مقالات وآراء

أسباب اهتمام نتنياهو بالشمال السوري…

رنا العفيف

 

استوعبت دمشق الهجمات المباغتة المعدّ لها مسبقاً، وانتقل الجيش السوري إلى مرحلة الهجوم المضادّ والسريع، مع الإشارة اللافتة للمواجهة الكبرى المنتظرة. أيّ أبعاد لهذا الهجوم وكيف نقرأ المشهدية في سورية؟
الهجوم المسلح المدعوم أميركياً و»إسرائيلياً» وما تحمله الجماعات الإرهابية المسلحة من جنسيات مزدوجة في سورية، يعيدنا إلى المشهد نفسه قبل أكثر من خمس سنوات، إلا أنّ هذا الهجوم المفاجئ ليس المسلحين وعديدهم وإمكاناتهم وقدرتهم وحدها وإنما أيضاً ممن يدير غرف العمليات وفي التوقيت الذي يشي بالمتغيّرات في وضوح ما عرض بلحظة الساعة الصفر التي دقت من دمشق مع بداية الاتفاق في لبنان بالتزامن مع آخر أيام بايدن وحضور ترامب…
بالتالي ما يجري هو إرهاب، والإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة، قالها الرئيس الدكتور بشار الأسد جازماً بأن سورية ستكسره أياً كان داعموه.
في موازاة هذا تتحرك الماكينة العسكرية بقوة في سورية تزامناً مع التحركات الدبلوماسية التي تشهد حركة اتصالات عربية على نحو مكثف، كان أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى دمشق وفي جعبته رسالة دعم قوية، وكذا بغداد التي وصفت أمن سورية في خانة أمن العراق.
واللافت كان اهتمام بنيامين نتنياهو بتفاصيل ما يجري في الشمال السوري، إذ عقد اجتماعين أمنيين خلال يومين ليشحذ الهمم بوضوح مكشراً عن أنيابه… من هنا أتى السياق العام الذي أتت فيه الأحداث المرتبة لكلّ من مشهدية غزة الذي شكلت بوصلتها منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ونجحت بقطع أحداث تاريخية وسقطت سردية الكيان «الإسرائيلي» تحت أقدام المقاومة ودماء الشهداء بكلّ صوَرها وفيديواتها الهدامة لكلّ لغات الإنسانية والأخلاقية الفاضحة لسياسة الغرب وتحديداً الولايات المتحدة،
اليوم المشاهد تتكرّر في لبنان مع الخروقات في جنوب لبنان، والآن سورية وما تعرّضت له حلب وإدلب الذي توقف الزمن لسنوات معينة استؤنف الفيلم من النقطة التي توقف عندها، وبالتالي درجة النموذج الإرهابي المدعوم غربياً وأميركياً وتركياً و»إسرائيلياً» لا يمكن استيلاده من جديد، لأنّ الخطط الأميركية «الإسرائيلية» تقابلها خطط ردعية من قبل أطراف محور المقاومة والجيش العربي السوري الذي ينجز مهامه العسكرية باقتدار، ولم يعد خافياً على أحد أنّ الأمور تكشفت بشكل واضح وصريح، وما يحصل في سورية هو جزء لا يتجزأ من هذا المشروع الذي يستهدف المقاومة ومحور المقاومة وحتى رأس المقاومة، لذلك هم يدركون جيداً أنّ الرئة التي تتنفس بالمقاومة في لبنان هي سورية لاعتبارات كثيرة منها كموقع سياسي وأيضاً جغرافي في ظلّ انهيار المنظومة العربية الرسمية، وتحديداً بعد تبلور المشروع الأميركي ومخلفاته أصبحت في هذا المركب، حتى أوضحت المؤامرة التي نصب نتنياهو وحليفه أعينهم إلى سورية، أيّ لم يبقَ أمامهم سوى سورية ولبنان يحيكون المؤامرات لزجهم في المقصلة، بهدف إحياء 17 أيار ليروا العلم «الإسرائيلي» لا قدّر الله يرفرف في دمشق وبيروت عبر مجموعة الساسة الإسرائيليين، الذين على تواصل مباشر ودائم مع ما يسمّى المعارضة التي اخترعتها أميركا لتحارب في سورية تحت غطاء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فكان المشهد الدامي في غزة ولبنان كفيلاً بسقوط الأقنعة الغربية ومجاميعها، لا سيما أنّ هذه الاتصالات ليست جديدة ونعلم بها منذ العشرية الأولى من العدوان والحصار على سورية…
كان هؤلاء على تواصل مباشر مع حكام تل أبيب وبعضهم زار تل أبيب، وقسم منهم تلقى العلاج في المستشفيات الإسرائيلية»، وكان نتنياهو شخصياً يطبطب عليهم لاستثمارهم في مثل هذا التوقيت، عدا عن لقاء البعض منهم في القنيطرة وكذا في مناطق الجولان…
هذه السياسة الإسرائيلية التي تحمل عنوان ما يسمّى بالمعارضة أبلغتهم أنها تريد أن يكون لها سفارة في دمشق، وبالتالي ما يحصل في سورية هو عبارة عن مشهدية إجرام إرهابي متنقل في كل من غزة ولبنان وسورية،
هدف هذا العدوان الإرهابي لا يقلّ أهميته عن الأهداف والأحلام الأميركية و»الإسرائيلية» في لبنان، هي ضرب المقاومة ورأس المقاومة وكلّ من يحمل لواء وراية هذه المقاومة، خاصة بعدما أزعجتهم إنجازات وانتصار طوفان الأقصى بمشهديته بالرغم من تعقيده لليوم، واليوم هم يحاولون اجتثاث حلب بشبهة إنْ صحّ التعبير وليس تشبيهاً بطوفان ولكن على مقاسهم، الهدف منه تمزيق الدولة السورية بعد ان انتهت الحرب التقليدية ربما عام 2010 لعام 2020، مع المزيد من الضغط على حصار الشعب السوري التي تفرضه الولايات الأميركية على الشعب السوري الذي يلتفّ حول قيادته وجيشه، والأهمّ انّ نتنياهو يسعى باهتمام مبالغ فيه لتحطيم الدولة لسورية وإضعافها انتقاماً لدور سورية المشرّف تاريخياً لدعمها للمقاومة ووقوفها إلى جانب القضية الفلسطينية، وما يقلقه اليوم هو وحدة الساحات لما فيه من ربط أو عضوية متناغمة بشكل موضوعي ما بين سورية وايران واليمن والعراق ولبنان وفلسطين، جميعها تشكل قلقاَ وإرباكاً لنتنياهو الذي يسعى لضرب العمق السوري، بهدف قطع رأس الحربة، لماذا؟ لأنّ المطلوب اليوم هو قطع رأس المقاومة في ظلّ غياب المشروع العربي التحرّري، كما المطلوب أيضاً بث روح الإحباط واليأس لهذا المحور وبيئته ومساندته، من خلال هذا الهجوم المسلح على سورية يعمل نتنياهو على إنهاء المقاومة ونسف دورها السياسي في المنطقة وتغيير نتائج معركة «أولي البأس»، إلا أنه فوجئ بمشهدية القوة العسكرية السورية التي امتصّت الصدمة واستجمعت نقاط القوة للبدء في عمليات عسكرية لدحر الجماعات الإرهابية المموّلة لوجستياً من تركيا وغيرها، وبالتالي ليس صدفة عندما وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار مع لبنان، إذ قال حرفيا جملة لافتة تأخذ بعين الاعتبار بكلّ اللغات التحليلية وهي «الأسد يلعب بالنار»، و»لدينا معلومات ذهبية لما سيحدث في سورية»؟ وعليه المؤشر واضح وجليّ من هذا التخطيط الخبيث الملقح غربياً وإقليمياً، لأنهم يدركون أنّ قوة سورية من قوة المقاومة في لبنان والعكس صحيح أيضاً…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى