غزة مثال للبطولة
لا مجال للجدال في تقدير حجم الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، حيث الجوع والبرد والمرض تحديات تفتك بالأرواح بمثل ما تفعل الضربات المتوحشة الإجرامية لجيش الاحتلال، لكن الصمود والثبات في الأرض هو الجواب الذي لا يتغير، ورفض الاستسلام والانقلاب على المقاومة لسان حال الناس.
في هذا المناخ يعمل شباب المقاومة، وتتقدم صفوفهم كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس، ويفاجئون الاحتلال بأنماط من الابتكار والتجديد في أنواع العمليات وتقنياتها، وكأننا أمام مدرسة في التخطيط تشعر بالثقة والاطمئنان الى قدراتها وقياداتها وبنيتها وثقة الناس بها.
تجربة غزة صارت مدرسة حقيقية، وبالأمس كان نموذج جديد للبطولة مع عملية نوعية للمقاومة في جباليا المدمرة والمحاصرة، حيث نجح أحد الشبان بطعن جندي واستولى على سلاحه ثم واجه به ثلاثة جنود آخرين وأرداهم من المسافة صفر، وكل ذلك في ثوانٍ قليلة.
المشهد الذي نراه في غزة سوف نرى نتائجه بعد وقف إطلاق النار، حيث توحش الاحتلال وإجرامه رصيد لمزيد من يقين الشعب بصواب رهانه على خيار المقاومة، وهذه المرة لن تحتاج المقاومة الى خطوط إمداد لامتلاك القوة وقد نجحت خلال سنوات بجعل أهم مستودعات سلاحها في عقول أبنائها، الذي يستطيعون تحويل القذائف الإسرائيلية غير المنفجرة وشظايا الصواريخ التي تفجرت إلى مواد يعاد استخدامها في تصنيع القذائف والصواريخ والعبوات، والمقاومة نفسها تطوّر وتصنع طائراتها المسيّرة.
غزة الخارجة من الحرب مصدر إشعاع على سائر أنحاء فلسطين، وأول الإشعاع في الضفة الغربية حيث لن تجدي محاولات التضييق والتنسيق مع الاحتلال، فقد تجاوز الفلسطينيون أوهام التفاوض ورهانات المهادنة، وسوف يحمل الأسرى القادة المفرج عنهم خبراتهم وقد أسسوا مدرسة أخرى في السجون.
فلسطين بعد الطوفان مرحلة جديدة من البطولة والبسالة.