اليوم الـ 55 من الحرب البرية
} ناصر قنديل
– بعد أسبوعين من الضربات القاتلة التي بدأت في 17 أيلول بتفجير أجهزة المناداة (البايجر) وتبعها في اليوم التالي تفجير أجهزة اللاسلكي وحصدت 4000 إصابة بين شهيد وجريح من بنية المقاومة، وكانت خاتمتها عملية تدمير للضاحية الجنوبية للعاصمة والجنوب والبقاع في 30 أيلول حصدت 700 شهيد و3000 جريح من بيئة المقاومة، وبلغت ذروتها يوم 27 أيلول باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وقبله وبعده اغتيال رموز القيادة العسكرية العليا وقادة ميدانيين فاعلين في جسم المقاومة، بدأ جيش الاحتلال قبل 55 يوماً حربه البرية، التي حشد لها خمس فرق تعادل أغلب جيشه القادر على القتال، رغم تسميتها بالعملية المحدودة.
– رافقت الحرب البرية حملات تدمير واستهداف للعمق اللبناني واصلت خلالها الغارات الجوية ارتكاب المجازر والتدمير في البقاع والجنوب وتدمير منهجي للعمران في الضاحية الجنوبية ووصلت عمليات القتل والمجازر والتدمير الى العاصمة بيروت مراراً، ومهمة هذه الحرب الكاملة الشاملة محدّدة بتحقيق إنجاز عسكري يتمثل بوقف صواريخ المقاومة وإتاحة المجال لعودة مهجري مستوطنات الشمال، أو تحقيق إنجاز سياسي يضمن للاحتلال السيطرة على الأمن في جنوب لبنان والرقابة والوصاية على العمق اللبناني لمواصلة استهداف بنية حزب الله، ومنع وصول الأسلحة اليه، وتجريده من صواريخه الدقيقة، ووضع مستقبل سلاحه على طاولة البحث اللبناني والدولي، ولا مانع أن يكون ذلك تحت عنوان تطبيق مبتكر للقرار 1701، يحتفظ عبره الاحتلال بأراض لبنانية يؤجل البحث بالانسحاب منها، وفي طليعتها مزارع شبعا المحتلة كضمان للإمساك بالقدرة على التحرك عند الضرورة التي يراها، ويحتفظ بحرية التحرك في الأجواء اللبنانية بذريعة مراقبة تسلح المقاومة والتحقق من صدقية منعها من التسلح، وإذا امكن إخضاع الحدود اللبنانية السورية للرقابة الدولية فيكون ذلك أفضل، وبكلّ الأحوال الاحتفاظ بالقدرة على الملاحقة والهجوم ولو استباقاً لكلّ ما يعتبره تهديداً لأمنه.
– في لحظة سياسية مناسبة أعلنت المقاومة، بعد أيام من بدء الحرب البرية أنها تؤيد الحراك الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويؤيده عدد من القادة البارزين لصناعة شبه إجماع لبناني، تحت شعار وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، وجاءت المبادرة الأميركية للوساطة تستكشف حدود الفرص الممكنة لتحقيق مطالب الاحتلال تحت شعار القرار 1701، بتعديله أو دون تعديله، بإضافة نصوص جانبية ثنائية وثلاثية أو بطرق أخرى، فالمهمّ بالنسبة لواشنطن الديمقراطية والجمهورية على السواء أن تأتي المبادرات الدبلوماسية في إحدى حالتين، حالة مساعدة الاحتلال على جني الأرباح وهو متفوّق ومنتصر، أو حالة تجنّب الخسائر أو تخفيفها عندما لا يعود قادراً على تحمّل أعباء استمرار الحرب.
– اكتشف الأميركي في زيارتين للمبعوث آموس هوكشتاين، أنّ الفهم اللبناني للقرار 1701 مبني على أرضية صلبة ومتفاهم عليها، ولا مجال للتلاعب بها أو تفخيخها بالتطلعات “الإسرائيلية” تحت أي عنوان، فليس وارداً القبول بحرية تحرك الاحتلال، ولا احتفاظه بالأرض، ولا بوصايته على الأجواء، وبات على الاحتلال إثبات قدرته على تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة في الميدان، بتوجيه ضربات قاسية للمقاومة والسيطرة على أجزاء هامة من الأرض، أو تخفيض سقف الطلبات بما يتناسب مع واقع الميدان، ففعل الاحتلال الأمرين معاً، رمى بثقل ناري وبري لتحقيق مزيد من المكاسب، وعدّل طلباته عبر إضفاء الغموض على جمل من نوع حق الدفاع، ولجنة إشراف ورقابة بقيادة أميركية، لكن لا شيء تغيّر في بيروت.
– أمس كان اليوم 55 من الحرب البرية، وقد قالت فيه المقاومة كلمتها الفاصلة، فدمّرت في يوم واحد عشرة دبابات ميركافا، وأطلقت أكثر من 400 صاروخ، توزعت بين نصفين، نصف للجبهة البرية وملاحقة تجمعات الاحتلال على طرفي الحدود، ونصف نحو عمق الكيان وصل إلى كلّ أنحاء الكيان، وفي قلبها تل أبيب رداً على استهداف بيروت، ورسمت المقاومة مستقبل الأيام المقبلة، إما قبول القرار 1701 وفيه تخلّ عن مكاسب استولى عليها الاحتلال رغم القرار 1701، مثل الهيمنة على الأجواء أو احتلال الأرض، بدلاً من التطلع لوهم مثل شرعية التوغل والملاحقة في الأراضي اللبنانية والتحرك الاستباقي، وكلها خروقات موصوفة للسيادة اللبنانية، أيّ الذهاب الى ما هو أصعب من زاوية الاحتلال لما كان عليه الوضع عشية 7 اكتوبر، وإلا فإنّ عليه مواصلة الحرب دون أمل بتحسين أوضاعه، والمقاومة التي أسمت حربها بحرب “أولي البأس” لم تره بعد إلا بعضاً قليلاً من بأسها، وربما يبتكر الاحتلال خياراً ثالثاً اسمه العودة الى اتفاق غزة، الذي يضمن تلقائياً وقف إطلاق النار على جبهات اليمن والعراق ولبنان، دون تقديم التزامات، بما يعني العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر…