«بيت الموسيقى» في النجدة الشعبية ينشر إيقاعاته على الأطفال الوافدين إلى قرى عكار…
عبير حمدان
تتفوّق الموسيقى على دوي القنابل في زمن الحرب التي يسعى من خلالها العدو الى تهشيم وتدمير التاريخ ظناً منه أنّ إجرامه قد يلغي الهوية الثقافية والاجتماعية والحضارية، لكن أهل هذه الأرض الذين تركوا قراهم وبيوتهم قسراً يبقى إيمانهم بفعل الحياة قائماً في ظلّ التضامن الوطني في ما بينهم مما يسقط عنهم صفة «النزوح» بفعل الاحتضان الصادق لهم في مختلف المناطق التي وفدوا إليها.
يتشابك النسيح الاجتماعي في عكار وقراها وقد يشكل صورة مشرّفة سيحفظها أهل الجنوب والبقاع والضاحية في وجدانهم وذاكرتهم حين يعودون الى بيوتهم. ولعلّ المبادرات الفردية التي تتظهّر من أهالي عكار تخفف على الوافدين إليها مرارة الترقب الى حين انقشاع غبار الحرب.
ضمن العديد من المبادرات أتت الخطوة الاستثنائية لـ «بيت الموسيقى» في النجدة الشعبية اللبنانية في حلبا كمساحة من الفرح الراقي لتكون الموسيقى لغة خاطب فيها القيّمون على هذا الصرح الفني الثقافي عقول الأطفال الوافدين وقلوبهم من خلال جولة على مراكز الإيواء والمدارس لتعليمهم الموسيقى ما شكّل حالة تفاعلية جديرة أن تعمّم.
منصور: المرحلة تتطلب دعماً نفسياً للوافدين ومساحة من الفرح
يؤكد عضو الهيئة الإدارية المركزية في جمعية النجدة الشعبية اللبنانية الأستاذ كامل منصور أنّ الدعم النفسي ضرورة في هذه المرحلة التي نعيشها، خاصة حين يتصل الأمر بالأطفال الوافدين الى عكار، فيقول: «تتطلب المرحلة الحالية الكثير من التضامن والتكاتف والدعم النفسي لاهلنا الوافدين الى عكار والشمال، وكوننا معنيين بشكل مباشر بالصحة النفسية وكذلك الطبية رأينا أن نضيف مساحة من الفرح عبر الموسيقى، وبالتالي قرّرنا القيام بجولة على مراكز الإيواء والمدارس في حلبا التي هي ضمن نطاق مسؤوليتنا لتعليم الأطفال القواعد الموسيقية بهدف تثقيفهم والتخفيف عنهم قليلاً في ظلّ الواقع الذي يعيشونه».
ويشير منصور إلى «مدى تفاعل الأطفال من مختلف الفئات العمرية مع هذه المبادرة التي تعتبر بسيطة وغير كافية لكنها منحتهم مساحة من الفرح والهدوء النفسي وبالتالي قد تتكرر وفق خطة مدروسة لتكون اسبوعية وفي أكثر من مركز ومدرسة».
ولفت منصور إلى أنّ الأطفال الذين شاركوا في الحلقات الموسيقية وتعلّم النوتة والأداء الجسدي هم من أعمار متفاوتة بين 4 و 11 سنة.
ويعود منصور الى بداية تأسيس «بيت الموسيقى» في العام 2007 حيث جاؤوا بأولادهم ليكونوا طلابهم الأوائل ولاحقاً توسع النشاط وبدأ يتزايد عدد الطلاب ليصبح معهداُ موسيقياً يضمّ نخبة من الأساتذة المجازين في الموسيقى بإشراف الدكتور هياف ياسين الذي يركز على تاريخ النهضة الموسيقية في بلادنا والحفاظ على ثقافتنا وهويتنا ولغتنا.
وبحسب منصور فإنّ «بيت الموسيقى» يضمّ ثلاثة أقسام، أولها التوعية الموسيقية التي يتأسّس فيها الطفل عبر منهجية محددة مرتبطة باختيار الآلة الموسيقية التي يريد أن يتعلّمها، وهناك قسم الموسيقى الغربية بما يضمّ من الآت، والقسم الشرقي الذي يعلم الطلاب كافة الآلات الشرقية. وفي كلّ عام لدينا خريجون مع شهادة «دبلوم» تخوّلهم العمل بها ونقل معرفتهم الى الأجيال.
ويختم منصور بالتأكيد على أهمية التربية حتى في المستوى الفني، لافتاً أنه من الخطأ تعميم فكرة أنّ الاجيال الشابة والناشئة تقبلها للفن الفارغ من المضمون والهوية، بل على العكس هناك جزء لا يُستهان به من اطفالنا وشبابنا يبحث عن الأصالة والهوية الفنية ولديه تعطش كبير للمعرفة في هذا المجال.
ياسين: استمرارنا مواجهة نمنع بها العدو من محاصرة أولادنا وسلبهم طفولتهم
يعتبر المدير العام لـ «بيت الموسيقى»الدكتور هياف ياسين، أن الاستمرارية ضرورة في زمن الحرب خاصة حين يرتبط الأمر بالأطفال كي لا تُصادر طفولتهم، ويقول: «بداية يجب أن أؤكد أنّ الموسيقى ليست مادة ترفيهية وحسب إنما هي مادة مهمة في جانبها التعليمي والتربوي والتثقيفي ولجهة ارتباطها بالهوية، ونحن اليوم في عين العاصفة لذلك علينا الاستمرار كنوع من أنواع المواجهة والتصدي من موقعنا كمعنيين بتعليم أولادنا وعدم السماح للعدو أن يحاصرهم ويسلبهم طفولتهم».
ويضيف د. ياسين: «في ظروف الحرب البعيدة عنا نسبياً يفترض أن يعيش الطفل يومياته بشكل طبيعي ولا يبقى ضمن دائرة خانقة في غرفة مغلقة ليستمع الى الأخبار، وبالتالي كان القرار من قبل الإدارة والأهالي كي نستمرّ ضمن الإطار التعليمي بعد ترقب طويل لما قد يحصل في حال توسعت رقعة العدوان».
وحول المبادرة بتعليم الأطفال الوافدين الى المنطقة يقول: «ضمن سياق عملنا رأينا أنّ الأطفال الوافدين يحتاجون مساحة من الفرح كي يستعيدوا بعضاً من طفولتهم الضائعة والمظلومة جراء بشاعة الحرب، فكان القرار أن نزورهم ونقدّم لهم نشاطاً ترفيهياً وتعليمياً ضمن إطار ما نعرفه فكانت الموسيقى اللغة التفاعلية الجميلة بيننا وبينهم، وبالفعل لمسنا حجم المشاركة ومدى تأثير هذا النوع من النشاط بشكل إيجابي على الأطفال، وقد سعينا لتأمين الكتب الموسيقية لهم والدفاتر والأقلام ولو قدّر لنا لربما قدمنا لهم الآلات الموسيقية، وفي النهاية هي مساحة من الفرح في خضمّ هذا السواد».
ويشير د. ياسين إلى أنّ النصر حتمي، فيقول: «نحن منتصرون لأننا نتعرّض لأبشع أنواع الظلم والقتل منذ أكثر من سنة بدأ في غزة وتوسع إلى لبنان من قبل عدو لا يعرف إلا الإجرام والقتل والسعي لإلغاء التاريخ وتدمير الحضارة والدليل استهدافه للمواقع الأثرية التي وللاسف لم تعمل أيّ جهة عالمية معنية تدّعي حرصها على التراث العالمي الى مواجهة هذا الكيان المجرم ومحاسبته وحتى ولو بموقف، إن كل هذه الجهات العالمية كاذبة ولديها نكران للذات الإنسانية».
الموسيقى علاج نفسي
خلال الجولة في معهد «بيت الموسيقى» أكد الطلاب والاساتذة أنّ الموسيقى هي علاج نفسي وغذاء للروح وهي مبنية على قواعد تكمل بعضها بعضاً على مستوى العالم مع ضرورة خصوصية الموسيقى الشرقية وكذلك الغربية، بمنأى عن الاستعراض والاستسهال والفوضى.