بين المقاومة وحلب
تدور المعارك حول الأخبار الحقيقية لما يجري في شمال سورية بصورة أشد ضراوة من المعارك الحقيقية التي تدور في التلال والشوارع والقرى، حيث القنوات الفضائية العربية التي خاضت الحرب على سورية عادت واتحدت لتواكب هذه الحرب رغم انقسامها حول حرب غزة، ونسبياً حول حرب لبنان.
التسجيلات المصوّرة والمعلومات التي تضخ على وسائل التواصل الاجتماعي كلها جزء من حرب نفسية وإعلامية وأغلبها قديم من معارك سابقة او مفبرك لا يمكن البناء عليه لتكوين صورة حقيقية عن خرائط توزع القوات العسكرية للدولة السورية والجماعات المناوئة لها التي بدأت الهجوم بقيادة جبهة النصرة وهي فرع تنظيم القاعدة وتحت الرعاية التركية التي عبّر عنها البيان الرسميّ الذي حمّل مسؤولية اندلاع المعارك للدولة السورية.
الأكيد أن صورة المواقع متحركة، والأكيد أن جبهة النصرة ومَن يقاتل تحت لواء تركيا حققوا تقدّماً عسكرياً في أرياف حلب، والأكيد انهم تسللوا الى بعض أطراف المدينة، لكن الأكيد أن الجيش السوري وحلفاءه يعززون دفاعاتهم وقد بدأوا في بعض النقاط هجوماً معاكساً نجح باسترداد بعض النقاط من أيدي النصرة وتركيا، ولعل الصورة الميدانية تتبلور اليوم ويتراجع تأثير الضخ الإعلامي المبرمج بوقائع غير قابلة للجدل.
الحرب الدائرة في شمال سورية هي امتداد للحرب التي دارت في جنوب لبنان، وأصحاب هذه الحرب لا ينكرون أنهم كانوا يستعدون للهجوم استفادة من انشغال حزب الله في حرب الجنوب، لكن الأمر في العلاقة بين الجنوب اللبناني وشمال سورية أكبر من ذلك، فليس خافياً حجم الاهتمام الذي توليه الإدارة الأميركية بنسختيها الجمهورية والديمقراطية بضمان أمن كيان الاحتلال المكشوف بعد فشله في حرب لبنان، والتركيز على الحدود اللبنانية السورية وموقف الدولة السورية من إمداد المقاومة في لبنان، وبنيامين نتنياهو عندما قال “الأسد يلعب بالنار”، كان يؤشر الى ان الهدف التالي هو سورية، وبينما كثيرون يتوقعون هجوماً إسرائيلياً على سورية، كان الجيش المتعب والمنهك من حرب لبنان أضعف من التفكير بخوض حرب جديدة، لكن كان هناك من يتولى المهمة.
تركيا التي سمعت الرئيس دونالد ترامب يتحدث عن الاستعداد للتخلي عن الجماعات الكردية استفادت من كلامه للتفاوض مع هذه الجماعات وعقد صفقة معها على الأرجح، وقد سمعت الرئيس ترامب يتحدث عن نيته تسليم روسيا مسؤولية ادارة الحل السياسي ومحاربة الإرهاب في سورية، فسارعت لتقديم أوراق اعتمادها بتحقيق ما رفضت موسكو القيام به، وهو إغلاق الحدود السورية مع لبنان أمام المقاومة، عبر الضغط على الدولة السورية لقبول تدويل الحدود، وطريق ذلك بسيط وهو هجوم حلب، والجماعات المسلحة الإرهابية وفي طليعتها جبهة النصرة جاهزة للتنفيذ.
روسيا وإيران وقوى المقاومة جميعها على يقين بأن امنها الاستراتيجي يتصل وجودياً بقوة سورية وأمنها، ولذلك بمعزل عن المشهد المتحرك في الميدان فإن المقبل قطعاً سيكون لصالح سورية وحلفائها، لأنه مقابل الأهداف التكتيكية لتركيا هدف استراتيجي لحلف كبير مستعد للقتال دفاعاً عن سورية.