سورية الحبيبة…
الحبّ الكبير لا يحتاج إلى أكثرَ من طرفين، ولا إلى بركات رجال الدين، وديكتاتورية التقاليد… الحبّ أهمُّ وثيقة وجدانية يوقّعها طرفان بدون موافقة الكتّاب العدل… إذا كان الحبّ هكذا فأنا أعلن بكلّ بساطة أنّ سوريةَ هي حبيبتي.
فما من مرّة طُلب من هذه الحبيبة شيء إلّا وأعطته، فيوم كان العالم القديم يسعى إلى اختراع يجسّد من خلاله قصيدة حبٍّ، أو عقدَ بيعٍ، فاجأته «أوغاريت» بأبجديتها، ويوم كان البحر عصيّاً بشياطينه غامر السوريون، فمخروا لجّته بمركب وشراع، ويوم اقتصرت الحياة المُعاشة على الصيد والتقاط الثمار، وصلت سوريةُ الصبيّةُ الرائعة الحسن إلى الأرض تحمل في جعبتها اختراعاً اسمه المحراث، وأهدته للأرض. وضمن هذا المثلث المتساوي الأضلاع (الحرف ـ الشراع ـ المحراث) بدأت قصة الحضارة.
ثمّ يوم قرّر الربيع أن يولد في مكان، اختار رَحِمَ سوريةَ الطبيعية، وعندما جاء المخاض غادره ليستقرّ في ربوعها حقولاً من الياسَمين وشقائق النعمان، وكروماً من العنب والزيتون، ورفوفاً من العصافير والفراشات.
وسورية الطبيعية، عبر التسعة آلاف عام، لم تتوقف عن صناعتها للأحداث الكبيرة، ففي شرقها وضع حمورابي أول قانون مدني مكتوب، ووضع چلچامش أول ملحمة في التاريخ، وفي الوسط بيت لحم مهد الخلاص، ودمشق أول عاصمة كما يجمع المؤرّخون، ومنها خرج بولس الرسول ليبشّر بالمسيحية، ومنها خرجت الراية الأموية لترتفع في سماء الأندلس، وفي بيروت تأسّست أول أكاديمية حقوقية، وكان ذلك قبل المسيح بسنوات…