الفتنة الداخلية… مشروع «إسرائيل» الدائم!
} نمر أبي ديب
لبنان المنبثق من صراع الهوية ومتدرجات الانقسام العمودي يخوض اليوم تجربة الاحتكام الشعبي للحسّ الوطني، النابض بأبعاد ومفاعيل اللحمة الوطنية، عبر ما يسمّى «الحاضنة الشعبية»، التي قدّمت على مسرح التعاطي الإنساني الاستثنائي، وبعيداً عن أصوات النشاز مثالاً ونموذجاً يُحتذى في إدارة الأزمة وكيفية التعاطي مع واقع شعبي فرضته «الحرب الإسرائيلية الثالثة» على لبنان، «وطن الأرز»، الذي لم يخرج من دائرة الاستهداف والأطماع «الإسرائيلية» يوماً، بغضّ النظر عن رأي البعض، ومحاولات التلطي وراء الوعود والقرارات الدولية، التي واكبت تسلسل الصراع العربي «الإسرائيلي» منذ نشأته ولم تقدِّم أو يقدَّم من خلالها على مسرح الزمن مادة أممية إلزامية تجيز تنفيذ القررات الدولية الصادرة بحق كيان الاحتلال بمعزل عن الرغبة «الإسرائيلية» من جهة والفيتو الأميركي من جهة أخرى، ما يضعف بالوقائع والقرارات الدولية التي لم تدخل بعض حيِّز التنفيذ…
حجة كثيرين، ممن يراهنون اليوم على «مجتمع دولي» حليف وصديق للولايات المتحدة الأميركية وأيضاً لـ «إسرائيل»، المجتمع الدولي نفسه، الذي زوّد وما زال، كيان الاحتلال بالسلاح والمعلومات الاستخبارية، وأخذ على عاتقه أمن وأمان «إسرائيل»، الجزء الواضح في جبهة الدفاع والحماية التي تطلبتها عملية إسقاط بعض الصواريخ الإيرانية.
يراهن بعض الداخل على مجتمع دولي حليف لـ «إسرائيل»، لم يسجَّل له أيّ محاولات ناجحة على مسار إلزام كيان الاحتلال بتنفيذ المقررات الأممية التي سقط معظمها، أيّ ما يتعلق بـ «إسرائيل»، بـ الضربة الأميركية القاضية، من خلال (الفيتو) في حين يؤشِّر انخراط دول أوروبية كبرى بعمليات الدفاع عن «إسرائيل»، إلى تجاوزات يمكن لها أن تتمدّد تحت سقف القيام بكلّ ما يلزم سياسياً كما عسكرياً.
أمام هذا الواقع لا بدّ من التساؤل عن مصلحة لبنان في الدرجة الأولى، وأيضاً عن دور المجتمع الدولي في هذه المرحلة، يُضاف إلى ما تقدَّم «حركة الموفدين»، إذ يجدر التساؤل عن خطوط الربط غير المعلنة، ما بين المصلحة اللبنانية من جهة، ورهان البعض على مجتمع دولي يضع نفسه في خانة الحليف والصديق وأيضاً في خط الدفاع الأول عن «إسرائيل».
الجدير في الذكر، أن لا وجود لمنطقة وسط في الحرب مع «إسرائيل»، والرهان على حلفائها هو اعتراف مبطَّن بشرعية الدور الذي يقوم به المجتمع الدولي، سواء في السياسة الخارجية من خلال الموفدين أم على مستوى الحضور العسكري، الذي قامت به وما زالت، منظومة البوارج الأميركية كما الأوروبية، المتموضعة حالياً في البحر الأبيض المتوسط.
رهان البعض على مجتمع دولي صديق لكيان الاحتلال «الإسرائيلي» يضع لبنان على مسار التسليم السياسي بأمر واقع دولي تتحكم به الولايات المتحدة الأميركية، ويديره على مستوى المنطقة كيان الاحتلال «الإسرائيلي».
استمرارية الرهان تؤدي إلى فتح «أبواب لبنانية مغلقة»، في مقدمتها (حرب الهوية السياسية)، ويعيد لبنان كلّ لبنان إلى زمن مضى قائم على مسارين: الأوّل أوصلت من خلاله الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» (رئيس جمهورية لبنان على الدبابة الإسرائيلية) المسار الثاني أسقطت من خلاله «قوى الممانعة»، بكامل فصائلها المقاومة للاحتلال المشروع الأميركي ـ «الإسرائيلي»، المتمثّل حينها باتّفاقية 17 أيار.
السؤال ماذا في أبعاد وخلفيات المشهد اللبناني الحالي؟ هل يقود رهان البعض على مجتمع دولي صديق وحليف لكيان الاحتلال «الإسرائيلي» إلى مبايعة سياسية محسوبة النتائج، تتفجَّر من خلالها الساحة اللبنانية، انطلاقاً من التحذير الذي أطلقه وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو وتحدث من خلاله عن خطر اندلاع حرب أهلية وشيكة في لبنان، أم إلى توفير «غطاء لبناني» لسياسات خارجية «أميركية» هادفة إلى تعديل القرار 1701 بما يتناسب مع ظروف المرحلة الحالية ومتطلبات مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي بات يحتاج حسب الإعلان الأميركي إلى ما هو أكثر من تنفيذ القرار 1701، بالتالي هل يشهد لبنان، بمباركة أطراف داخلية، ولادة قيصرية لاتفاق 17 أيار جديد؟
رهان البعض على متغيّرات عسكرية استراتيجية، تعيد من خلالها القوى الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، صياغة واقعها السياسي بما يتناسب مع حجم ومفاعيل المتغيِّرات المنتظرة «رهان خاطئ» في مراحل مصيرية، لم ولن ترتقي من خلالها «الحرب الإسرائيلية» على لبنان إلى مستوى ترجمة وتثبيت «النتائج العسكرية في السياسة»، حتى وإنْ بلغت الأمور في بعض جوانبها خواتيم سلبية كما حصل في اغتيال سيد المقاومة السيد الشهيد حسن نصر الله.
مما لا شك فيه أنّ العمل على استنساخ اتفاق 17 أيار جديد سوف يقابله إسقاط استراتيجي حتمي لهذا الاتفاق، مع فارق «الأثمان الباهظة التي يمكن أن تترتب على لبنان»، وهنا تجدر الإشارة إلى جملة حقائق تاريخية تتعلق بحرب الهوية السياسية، من بينها القوى المنتصرة على الساحة اللبنانية المتمثِّلة دائماً بفريق الممانعة.
الفتنة الداخلية كما الفوضى مشروع «إسرائيل» الدائم في لبنان وصراع الهوية السياسية، جزء لا يتجزأ من مشهد الانقسام العمودي الذي ساهم في أدخال لبنان كلّ لبنان صراع المحاور الدائر في المنطقة، السؤال هل تنجح «إسرائيل» في إثارة الفتنة اللبنانية اللبنانية؟ هل يدخل لبنان أتون الحرب الأهلية المدمرة للبشر والحجر كما للثقافة وأيضاً للسياسة والمجتمع؟ أم ينتصر لبنان بمقاومته، وبالتالي يكون الانتصار عامل إنقاذ من ذلك المسار المظلم…