«نعم .. أنا في حلب»
المهندس باسل قس نصر الله
ونعمٌ.. بأنني لم أقل إنّ كلّ شيء ممتاز وإن لا أحد سيدخل حلب… فكانوا هم أوّل من خَرَج.
ونعم.. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من 2006 حتى إلغاء المنصب عام 2021، واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كلّ محافظة وهناك رئيس لجان إفتاء لسائر المحافظات السورية.
ونعم أخرى.. بأنني مسيحي وأكون بذلك المستشار المسيحي الوحيد أو الأول لرجل الدين الإسلامي الأول في بلدنا.
وألف نعم بأنني هوجمت بالقول فأفحشوا الشتيمة والسباب.
ونعمٌ.. بأنّ الوضع في حلب معقّد جداً، فالخارطة السكانية متعددة ومختلفة، فهناك المسيحيون الذي أصبح عددهم بحدود العشرين ألفاً والذين – ولديهم الحق – يخافون من وصول أشخاص يتبنّون الفكر الإسلامي التطرّفي مما يؤثر على طريقة عيشهم وممارسة حريّاتهم ومنها الدينية والإجتماعية.
لقد وصلتني – من جهات دولية وإقليمية – تطمينات متعددة حول الوضع المستقبلي لحلب، وأتابع كغيري من الأشخاص، ما يتمّ وضعه على وسائل التواصل الاجتماعية من مخاطبة أشخاص في الجوامع للمؤمنين حول ضرورة الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة والأرواح.. وفي الحقيقة لقد لمستُ تعاملاً محترماً للناس مع عدم وجود سرقات أو إساءات وتوقيف للمدنيين، أو أعمال عنف وغيرها من السلبيات.
لكني أيضاً لاحظت تصرفاً همجياً أو انتقامياً أو طفولياً من قِبل بعض الأفراد، مثل حادثة تحطيم شجرة الميلاد في كنيسة «القديس مار جرجس» او تصرفات انتقامية على حاجز بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي من قبل الموجودين والذين هم بالأساس من أهاليها – ولديّ إسم أحدهم – وتربطهم عداوات مع البعض فيُظهرون التنمّر ويهجّرون او يمنعون الدخول لمن يريدون الانتقام منه، وقد نقلتُ الصورة بذلك إلى قياداتهم، أو السيارات التي تسير ولوحاتها مطموسة، وأنا أعرف أنّ الكثير من الذين انضووا تحت هذا الفصيل أو ذاك، لا يؤمنون بأهدافه الاجتماعية أو السياسية ولكنهم حملوا السلاح تباهياً وقادوا السيارات وفق رعونة تربيتهم وغيرها.. وهذه الأمور تكرّرت في بعض المرافق.
إنّ الوضع الضاغط على أهالي حلب مع وجود الخوف من المستقبل وموروث الرعب من أعمال عنيفة ومرعبة مثل حوادث كسر زجاج السيارات في منطقة العزيزية وهي مكان سكنى الكثير من المسيحيين، والسيارات ذات اللوحات المطموسة.. كلّ ذلك يجعل هذا الرعب الموجود في عقول الناس وتصوّراتهم ينمو ويتضخّم، ويقابله كلام من عناصر الفصائل لطمأنة الناس وعدم الخوف وانهم لم يأتوا للانتقام. ولكن العديد يُشكّكون بذلك ويقولون بأنّ هذا التصرف هو في البداية فقط، وينوّهون بعدم وجود إدارة لهذه المدينة وعدم وجود مرجعيات واضحة يشتكون إليها.
وكما قلتُ لا أعتقد أنه يوجد تهديد للكنائس أو المسيحيين أو لمنشآتهم، وقرأتُ بعض المنشورات التي تحاول إظهار التشدّد الديني للفصائل، وأنهم يأمرون المطارنة بدفع الجزية والحجاب للنساء، ولدى متابعتي واتصالاتي تبيّن أنّ هذه المعطيات بعيدة تماماً، وكما قال أحد الأساقفة المسيحيين حرفياً: «هذا الكلام لا صحة له على الإطلاق.. نحن بخير والحمد لله».
أكرّر أني أعمل لكلّ الناس وليس لفئة فقط.. لكنني أنتبه لخصوصيات كلّ فئة عرقية أو دينية.
أنا مع الحوار وأن تعمّ المحبة بين الجميع،
يقولون «إعقلْ وتوكّل»،
اللهم اشهد أني بلغت…