمثالاً تخليداً لذكراه، وبنوا مقهى بجانبه ليأتي رواده لشرب القهوة والتعبير عن حبّهم له والتعاطف معه وتقديراً لعمله وتضحياته من أجل أن تكون براتيسلافا نظيفة… وقيل إنّ قبّعة العامل – التمثال أصبحت ملساء وتغيّر لونها من أثر تحيّة الناس عبر مسحها.
هذا الاهتمام الراقي من أصدقاء عامل النظافة العاشق ينمّ عن وفاء وتقدير من أبناء العاصمة اليوغسلافية لمن وفّر النظافة لها، فعبّروا عن حبهم له في إقامة هذا التمثال – الرمز.
بالعودة إلى النازحين اللبنانيين المشتتين الضائعين على معظم مساحة لبنان، نسأل هل مَن يسأل عنهم ويؤمّن احتياجاتهم ويرفع عنهم كوابيس الذلّ والألم والمعاناة في نزوحهم القسري؟ ألا يستحقون التعاطف والدعم والمؤازرة والإطلاع المباشر على أوضاعهم، وكيف يقضون أيامهم التعيسة والبائسة التي طالت بفعل استمرار الحرب «الإسرائيلية» المتوحشة على لبنان، وخاصة مَن غدرت بهم الحرب والزمان والظروف ورمتهم بما سُمّي مراكز إيواء غير ملائمة لإقامة طويلة؟
وبما أنّ حكومة التصريف، والسلطة السياسية الحاكمة والمتحكمة في لبنان منذ عقود غير قادرة على تحمّل مسؤولياتها تجاه النازحين، فأضعف الإيمان إصدار قرار بإقامة تمثال النازح تقديراً منها لعذاباتهم ومعاناتهم وإصرارهم للعودة إلى قراهم وبيوتهم، وإستصدار طابع مالي للنازح يعود ريعه للنازحين العائدين الذين فقدوا بيوتهم وسياراتهم وأملاكهم واحترقت مزروعاتهم.
فما هو المانع من إقامة تمثال النازح في كلّ مدن وقرى النزوح وغيرها من المناطق اللبنانية بالتعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع الأهلي القادرة.
فهل هذا صعب أو مستحيل؟