معركة القلمون: «تورا بورا» لبنان بنتائج معكوسة
حسين حمّود
بدأت أمس، وإنْ بشكل متقطع، معركة القلمون التي توصف بـ«الاستراتيجية» نظراً إلى ما سينتج عنها من تداعيات، عسكرية وأمنية وسياسية، على الساحتين اللبنانية والسورية، فضلاً عن الإقليم ومجريات الأحداث فيه.
توقيت المعركة لم يكن مفاجئاً، فقد دأب مسؤولو حزب الله على التذكير بأنّ صيف التكفيريين سيكون حاراً، بعدما كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قد حدّد الشتاء الماضي أنّ المعركة آتية بعد ذوبان الثلوج.
ليس هذا وحسب، فكلّ المعطيات الميدانية خلال الأسبوعين الماضيين، كانت تنبئ بقرب المعركة، فالحشود العسكرية لكلّ من حزب الله والجماعات الإرهابية ولا سيما «جبهة النصرة» في القلمون وعلى تخومها بلغت ذروتها، بعد تراجع القوات العسكرية السورية في محافظة إدلب ولا سيما في جسر الشغور إثر هجوم لـ«النصرة» على المنطقة بدعم تركي- سعودي.
وبحسب مصادر متابعة، فإنّ حزب الله يعوّل أهمية كبرى على نتيجة المعركة التي سيخوضها بشراسة لتحقيق نصر واضح لا لبس فيه على الجماعات التكفيرية، لما يحمل هذا النصر من أبعاد على أكثر من مستوى، لبنانياً وسورياً وإقليمياً وحتى «إسرائيلياً».
فعلى الصعيد اللبناني، ترى المصادر أنّ انتصار الحزب سيؤدي إلى خلق وقائع متدرجة في الوضع السياسي، تطال مجمل الاستحقاقات والملفات العالقة. من هنا تفسر المصادر أسباب صراخ قوى 14 آذار حول معركة القلمون ومحاولة الضغط لإبعاد حزب الله عنها.
أما سورياً، فللانتصار ثلاثة أبعاد: الأول تأمين الحماية للعاصمة دمشق بعد دحر الجماعات الإرهابية عن حدودها. والثاني، إعادة التوازن الإعلامي الاستراتيجي على الأرض السورية بعد الاختلال الذي أصابه، عقب تراجعات الجيش السوري عن عدد من المناطق في إدلب. الثالث، فقء «الدملة التي تنزّ قيحاً» في خاصرة السياق العسكري اللبناني ـ السوري.
وعلى المستوى الإقليمي، فإنّ انتصار الحزب، وفق المصادر، هو بمثابة قلب ظهر المجن في وجه السعودية التي تخوض حرباً مفتوحة ضدّ محور المقاومة، علماً بأنّ هذه الحرب بدأت منذ سنوات عدة ولم تهدأ حتى في عز المواجهات العديدة بين هذا المحور والعدو «الإسرائيلي»، لكنها في الآونة الأخيرة باتت مكشوفة وتجاوزت الخطوط الحمر سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
وفي السياق، فإنّ الصراع مع «إسرائيل» لن يكون بمنأى عن نتيجة المعركة إذ أنّ سيطرة الحزب ومعه القوات السورية على القلمون الملاصقة للقصير التي حرّرت منذ نحو عامين، ستوفر عمقاً استراتيجياً للمقاومة يشكل خطراً كبيراً على المعركة الكبرى مع العدو الصهيوني.
يُضاف إلى ذلك، كما تقول المصادر، أنّ حزب الله في معركة القلمون سيشهده أعداؤه كما لم يشهدوه من قبل لناحية نوعية السلاح الذي سيستخدمه، ووسائل الضرب الميداني وطريقة القتال المباشر كما طريقة احتلال بعض النقاط الاستراتيجية، ما سيجعل النظرة إلى حزب الله ترتقي إلى مستوى جديد.
أما طبيعة المعركة، بحسب المعلومات والمعطيات المجمّعة لدى المصادر، فإنها تقوم على مبدأ الضمّ الطويل، بمعنى أنها لن تكون شاملة وسريعة وذلك لثلاثة أسباب: أولاً، التقليل من حجم الخسائر في صفوف الحزب، ثانياً، الطبيعة الجغرافية المعقّدة للمنطقة، ثالثاً، تشديد قيادة المقاومة على الالتزام بالخطة الموضوعة.
وفي الخلاصة، تؤكد المصادر أنّ ما قبل معركة القلمون لن يكون كما قبلها، واصفة المنطقة بأنها تورا بورا لبنان، لكن ما عجزت عنه قوات «مارينز» الأميركية في حربها مع طالبان أفغانستان، سينجح فيه حزب الله في القلمون في إطار حسابه المفتوح مع الجماعات التكفيرية في سورية وتهديدها الدائم والمباشر للأمن والاستقرار والتعايش في لبنان.