أولى

شهيدنا الغالي الحاج محمد عفيف: ستبقى بيننا مدرسةً للصدق والالتزام

‭}‬ أحمد بهجة

نادرة هي الشخصيات التي تحصد الاحترام بالإجماع من قبل الأصدقاء والمحبّين والخصوم على حدّ سواء. هذا هو حال شهيدنا الغالي الحاج محمد عفيف الذي لا يزال حديث الساعة وسيبقى كذلك نظراً لما كان يتمتع به من صفات ومزايا ومكانة جعلته يحظى بمثل هذا الإجماع المنقطع النظير.
كان الحاج معروفاً بشكل واسع على أكثر من صعيد سياسي وشعبي، وبالطبع كان كلّ العاملين في قطاع الصحافة والإعلام يعرفونه جيداً، ومنهم من اتخذهم أصدقاء ورفاق عُمْر، ومنهم مَن بقيت علاقته بهم محصورة بالجانب المهني، على اختلاف أعمارهم ومواقعهم وانتماءاتهم ودرجات مسؤولياتهم وخبراتهم في مهنة المتاعب.
لكنه لم يكن يحبّ الأضواء، بل فضّل على الدوام أن يعمل بصمت خلف الكواليس ويترك لنتائج العمل أن تتحدّث وتُحدِث الصدى المطلوب على المستويات السياسية والإعلامية والشعبية.
كان يحبّ أن يستظلّ عباءة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، شهيدنا المقدّس الأغلى والأسمى، وقد أعلن ذلك بنفسه في مؤتمره الصحافي الأخير في مجمع سيد الشهداء في الرويس لمناسبة ذكرى أربعين السيد، حيث استظلّ منبره ليؤكد أنّ العدو الصهيوني سيُهزَم وأنّ المقاومة ستنتصرُ مهما كانت التضحيات، وأنّ المقاومين الأبطال راسخةٌ أقدامُهم في أرض الجنوب الحبيب على امتداد الجبهة الأمامية من الناقورة إلى شبعا…
وكما بات معروفاً فقد جمعت الحاج محمد علاقة أكثر من مميّزة مع سماحة السيد، بدأت منذ أيام الدراسة في النجف الأشرف، واستمرّت لنصف قرن تقريباً. قبل حرب العام 2006 كانت اللقاءات بينهما يومية، ليس فقط بحكم الصداقة والأخوة، بل بحكم المسؤوليات التي تولاها الحاج في مؤسّسات الحزب الإعلامية، وبعد 2006 كانت المحادثة الهاتفية اليومية تقريباً بينهما، وأحياناً أكثر من مرة في اليوم إذا دعت الحاجة، لأنّ السيد الشهيد كان الإعلامي الأول والمتابع بكلّ اهتمام لكلّ ما يُكتب ويُقال، لا سيما في إعلام العدو، وهو الخبير المشهود له بكيفية استخدام وسائل الإعلام في المعركة ضدّ العدو، لا سيما في التأثير المباشر والحرب النفسية التي كانت معظم خطابات السيد تركز عليها وتفعل فعلها لدى جمهور المستوطنين في كيان العدو الصهيوني، إلى درجة أنّ هؤلاء كانوا ينتظرون كلام السيد لكي يعرفوا منه الحقيقة كما هي، لأنّ قادتهم منافقون كاذبون…
وكان السيد نصرالله يثق كثيراً بعقل الحاج محمد وخبرته الإعلامية الكبيرة وثقافته الشاملة والواسعة، ولذلك كان يكلفه بإعداد الأفكار المطلوبة لهذا الخطاب أو ذاك في هذه المناسبة أو تلك، وكان في غالب الأحيان يأخذ بها على طريقته المحبّبة في خطاباته التي يستمع إليها مئات الآلاف…
وهناك ناحية هامة جداً في شخصية الحاج الشهيد محمد عفيف ربما لم يتحدث عنها أحد، وإنْ كان ألمح إليها شقيقه الصديق الشيخ الدكتور صادق النابلسي في حديثه التلفزيوني مع الإعلامي الصديق عماد مرمل، وهي أنّ الحاج كان لديه منسوب عالٍ جداً من الإنسانية، ولم يكن يتأخر أبداً عن تأدية خدمة صحية أو تربوية أو مساعدة اجتماعية، متى استطاع إلى ذلك سبيلا، سواء طلبها منه صاحب العلاقة أو عرف بها من خلال أصدقاء مشتركين، وهذا ليس بغريب على الإطلاق لدى هؤلاء الرجال الرجال الذين وهبوا كلّ العمر وبذلوا الأنفس والأرواح في سبيل عزة بلدهم ورفعة ناسهم وكرامة مجتمعهم…
شهيدنا الغالي الحبيب… مهما تكلمنا وأوردنا من وقائع ومحطات كان لنا الحظ أن نرافقك خلالها، لفترات طويلة، فإننا سنبقى مُقصّرين تجاه عطائك وتضحياتك الغالية ومواقفك المدوية، والكلّ شهد لك بأنك صاحب الإنجازات الكبيرة، لا سيما في فترة الخمسين يوماً الأخيرة حيث وقفتَ مع ثلة من الزملاء فوق الركام لتؤكد للجميع، وخاصة للعدو، بأنّ مقاومتنا بخير وأنّ انتصارنا حتمي، وأنّ هؤلاء الشباب الأشداء المؤمنين سيهزمون أعتى جيش في العالم، لأنهم أبناء سيد شهداء الأمة سماحة الأمين العام الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله.
رحم الله شهيدنا الغالي الحاج محمد عفيف النابلسي ورفاقه الشهداء الأخوة الأعزاء محمود الشرقاوي وموسى حيدر وهلال ترمس وحسين رمضان… يا مَن طلبتَ الشهادة ونلتَها، وكتبتَ مقالتك الأخيرة بدمائك الزكية وقلتَ كلمتك بالشهادة ومشيْت… عهدُنا لك الاستمرار بلا كلل أو ملل، وكما أردتنا دائماً في اللقاء الإعلامي الوطني أقوياء متّحدين ومستعدّين للبذل والعطاء في سبيل بلدنا وشعبنا ومجتمعنا، ملتزمين بمدرسة الصدق والشفافية في القول والفعل…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى