مقالات وآراء

حرب الخطاب… حقيقة المشهد وفشل «إسرائيل»

 

 نمر أبي ديب

 

لعلّ أبرز ما جاء في كلمة رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، الاعتراف بمجمل الأسباب والمسبّبات، التي أوصلت كيان الاحتلال إلى توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار، على الجبهة الشمالية، والأبرز في حديث نتنياهو، يتمثَّل في السبب الثاني بعد التفرّغ لإيران والكلام يشتمل (إعادة تأهيل وتسليح القوات) الإسرائيلية، التي ظهرت عليها علامات الترهّل العسكري، وسط غياب أيّ قدرة ميدانية على الاختراق والحسم، تحديداً في «الجبهة البرّية» مع لبنان ما يؤكد بالدليل القاطع (تفوّق المقاومة)، ورضوخ الكيان لأمر واقع ميداني، تطلب الذهاب إلى اتفاق وقف اطلاق نار منعاً لتفاقم الامور ودخول لجيش الإسرائيلي بـ كامل تجهيزاته العسكرية، كما فرقه القتالية، من قوات النخبة وغيرها، نفق «الاستنزاف المدمّر»، الذي أوْحت به وأكّدت على حتمية الوصول إليه، نتائج المواجهة البرية على طول الحدود الشمالية مع لبنان.
في هذا السياق عجز بنيامين نتنياهو عن تقديم إنجاز عسكري كامل ومتكامل يعلن من خلاله انتصار «إسرائيل»، وفي حده الأدنى، تحقيق بعض النقاط العسكرية المعلنة على مسار الانتصار المنتظر، منذ اليوم الأوّل في مرحلة ما بعد حرب تموز 2006 انطلاقاً من مؤشرات عديدة لا بل ثوابت راسخة منها على سبيل المثال لا الحصر، عدم دعوة سكان شمال فلسطين المحتلة إلى العودة، ما يؤكّد سقوط أحد أبرز الأهداف الأساسية، التي قامت بها وعليها الحرب «الإسرائيلية».
في سياقٍ متّصل أشارت «القناة 12 الإسرائيلية»، إلى أنّ بنيامين نتنــياهو، لم يتضمّن خطابه مســألة «القضاء على حزب الله»، وهذه نقطة أخرى تسجــّل ســياسياً، في خانة عدم تحقـيق النتــائج التي قامــت عليها الحرب، ما يفتح باب الاجتــهاد السياسي كما التــساؤل عن جدوى تصريح نتنياهو (المسجّل)، كما أفادت وســائل اعلام إسرائيلية في مقدمتها «قــناة 12»، غير التبرير الفاقــد من وجــهة نظر كثيرين داخل الكيان الإسرائيلي وخارجــه لأدنى مستويات المصداقية السياسية، التي لم يتلمّس منها مستوطنو الكيان ما هو قابل للصرف بإستثناء الوعود، التي رفض نتنياهو التعمّق بها، ومنها (التفرُّغ لإيران).
وتأتي المواقف الصادرة عن أفيغدور ليبرمان، زعيم «حزب يسرائيل بيتنا» بمثابة إعلان هزيمة لـ «إسرائيل» وفوز لحزب الله عندما أعاد نشر كلمات نتنياهو (الحرب تستمر حتى النصر المطلق، مضيفاً بنيامين نتنياهو لم يحدّد من الذي سينتصر)، وهذا تأكيد إضافي على فشل إعلان وخطاب نتنياهو بكلّ ما يمثِّل من «وعود عسكرية وتبريرات» باتت بمثابة الفارغة، غير القابلة للصرف، بعد فشل تحقيق الأهداف، وتسجيل الانتصار.
يتضح من خلال ما تقدّم حجم الخيبة الإسرائيلية في مراحل تستوجب إقالات، مرفقة بمتغيّرات سياسية استثنائية تشمل على وجه التحديد، «رئاسة وزراء الكيان الإسرائيلي»، نتحدث عن متغيّرات حكومية قادرة على احتواء الأزمة، كما إخراج الكيان من مسار التراجع، الوجودي، انطلاقاً من عوامل عديدة أبرزها الفترة الزمنية التي يمكن أن تستهلكها أو حتى تتطلبها عملية «تأهيل الجيش الإسرائيلي»، التي قد تحتاج في بعدها العسكري إلى ما يقارب السنة ونصف السنة، مع دورات قتال مكثَّفة تشمل جميع الألوية كما الفرق العسكرية، في مقدمتها قوات النخبة من «لواء غولاني» وغيره، في بعدها النفسي قد تحتاج إلى سنوات طويلة من العلاج، كما المتابعة المباشرة والدقيقة، السؤال من يضمن في كيان الاحتلال «الإسرائيلي» جهوزية عسكرية بعد سنتين أو أكثر لجيش متآكل، محطّم نفسياً، يسيطر عليه بشكل معلن عامل الانتحار.
تجدر الإشارة، إلى الدور الاستثنائي الذي يمكن أن تلعبه قوى المعارضة داخل كيان الاحتلال، وإلى ما يمكن أن تشكله من حاجة داخلية للتغيير، في مراحل الانكشاف الأمني وحتى القضائي الذي يعيشه بنيامين نتنياهو شخصية الكيان الأولى التي مُنيت «إسرائيل» في عهده حسب توصيف يائير لابيد، زعيم المعارضة، بـ أكبر كارثة تاريخية عرفتها «إسرائيل»، وتلك الكارثة لن يمحوها أيّ اتفاق مع حزب الله، والكلام أيضاً لـ لابيد نفسه.
ما تقدّم يفتح باب المساءلة السياسية وحتى العسكرية لكيان الاحتلال «الإسرائيلي» على مصراعيها، يطرح تساؤلات عديدة انطلاقاً من جملة وعود، وأيضاً التزامات، تقدمتها أولوية التفرّغ الأمني كما العسكري لإيران، السؤال اليوم وسط غياب العديد من خيارات المواجهة ما هي البدائل التي يمكن أن يراهن عليها نتنياهو؟ وضمن أيّ جهوزية نفسية وحتى عسكرية يمكن أن يحارب بجيشٍ منهك على جبهة فقد فيها الجميع بمن فيهم الجمهورية الاسلامية في إيران عنصر المفاجئة؟
«حرب الخطاب» التي حاول بنيامين نتنياهو، مستنداً إلى عاملين: (التعتيم الإعلامي، والرقابة الداخلية)، الأخذ من خلالها في السياسة التفاوضية كما في الحبكة الإعلامية، ما عجز عن تحقيقه بالقوة، وسط تكشّف واضح وفاضح لمجمل الحقائق الميدانية التي أكّدت على تفوق المقاومة في الدرجة الأولى، وعدم قدرة كيان الاحتلال على تحقيق انتصاراته العسكرية وأهدافه الاستراتيجية.
تحت عنوان شهد شاهد من كيانهم، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي ايتمار بن غفير، بصريح العبارة أن (بنيامين نتنياهو خسر الحرب، والاتفاق مع لبنان على وقف إطلاق النار لا يحقق أهداف الحرب كما أنه لم ولن يعيد سكان الشمال إلى المستوطنات بأمان)…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى