المخاض العسير… قبل التسوية السياسية في المنطقة
د. سلوى خليل الأمين
أشرفت ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما على نهايتها، لهذا لا بدّ من تسريع الخطوات من أجل حصد المكاسب التاريخية، التي يرغب الرئيس باراك أوباما إضافتها إلى سجلاته بشكل إيجابي، كي تكون شاهدة على تاريخ يريده مضيئاً لولايتيه، من أجل أن تبقى فترة رئاسته شاهدة حية على مرحلة تاريخية خاضها باسم الحزب الديمقراطي الأميركي بكلّ الأبعاد التي من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية الأممية التي نادى بها في بداية مسيرته الرئاسية، عبر خطابه الشهير في جامعة القاهرة، حين ركز على حق الشعوب في حريتها وتقرير مصيرها.
لهذا فإنّ ما يسعى إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما وإنْ متأخراً، بالاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، من خلال التغييرات، التي يلاحظ البصمات الأميركية المباشرة عليها، والتي هي بمثابة انقلاب حقيقي في المملكة العربية السعودية، أهمّها عملية تعيين السفير السعودي في واشنطن عادل بن أحمد الجبير، وهو من خارج العائلة الحاكمة، وزيراً للخارجية بدلاً من الأمير سعود الفيصل، الأمر الذي أحدث اشمئزازاً وعدم رضى بين الأمراء السعوديين، خصوصاً العاملين في وزارة الخارجية، ما أدّى بهم إلى تقديم استقالاتهم، بحجة أنه لا يجوز أن يتلقوا الأوامر من وزير ليس من العائلة الحاكمة، لكن الأمر سيان حين الأمر صادر من كواليس الإدارة الأميركية الراعية لاستمرار الحكم السعودي كما تريده شكلاً ومضموناً، رغم كلّ الاعتراضات القائمة على ممارساته اللاديمقراطية، التي تثير الاشمئزاز من الخارج والداخل… لهذا بانت الرسالة واضحة، من حيث أنّ الإمساك بمفاصل الحكم في المملكة العربية السعودية بات بيد أميركا مباشرة، وليس بالتواتر كما كان يحصل سابقاً، وما خروج سعود الفيصل من وزارة الخارجية، التي قضى فيها أكثر من أربعين عاماً، إلا عقاباً على تصريحاته التي تناولت الاتفاق الأميركي الإيراني بسلبية أثارت ضغينة الرئاسة الأميركية، التي تسعى إلى فتح حوار جدي وفعّال، عبر الوزير الحالي عادل الجبير، بين السعودية وإيران، قوامه حلّ قضايا المنطقة من اليمن إلى سورية والعراق ولبنان وحتى فلسطين.
هذا ما أشارت إليه صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، بالقول: «إنّ الأمير محمد بن نايف الذي عيّن ولياً للعهد بدلاً من الأمير مقرن بن عبد العزيز، يحظى بتقدير الإدارة الأميركية، بسبب نجاحه حين كان وزيراً للداخلية في محاربة «القاعدة»، لأنّ الولايات المتحدة الأميركية تحتاج إلى علاقات سلسلة مع السعودية، تهدف إلى التركيز على الحوار والديبلوماسية في التعاطي مع جيرانها، خصوصاً بعد اتخاذها القرار بشنّ الحرب على اليمن والتدخل في الصراع في سورية والعراق ولبنان، لهذا فإنّ ما تهدف إليه إدارة أوباما هو التعاطي باستراتيجية جديدة أكثر هدوءاً، خصوصاً باتجاه سورية، وأكثر انفتاحاً، بعيداً عن التطرف المنتج للإرهاب». كما أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى «أن الرئيس أوباما لا يزال حذراً من أي تصعيد كبير في سورية واليمن والإيعاز بالعمل على وقف الهجمات الجوية على الشعب اليمني الذي لم تلزم به السعودية».
علماً أنّ الاجتماع المنوي عقده في الولايات المتحدة الأميركية، بين دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس أوباما، سوى عملية تحضير أو تهديد مبطن بالتزام الهدوء، سعياً لحوار تعدّه سلطة أوباما سيتمّ بين إيران والسعودية، يسهّل مجرى الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني، الذي بات في حكم المنتهي لدى إدارة الرئيس أوباما المصرّ على توقيعه وسريان مفاعيله بهدوء وأمان، قبل انتهاء مدة ولايته.
لكن بالرغم مما يُحاك من حلول حوارية وسلمية وسياسية للمنطقة، إلا أنّ المخاض الأخير هو العسير قبل الولوج في التسوية السياسية المنتظرة، لأنّ الأفخاخ المعدّة من قبل حلفاء أميركا، وهم محور السعودية وتركيا وقطر ومن خلفهم «إسرائيل»، قد يعملون على الإطاحة أو خربطة الاتفاق الذي توصلت إليه الإدارة الأميركية مع إيران، وذلك عبر السعي إلى عملية احتكاك بحري بين الإيرانيين والأميركان في باب المندب، لهذا سعت أميركا وبسرعة إلى إحداث التغييرات في المملكة، ومنها أيضاً تعيين المهندس حسين أمين الناصري، وهو من شيعة القطيف، مديراً تنفيذياً لشركة آرامكو، وقد صدر القرار خلال الاجتماع الذي تمّ في مدينة هيوستن الأميركية، حيث مقرّ الإدارة المركزية لشركة آرامكو. لهذا فإنّ الثقة التي يضعها الأميركان في الأمير محمد بن نايف وليّ العهد الحالي، ستنعكس لاحقاً تخفيفاً للحرب الإجرامية على اليمن التي تحظى بدعم واضح وتنسيق كامل من «إسرائيل»، التي تشارك فعلياً في وضع الخطط الحربية، التي لا يتقنها القادة في السعودية، الذين لم يخوضوا حرباً على الأرض منذ اغتصاب فلسطين. ناهيك بأنّ الدعم المادي واللوجسيتي الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في دعم «داعش» و«النصرة» في سورية بحجة دعم المعارضة السورية المعتدلة، وهما المدرجتان في الأمم المتحدة بأنهما تنظيمان إرهابيان، خصوصاً خلال خوض الهجوم على المنطقة الشمالية السورية وصولاً إلى جسر الشغور بمساندة واضحة ومعلنة من تركيا، إنما يهدف إلى عرقلة الاتفاق الإيراني الأميركي والإمساك بأوراق سيتمّ استعمالها في ما بعد من قبل هذا المحور الشيطاني، في مؤتمرات التسوية السياسية المقبلة والآيلة إلى حلّ الأزمات في المنطقة ككلّ.
هذا الكلام ليس تحليلاً وإنما هو واقع يتمّ تداوله في الكواليس الأميركية، خصوصاً أنّ الحزب الديمقراطي الأميركي سيعمل بإصرار على إيصال مرشحه المقبل إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية تمهيداً لمتابعة النهج السياسي الذي اتبعه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وأهمّه القضاء على الإرهاب وإرساء الحوار بين الدول المتنازعة، كما فعل مؤخراً مع كوبا العدوّة اللدودة لأميركا، لأنّ الآتي من الأيام في الاستراتيجيات الأميركية هو النهوض بالاقتصاد الأميركي وتفعيله، كي يصبح القوة الأولى الضاغطة في العالم، وهذا الأمر لا يمكن النهوض به وأميركا مشغولة بالحروب خارج حدودها، هذه الحروب التي سجلت فشلها في أفغانستان والعراق وحتى في سورية وكلّ مكان حاولت فيه أميركا بسط نهجها القاضي بخلق شرق أوسط سياسي جديد، علما أنّ محاولة تقسيم العراق لن تمرّ بسهولة، كما يتصوّر رجالات الكونغرس الأميركي ونائب الرئيس جو بايدن.
إنّ شعوب العالم كله بما فيها الشعب الأميركي بات ميالاً إلى السلم والسلام، انطلاقاً من التوق إلى العيش الآمن والرغيد، الخالي من العنصرية والطائفية وسيطرة الغنيّ على الفقير والقويّ على الضعيف، وهذا ما بدا جلياً من خلال ما جرى مؤخراً في مدينة بالتيمور الأميركية، والذي امتدّت شراراته الاعتراضية إلى العديد من المدن الأميركية… هذه الحالة وانعكاساتها السلبية لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام في أجندات المسؤولين الأميركيين.
لهذا كله لا بدّ من التعاون الأميركي والإيراني والسعودي والسوري والعراقي مستقبلاً، من أجل القضاء على الإرهاب، الذي بات يهدّد الغرب حتى ببيع بناتهم ونسائهم، كما كان يحدث إبان الدولة العثمانية التي ازدهرت فيها تجارة الجواري والرقيق، لأنّ هذا الأمر بات هو الذي يقلق الشعوب الأوروبية والغربية التي تستطيع ممارسة الضغط على حكامها انطلاقا من صيانة حقوقها الموجبة، التي تجبر رجال الحكم والسياسة على اتخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون حدوث الثورات الشعبية المدمّرة… حيث لات ساعة مندم.