مقالات وآراء

ماذا تخبّئ «النخوة» المستجدة تجاه النازحين…؟

 

‬ علي بدر الدين

 

ليس مفاجئاً «الاهتمام» المتأخِّر لحكومة تصريف الأعمال، وهيئة الطوارئ الإغاثية الرسمية بموضوع إقامة النازحين، لأنّ الدولة وسلطاتها لطالما «أتت» متأخِّرة بكلّ حدث أو أزمة عامة أو أيّ طارئ على مستوى البلد، على قاعدة المثل القائل «أن تأتي متأخِّراً أفضل من ألاّ تأتي أبداً»، يعني «بعد خراب البصرة» واللّي ضرب ضرب والليّ هرب هرب».
ما أثار الاستهجان والاستغراب والدهشة في آن هو، أولاً التوقيت الذي اتخذ فيه القرار، ومكان إقامة النازحين الجديد الذي هو المدينة الرياضية (مدينة كميل شمعون الرياضية) في منطقة بئر حسن في بيروت، والتسويق الإعلامي المُبالَغ فيه وكأنّ الحكومة تنفّذ مجمّعاً ضخماً على نفقتها الخاصة، وليس على الشحادة وانتظار منح وهبات وقروض الدول والجمعيات والمنظمات «الإنسانية» الدولية المانحة.
المثير بالأمر هو الانهماك الظاهر من الجهات الرسمية والحكومية والإغاثية المعنية بتحضير وتجهيز «أجنحة» وغرف المدينة الرياضية الجديدة لتجميع النازحين فيها، وخاصة الذين «نزلوا» ضيوفاً في المدارس الرسمية التي سُمّيت بمراكز الإيواء ونقلهم إليها تباعاً، من دون معرفة الوقت المحدّد لإنجاز الترميم و»التصليح» والإضافات، وتأمين البنى التحتية من مياه وكهرباء وحمامات ومجارٍ صحية وتدفئة و»أنترنت» وفرش وبطانيات واحتياجات النازح الضرورية، ولا متى سيتمّ نقل النازحين في المدارس الرسمية أو بعضها المحظية لاعتبارات باتت معروفة على أساس «مدارس بزيت ومدارس بسمنة» و»تلامذة أبناء ست وتلامذة أبناء جارية».
السؤال المُحيِّر، لماذا تذكَّرت هيئة الطوارئ الإغاثية الرسمية النازحين فجأة وقرّرت «ترفيههم» بنقلهم إلى مكان آخر، بدلاً من انتظار عودتهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، فهل هذا يعني رغم «أجواء التفاوض الإيجابية» التي يحاول البعص تسريبها وربط «نجاح» الاتفاق على وقف إطلاق النار أو هدنة قريبة، قيل إنّ موعده في العشرين من الشهر الحالي!
وما الذي «عدا مما بدا» حتى تستفيق الكتل النيابية من غيبوبتها وتعقد «اجتماعاً طويلاً عريضاً» ولساعات عديدة لتناقش موضوع النازحين الذي مضى على نزوح بعضهم أكثر من سنة وخاصة أهالي عشرات القرى الحدودية، ثم تلاه النزوح الجَماعي الشامل والأكبر في تاريخ لبنان منذ أقلّ من شهرين وشمل كلّ مدن وقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ومناطق أخرى في بيروت وإقليم الخروب والشوف وجبل لبنان والشمال حتى عكار حيث لاحقت الطائرات الحربية «الإسرائيلية» وصواريخها الغادرة النازحين واستهدفتهم ودمّرت أماكن إقامتهم المؤقتة وقتلت النساء والكبار والأطفال وأبادت عائلات بكاملها.
هذه «النخوة» المستجدة للكتل النيابية المختلفة تؤشر إلى أمر خطير، قد يُفهَم منه إطالة أمد النزوح ودعوة غير مباشرة إلى النازحين لأخذ «راحتهم» والتأقلم مع واقع النزوح الذي يبدو أنّ كابوسه سيطول والله أعلم.
ومَن قال، إنّ اللبنانيين يثقون بالسلطة القائمة ومؤسساتها الإغاثية والحكومية والنيابية، وكلامها وحماسها المصطَنع ويُصدِّق وعودها وتمثيلياتها الممجوجة والمستهلكة، وينطبق عليهم المثل المأثور: «مَن جرّب المجرّب كان عقله مخرَّب».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى