خيار المقاومة لا رجعة عنه
حين يلزم الأمر لتحديد مكانة الشام، فنحن شاميّون قبل غيرنا، وحين تتوحّد بلاد الشام، لا بد أن يتوحّد العالم العربي
إنه من أصل الأشياء ومن صلب الحقيقة تولد الفكرة. والفكرة المسنودة لقانون تطوّر الإنسان تحمل في عمقها معطيات حقيقيّة وتجارب موضوعيّة تؤدي بلا شكّ للبحث عن تثبيتها بمفاهيم ومبادئ أعمق تجذراً بالحق، وأكثر إيماناً بضرورة نشرها، لتغدو ذهنية متأصلة في المجتمع الذي فرض واقع حاله البحث عن سبل تغيير مستقبله بما ينسجم مع تاريخه، وحقوقه.
لم تظهر فكرة المقاومة، كهدف لتحسين شروط الحياة الكريمة، بل هي متلازمة بعمق مع جوهر حرية الإنسان. فالله خلق الكون بمجمل تفاصيله، وطوّره بمسيرة طويلة، يتقبّل فيه البشر التغيير من خلال تطوير الذهنية البشرية.
إذاً، المقاومة، فكرة من صلب العقائد، والأساس في ذهنيّة المؤمنين، حتى أنّها يجب أن تكون الذهنيّة الأعمق في عقل أيّ فيلسوف في بلادنا، أو مثقف تحت الاحتلال، أو رجل دين حقيقيّ. فإذا لم يبحث أي إنسان عن تصويب الطريق انطلاقاً من الذهنية قبل الواجب، فإن نضاله محاولة تنتهي إذا اصطدم بواقع أقوى منه. ولذلك ففكرة المقاومة هي ذهنيّة لا استسلام فيها. فهي بوصلة الحق العام، ورهن الإمكانيات لتثبيت الحق والحقيقة.
لا شكّ في أن بلادنا مليئة بأسباب التمسك بفكرة المقاومة، حيث خضعت لقرون من الاستعمار بأشكاله المختلفة، وحروب مختلفة، منها حرب هدفت لكيّ الوعي الجمعي، لجعل المقاومة فكرة وذهنية غير قابلة للتمدد والانتصار.
ظهرت في سياق هذا الصراع الذهني (الحق والباطل) عبر التاريخ مجموعة عقائد وطنية وقومية ودينية وسياسية واجتماعية، بُنيت على أساسها أحزاب اختلفت بالمبادئ العامة، ورؤاها وتعريفاتها عن نفسها. ولكنها اتفقت تماماً على أن النضال والمقاومة شرط أساس للتحرّر أولاً من سيطرة الاستعمار وبقايا أدواته. ومن هذه الأحزاب العريقة “الحزب السوري القومي الاجتماعي”.
في مناسبة عيد تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، لا بد لنا، أن نعتبر الزعيم أنطون سعاده قبل أن يكون مؤسساً للحزب، كان مثقفاً موسوعيّاً، بل فيلسوفاً ومفكراً، يملك ذهناً ثائراً مقاوماً، شجاعاً ومقداماً. فنشر ذهنيته على الأساس القيميّ أولاً، قبل أن تكون المبادئ العامة دستوراً يؤهل المجتمع للتطور، فجمع بين المفكر والمقاوم، ليظهر “مقاوم مفكر” بعقيدة واضحة ومباشرة. وفي المقام الأول وضوح العدو ووضوح الطريق للانتصار عليه. (الوضوح شرط الانتماء).
لا بدّ هنا، حين نشارك في الحديث عن الحزب السوري القومي الاجتماعي في مناسبة عيد تأسيسه، أن يتم تجاوز النقاشات عن مفهوم الأمة والعروبة، أيهما أصح، وأيهما يشكل شخصية المواطن في بلاد الشام، فهذا النقاش يجب أن يُعتمد في البحث عن التطوّر بعد إنجاز كنس الاستعمار من بلادنا. وهذه المرحلة تعتمد تشابك الأيدي تحت القواسم الوطنية المشتركة على قاعدة المقاومة جدوى مستمرة، وهي في صلب ذهنيّة سعاده، الذي استشهد بشموخ وعزة من أجل تثبيتها.
قال الشهيد الزعيم أنطون سعاده، في شرحه غاية الحزب: “إنّ إيجاد جبهة من الأمم العربية تكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية، وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسيّة الكبرى هو جزء متمّم لغاية الحزب السياسيّة”.
ويقول أيضاً: “إننا، نحن السوريّين القوميّين، نوجّه كل قوانا، في ما يختص بالمسائل القوميّة إلى أهداف أمتنا نحن. أما في ما يختص بالمسائل المتعلقة بالعالم العربي كله فإني أعلن أنه متى أصبحت المسألة مسألة مكانة العالم العربي كله تجاه غيره من العوالم، فنحن هم العرب قبل غيرنا. نحن جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه، ونحن حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكريّ في العالم العربي كله”.
ألف تحيّة للحزب السوري القومي الاجتماعي في عيد تأسيسه، والذي أثبت في جميع مراحل الصراع، بأنه حزب عقائدي ثابت، وطني مقاوم، يتجاوز الاختلاف الفكري أمام مصلحة أمته الوطنية الممثلة في مقاومة الاستعمار وأدواته. دائم الحضور ليس بفكره فقط، بل بجسد أعضائه كمقاومين في الميادين، بطولاتهم تركت أثراً في حرب الوعي الجمعي مقابل كل محاولات كيّ الوعي. وكانت هذه البطولات أنموذجاً لكل من يبحث عن المقاومة الميدانيّة.
هذا الحزب العريق شيء منّي (بلاد الشام)، ولا يسعني إلا التأكيد على أن خيار المقاومة لا رجعة عنه، هو خيار يجمع. ونحن أيضاً حين يلزم الأمر لتحديد مكانة الشام، فنحن شاميّون قبل غيرنا، وحين تتوحّد بلاد الشام، لا بد أن يتوحّد العالم العربي. فهذا هدفه الخلاص الدائم لنا جميعاً، أمام أطماع قوى الإستعمار التي لن تنتهي ما دمنا غير موحّدين، على الأقل تحت ذهنية المقاومة، وهي التي تبني أوطاناً ذات سيادة وشعوباً لا تفرط بحقوقها .