الدبلوماسية المقاومة
صادق القضماني
لا شك أننا نعيش في عصر «صراع المفاهيم»، فقد أرست «القطبية الأحادية» خلال عقود مضت، عبر أدواتها، مفاهيم لخدمة مصالحها، فعمَدت إلى تغذية الذهن الشعبي في العالم بقيَم الليبرالية والعولمة، في مسعى للوصول إلى أجيال تتعامل مع الاستسلام والخضوع، كأنه علاقات دبلوماسية طبيعية.
لجأت «القطبية الأحادية» إلى فرض هذا الواقع على العالم بالقوة الباردة، والقوة الحامية. فجرّبت أن تفرض قسراً وبقوة العسكر ما عجزت عنه بقوة استخدام الاقتصاد.
ونحو مزيد من تشويه العقل الجمعي للجنوب العالمي، تمّ نشر فكرة أنّ السياسة «فن الممكن»، وأنها «رمال متحركة»، وكذلك «الواقعية السياسية»، وأنّ «المقاومة بلا توازن قوى مهلكة ولا تأتي بنتيجة» إلخ… باتت مثل هذه المقولات هي حديث «المحللين السياسيين» على الشاشات، وبات ترداد تلك المقولات، بمثابة اللازمة الضرورية عند أيّ متحدّث في الشأن السياسي العربي. ومع الوقت صارت مسلّمات، لا يستقيم حديث من دونها. والنتيجة أنّ «المقاومة» و»المواجهة» أمسَت خاضعة لتقييم من هبّ ودبّ، وكذلك فكرة الخضوع والاستسلام والركون لما هو موجود، أسلم الأمرّين، لأنّ التسليم بالهزيمة هو الأسهل على البعض.
لكن في المقابل، ما يجب التأكيد عليه، ونشره وتعميمه، ولا سيما في هذه الظروف، أنّ السياسة أداة نضالية تكتيكية لتمرير هدف واضح بدبلوماسية، بشرط أن لا تحيد عن المبدأ، وإلا تسقط الفكرة التي أُسّست الدبلوماسية من أجلها.
الدبلوماسية والسياسة، أداتان لتحقيق الهدف. وليس الهدف أداة للدبلوماسية السياسية. فحقيقة الأمر أنّ المقاومة فكرة مستمَدة من أصل القضية (تحرير الأرض والإنسان ومواجهة أيّ عدو غاصب). لذا أيّ دبلوماسية في منطقتنا، لا تكون أرضيتها فكرة المقاومة وهدفها الواضح، تخرج عن القيَم الأساسية الأخلاقية للهدف. وبالتالي تبتعد بالمطلق عن فكرة السيادة ودور قادة أيّ دولة في الدفاع عن الأسس التي تُبنى عليها الأوطان والدول.
فعندما صرح الأمين العام السابق الشهيد الأقدس على طريق القدس السيد حسن نصرالله، والأمين العام الحالي الشيخ نعيم القاسم حفظه الله، بأنّ رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، هو من يقود الدبلوماسية في أيّ مفاوضات خارجية ذات صلة بالعدوان الصهيوني.
هذا يعني، أن الدبلوماسية السياسية طريق نضالي مقاوم لتحقيق الهدف. وهذا ما يمثله في هذه المرحلة بري كرئيس لمجلس النواب، ومفوض عن المقاومة، وهو أمر مبنيّ على تجارب سابقة للمقاومة. في لبنان وسورية وإيران.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإرادة تصنع الانتصارات، والسياسة والدبلوماسية ها هنا فنّ تحويل الإرادة إلى أداة نصر.