الموسيقى الكلاسيكيّة الغربيّة من دفورجاك وغريغ إلى تشايكوفسكي وآخرين
يتميّز الموسيقي الدانماركي نيلز جيد 1817-1890 بالإسراف في التلوين الموسيقي البارز في ألحانه الشعبية. أعماله مليئة بالوطنية ولا ينقصها الصقل والسحر. كتب موسيقى حجرة، ومقطوعات للبيانو، وسيمفونيات وأغاني بهيجة منحته شهرة. أحب المؤلفون الألمان أعماله، خاصة شومان ومندلسون. من تلاميذه في كوبنهاغن، النروجي غريغ.
أمّا إيدوارد غريغ 1843-1907 فشقّ عن طريق دروس جيد الموسيقية وتشجيع عازف الكمان النرويجي أولي بول طريقه بشجاعة في عالم التأليف الموسيقي. وإذا كان هناك من يحب وطنه أو من يحب تصوير الحياة اليومية في النروج بموسيقى زاهية الألوان، فهو إدوارد غريغ. أغانيه الشعبية كانت ترن في أذنه طول الوقت، مثل أغاني المضايق المهجورة والأنهار الجليدية، أو أغاني المروج المضيئة بأشعة الشمس الذهبية، وصيادي الأسماك في قواربهم… كئيبة وبهيجة، أغانٍ مكتوبة بحرفية وفن بديع. لذلك يستحق مكانا بين مؤلفي الموسيقى وملحني الأغاني العظام المعدودين على الأصابع.
كان غريغ يسافر إلى العديد من الدول الأوربية حيث يستقبل بحفاوة وتكريم. كان مخلصاً لوطنه وموسيقاه. أمضى سنواته الأخيرة في منزله قرب بيرغن، وكان معشوقاً لدى مواطنيه. جميع محبي الموسيقى يألفون موسيقى غريغ، الميلودية والهارمونية. وجميع عازفي البيانو يعزفون موسيقاه كذلك حفظ عازفو الكمان، سوناتاته. الفرق الموسيقية كلّها تعمل عمله الأوركسترالي الزاهي الصورة «بيرغينت».
موسيقي آخر حديث هو أنتونين دفورجاك، فخر بوهيميا جزء من جمهورية التشيك مثلما كان جيد فخر الدانمارك، وغريغ فخر النروج. والده كان لحّاماً، يرفض بشدة أن يكون ابنه غير ذلك. ولحسن الحظ كان دفورجاك يعيش في وسط موسيقي، ففي بوهيميا، جميع الناس يحبون الموسيقى. تعلم الغناء والعزف على الكمان في المدرسة، وفي سن الثانية عشر تعلم العزف على الأرغن. وإلى بعض الدروس العادية في المدرسة في براغ، كان يمضي وقته الباقي عازفاً الموسيقى في الحفلات أو المطاعم أو الكنيسة.
لم تكن لديه كتب نظرية ولم يملك مالاً لشراء نوطات موسقية. لكنه درس الأوركسترا إلى حدّ أذهل العالم، خاصة أعماله الأخيرة. سمع مرة أوبرا «ماستر سنغرز» لفاغنر، فأصبح الأخير معبوده في عالم الموسيقى. أخيراً حصل دفورجاك على وظيفة عازف أرغن في كنيسة بمرتب قدره 72 دولاراً سنوياً، ثم بدأ في دراسة النوطة الموسيقية والتأليف الموسيقي. لكنه في البداية كان يحرق كل شيء يكتبه. ألف «رقصات سلافية»، التي وضعته في دائرة الضوء وأظهرته للعالم فجأة. بدأ المنتجون يبحثون عنه. بعد ذلك بات معروفاً في أنحاء أوروبا وأميركا لأصالة أعماله وجمالها ورقتها.
مؤلفه الديني «ستابات ماتر»، من أجمل المؤلفات الموسيقية الحديثة. أدخل إلى سيمفونياته المشهورة صيغاً جديدة. عمله «سبكتر بريد» الذي كتبه لمناسبة احتفالية بيرمنغهام، بالإضافة إلى عمله السابق «ستابات ماتر»، جعلاه ذائع الصيت في إنكلترا. أوبراته التي كتبها بلغة بلاده غير معروفة إلا داخل وطنه.
كانت لدى دفورجاك نظرية مفادها أن الأغاني الشعبية يمكن أن يحوّلها مؤلفو الموسيقى العظام إلى أعمال رائعة ومدارس موسيقية وطنية. لذلك جاء إلى الولايات المتحدة ليختبر هذه النظرية.
ذهب إلى المزارع باحثاً عن أغانٍ وميلوديات لدى المزارعين من أصل أفريقي. نسجها في عمل سمفوني رائع عنوانه «العالم الجديد». كما ألف مقطوعة «العلم الأميركي».
أمضى دفورجاك سنواته الأخيرة في براغ. وكرس وقته كله لتأليف السمفونيات والكنتاتا. كان دائماً في بساطة الفلاحين. توج أثناء حياته بالكثير من الفخار وأكاليل الغار.
ما من شعب يملك ذاك الكم الهائل والثراء بلا حدود من الأغاني الشعبية مثل الشعب السلافي. ففيما كان مكبوتاً ومطهداً كان يجد متنفّساً في الأغاني الشعبية. عاما فآخر، تسربت هذه الأغاني إلى الفلاحين الروس لكي تخفف عنهم وحدتهم وبرودة جوهم القاسي.
تشايكوفسكي 1840-1893 من أكثر المؤلفين الروس شهرة في الغرب، ومثل برامز في ألمانيا، حاول «تشايكوفسكي» السير على نمط باخ وبيتهوفن، ويعتبره بعض الروس ألمانياً أكثر منه روسياً. عندما كان شاباً يافعاً، كان يعمل تحت إشراف مدرّسه الموهوب روبنشتاين ليل نهار. كان تشايكوفسكي وطنياً يحب وطنه وتعبر موسيقاه عن عواطف جياشة. موسيقى زاهية عذبة. عبقري تسطع موسيقاه بالميلوديا، كما يظهر ذلك في مؤلفاته، السوناتا والكونشيرتو والسمفونيات والأغاني والأوبرا. سمفونيته السادسة «Pathetic»، أشهر سمفونياته.
ومن أعماله أيضا المشهورة أيضاً باليه «بحيرة البجع» وباليه «كسارة البندق».
أما نيكولاي ريمسكي كورساكوف 1844-1908 فكتب الكثير من الأوبرات الجميلة والسمفونيات، والكثير من موسيقى الحجرة. في أغانيه الشعبية والموسيقى الراقصة، أدخل العذوبة والتلوين وهو مؤلف المتتابعات السيمفونية المشهورة «شهرزاد».
هناك أيضاً العديد من المؤلفين الروس المشهورين في الغرب، وتتميز موسيقاهم بالعذوبة والرقة، بينهم رخمانينوف 1873-1943 وبروكوفيف وشوستاكوفتش وخاتشاتوريان 1903-1978 وسترافنسكي 1882-1971 وآخرون.