نقاط على الحروف

الحدود اللبنانية السورية

 

ناصر قنديل

 

يشعر قادة الكيان بحجم المأزق في مسار إنهاء الحرب على لبنان عبر التفاوض، لأن القبول بتطبيق القرار 1701 لن يترك مجالاً للاحتفاظ بمكاسب الأمر الواقع التي فرضها الاحتلال خلال 18 سنة هي عمرُ القرار وهي استباحة الأجواء والمياه اللبنانية ورفض أيّ انسحابات من مواقع ذات قيمة استراتيجية يعلم أن عليه الانسحاب منها مثل مزارع شبعا، ولو بتسليمها لـ»اليونيفيل»، لأن الجو والبحر والمزارع ثلاثيّة أي حرب يمكن للاحتلال أن يشنّها لاحقاً وفق توقيت مناسب للقضاء على المقاومة، ما دام عاجزاً عن المضي بالحرب لتحقيق هذا الهدف في هذه الحرب.

النجاح التفاوضي في انتزاع جعل هذه الاستباحة شرعية يحتاج إلى تعديل القرار 1701 تحت النار، لفرض وقائع تمنح طلب التعديل مصدر قوة، وهو يعلم أن هذه الطلبات التي فرض بعضها في ملحق أمني لاتفاق 17 أيار 1983، لم تبصر النور لأن قوى المقاومة فرضت معادلة داخلية أسقطت الاتفاق كله بعد أقل من سنة من التوصل إليه ما حال دون إبرامه، رغم أن الاحتلال كان لا يزال موجوداً على أبواب العاصمة وأكثر من ثلث الأراضي اللبنانية، وكان الأميركي موجوداً عبر قوات المارينز في مطار بيروت، وكان الجيش اللبناني وكل تركيبة الدولة بيد قيادات موالية للأميركي والإسرائيلي، فماذا يمكن له أن يفعل أكثر مما كان يومها مع وجود مقاومة قيد التشكيل لا تشبه مطلقاً حال المقاومة وقدراتها اليوم؟

الواضح أن التركيز يتم على نقطة مفصلية يمكن الاكتفاء بها كمكسب كبير إذا تيسّر تحقيقها، وتجاهل سائر الطلبات المستحيلة، والنقطة هي إخضاع الحدود اللبنانية السورية للوصاية الدولية، وهي تعبير عن مطلب تاريخي منذ فشل الاجتياح للبنان عام 1982 بالوصول إلى منطقة الحدود بعد معارك ضارية مع الجيش السوري في أطراف البقاع الغربي كانت أهمها معركة السلطان يعقوب التي توقف معها التقدّم الإسرائيلي، وفي عام 1987 كان ايهود باراك رئيساً لأركان جيش الاحتلال وقال في مقال في صحيفة هآرتس إن الانسحابات التي يجبر جيش الاحتلال على تنفيذها تباعاً هي انسحاب شامل مع وقف التنفيذ، لأنه ما دامت سورية عمق إمداد المقاومة ففرض الانسحاب من منطقة سيتكفل بفرض انسحاب لاحق من منطقة أخرى.

إدراك أهمية ومكانة العمق السوري في نظر قادة الكيان ترجمته الاستهدافات المتلاحقة لكل المسار الحدودي والمعابر الرسمية وغير الرسمية عليها شمالاً وشرقاً بما في ذلك طرق المهربين والطرق الزراعية، ثم السعي الحثيث الأميركي والغربي لفرض رقابة دولية على الحدود، فشلت محاولات إدماجه بالقرار 1701، وتبعته محاولات لاحقة مشابهة بمسميات أخرى، وعندما بدأت الحرب على سورية، وبدأت عمليات الاستهداف الإسرائيلية في سورية كان أغلبها يتمّ تبريره بصفته محاولات لضرب خط الإمداد للمقاومة، وليس مستغرباً أن يترافق الضغط بالنار على لبنان لفرض شروط صيغة المشروع الجديد للاتفاق، مع ضغط ناريّ متصاعد ومتزامن على سورية، ومحاولة جسّ نبض روسيا لمعرفة مدى استعدادها للدخول على خط الالتزام بضبط الحدود كشريك وإغراء إدخالها شريكاً في رعاية الاتفاق مقابل ذلك. فجاء جواب المبعوث الرئاسي الروسي الكسندر لافرينتيف على التسريبات الإعلامية بهذا الصدد بالنفي، وحسم أمر المسؤولية الحصرية السيادية لسورية في هذه القضايا.

المقاومة التي قاتلت دفاعاً عن سورية، لم تنكر في خطابها السياسي أن سورية هي الظهر والسند، وأن بعضاً من أسباب قتالها هو حماية ظهرها وسندها، وكما فعل الاحتلال في توظيف الحرب على سورية لمحاولة تحقيق أهداف تتصل بوقف إمداد المقاومة، لا تنفي المقاومة أنها فعلت العكس، لكن الشيء الإضافي في قضية الحدود أبعد مدى من الجانب اللوجستي المتصل بإمداد المقاومة، ذلك أن الاهتمام الأميركي والغربي استراتيجي بشأن الحدود، سواء لجهة رد الاعتبار للعزل الذي أقامته اتفاقيات سايكس بيكو منذ قرن مضى، وكانت جبهة إسناد غزة وقبلها المشاركة في الدفاع عن سورية إعلان خرق لهذا العزل، وبالتوازي فإن العلاقات اللبنانية السورية التي قال اتفاق الطائف إنها علاقات مميزة، وتم إنشاء إطار دستوري لها عبر معاهدة تم تجميدها بعد الانقلابات التي فرضها الأميركي على لبنان، يتم النظر إليها في واشنطن وعواصم الغرب بصفتها علاقة يفترض وضعها تحت عين الرقابة الدائمة، وفرض العزل البارد بين البلدين سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتوريط لبنان بخطوات عدائية نحو سورية مثل تدويل الحدود بين البلدين دون موافقة سورية، بعكس ما تفرض العلاقات القانونيّة بين الدول.

معركة القضاء على المقاومة انتهت بفشل ذريع، وهذا معنى كلام بنيامين نتنياهو عن حصر أهداف الحرب بإبعاد المقاومة الى ما وراء الليطاني تصحيحاً لكلام أرعن لوزير حربه عن السعي للقضاء على حزب الله، والمعركة الآن هي معركة الحدود اللبنانية السورية.

Related Articles

Back to top button