أنطون سعاده فكرة لا تموت وحضور لا يغيب
الياس عشّي
لم يعرف العالم العربي وضعاً أسوأ ممّا هو عليه اليوم ، فالعصبيّة القبليّة تعود إلى الواجهة، والتعصّب المذهبي في الذروة من الازدهار، والتشرذم يوحي بأنّ سايكس – بيكو أخرى تلوح في الأفق، والجهل يزحف كالجراد، وثقافة القتل على الهويّة أفقدتنا الأرض كما يقول أنطون سعاده الذي نحتفل اليوم بعيد ميلاده الرابع عشر بعد المئة .
عندما ولد سعاده 1904 كانت المذابح الطائفيّة التي جرت في لبنان، وامتدّت إلى الشام عام 1860، أهمّ حدث أمني وسياسيّ خطّط له الغرب لرسم المراحل القادمة للخريطة السورية رغم مرور نصف قرن على وقوع تلك الحوادث.
ممّا لا شكّ فيه أن أنطون سعاده الذي نشأ ونما في ظلّ والده خليل المفكّر والكاتب والثائر قد سمع بتفاصيل ما جرى، وتركت تلك التفاصيل ندوباً في ذاكرته لم تندمل أبداً. بل وصلت تلك الجروح إلى الذروة مع مشانق جمال باشا السفّاح، ووعد بلفور، واتّفاقية سايكس – بيكو، والاحتلال الغربي للبلاد، وسلخ لواء الإسكندرون عن سورية، والإعلان عن قيام الدولة اليهوديّة، وكلّها نماذج حسّيّة تثبت الممارسات غير الأخلاقية والمشينة للدول العظمى التي ظهرت منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين.
في تلك السنوات المئة تعرّفنا إلى الكواكبي، والرصافي، والبساتنة، واليازجيين ، وقرأنا لمحمّد عبدو، وأحمد فارس الشدياق، وخليل سعاده، وجبران خليل جبران، ومي زياده، وميخائيل نعيمة، وقاسم أمين، وغيرِهم من العمالقة الذين ساهموا في إنهاء عصر التقليد، والخروج من حالة الاستنقاع .
في تلك السنوات برز أنطون سعاده، فكان المفكّر والسياسي والصحافيّ والعقائدي الذي آمن بعقيدة تساوي وجوده، وقبل أن ينهي العقد الثالث من عمره أعلن عن تأسيسه للحزب السوري القومي الاجتماعي.
في ذكرى ميلاد أنطون سعاده أتحدّى أن يكون واحد من حكّام العالم العربي ، وأخصّ حكّام كيانات الأمة السوريّة ، قد قرأ كتاباً واحداً لأنطون سعاده.
لو فعلوا لما اغتالوه ، ولما حاولوا تشويه مبادئه .
لو فعلوا لأخذوا حذرهم من معاهدة سايكس – بيكو ثانية وثالثة تُعدّ لعالم عربيّ غارق في الغيبيّات.
لو فعلوا لما وصلت الوهابيّة إلى عقر دارهم، ولما نام اليهود في مخادعهم، ولا صارت فلسطين دجاجة من بيضها الثمين يأكلون كما يقول نزار قباني.
لو فعلوا لما كان لهذا الربيع ذي الهواء الأصفر أن يقيم في ديارنا، وأن يدمّر حضارتنا، وأن يعيدنا إلى العصر الحجري .
أنطون سعاده فكرة لا تموت، وحضور لا يغيب، وذَهاب نحو مستقبل مشرق ودافئ وحميم، فهل كثير عليه أن نحتفل اليوم بذكرى ميلاده وهو الذي رسم للأمّة معالم حياة أخرى تشمخ بوقفات العزّ؟