أولى

ليكن «فرح الناس» هو البوصلة…

 

 أحمد بهجة

 

حين انتُخِبَ الرئيس العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية في تشرين الأول 1998 قدّم له الموسيقار الراحل ملحم بركات أغنية جميلة جداً من كلمات الشاعر المميّز الصديق نزار فرنسيس، يقول مطلعها: «من فرح الناس عرفنا أنك جايي»…
لعلّ هذه الأغنية تنطبق تماماً اليوم على انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون وانطلاقة عهده الميمون، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ كلّ لبنان يعمّه الفرح والأمل بالعهد الجديد الآتي بعد فراغ استمرّ لأكثر من سنتين، وبعد أزمات كبرى يعاني منها اللبنانيون جميعاً ويأملون أن تتوفر لها الحلول المناسبة في أقرب وقت ممكن، خاصة أنّ خطاب القسم تضمّن وعوداً بشأن حلّ هذه الأزمات.
وحتى لا نغرق في تعداد الأزمات والمشاكل المتراكمة منذ زمن نكتفي بالإشارة إلى ثلاث منها في هذه العجالة، لأنّ إيجاد الحلول لها يعطي دليلاً ملموساً على إمكانية حلّ الأزمات والمشاكل الأخرى.
1 ـ الملف الأوّل هو بالطبع المتعلق بأولوية إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» الذي تمدّد إلى بعض القرى والبلدات الحدودية مُستغلاً الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، ومهلة الستين يوماً المخصصة لانسحاب جيش العدو وانتشار الجيش اللبناني حتى الخط الأزرق، ولم تكن المهلة أبداً لهدم المنازل وتفجيرها وحرق الأراضي الزراعية لتكبير حجم الخسائر اللبنانية وإظهار صورة جيش العدو كأنه «منتصر» في مواجهة «لا أحد»، بينما كان الجيش نفسه بكلّ حشوده وجحافله وطائراته وآلياته، ومعه داعموه في حلف «الناتو»، يقف عاجزاً عن التقدّم إلى هذه البلدات والقرى خلال الحرب، لأنّ رجال الله كانوا له بالمرصاد ومنعوه بمقاومة أسطورية من تحقيق أو تثبيت أيّ تقدّم في أرضنا الجنوبية الطيبة.
ولا شكّ أنّ الرئيس عون من موقعه الحالي واستناداً إلى موقعه السابق في قيادة الجيش يعرف كلّ تفاصيل هذا الملف ويدرك جيداً أهمية تحقيق هذا الإنجاز في مستهلّ عهده، خاصة أنّ مهلة الستين يوماً شارفت على الانتهاء في 27 كانون الثاني الحالي.
وبالتوازي مع إتمام الانسحاب الإسرائيلي، لا بدّ أن تضطلع مؤسسات الدولة في ورشة إعادة الإعمار والبناء، في كلّ المجالات لا سيما البنى التحتية على اختلاف قطاعاتها إضافة إلى مسألة إعادة تأهيل الأراضي الزراعية وتنظيفها من الألغام والقنابل العنقودية وكلّ مخلفات العدوان.
2 ـ الملف الثاني هو المتعلق بإصلاح القضاء وإنجاز التشكيلات القضائية المتوقفة منذ سنوات عدة بسبب مناكفات ونزاعات لن ندخل في تفاصيلها هنا. ولكن من المعلوم أنّ معظم المراكز القضائية الأولى يشغلها المسؤولون عنها إما بالتكليف أو بالتمديد المطعون فيه، أو أنهم اقتربوا من سنّ التقاعد. لذلك، ومع تشكيل الحكومة الجديدة لا بدّ أن تحصل تعيينات جديدة في مجلس القضاء الأعلى الذي يصبح مسؤولاً بالتعاون مع وزير العدل عن إعداد التشكيلات القضائية الجديدة ورفعها إلى رئيس الجمهورية لإقرارها وتوقيع مراسيمها وإصدارها وفقاً للأصول.
ولا حاجة هنا لتأكيد الدور المحوري للقضاء كونه الرافعة المهمة جداً للعهد وانطلاقته لاستعادة الانتظام العام في كلّ المؤسسات والإدارات، كما أنّ للقضاء دوراً مهمّاً وأساسياً في استعادة الزخم للدورة الاقتصادية وتعزيز القدرة على استقطاب الاستثمارات الخارجية في بيئة قانونية مناسبة ومؤاتية.
3 ـ الملف الثالث هو المتعلق باستعادة الودائع المصرفية الضائعة منذ 17 تشرين الأول 2017، وقد تطرّق فخامة الرئيس إلى هذا الملف في خطاب القسم، الأمر الذي أعاد للمودعين الآمال الكبرى في استعادة أموالهم وجنى أعمارهم بعدما كانت هذه الآمال تقترب من التلاشي لأنّ الملف لا يحرز أيّ تقدّم يُذكر باستثناء بعض الإنجازات التي يحققها حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري من خلال التعاميم التي تسمح للمودعين بسحب نسب معينة من ودائعهم، حتى لو كانت قليلة لكنها تبقي هذا الملف حيّاً بانتظار الحلول الشاملة الكبيرة المنتظرة.
لن ندخل اليوم في تفاصيل هذه الحلول، وطبعاً هناك الكثير من الملفات المطلوب الاهتمام بها، لكن النجاح في هذه الملفات الثلاث يعطي كما قلنا المؤشر المطلوب إلى أنّ «فرح الناس» هو البوصلة التي نهتدي بها للسير على الطريق الصحيح.
والخطوة الأولى على هذا الطريق سوف تبدأ اليوم مع الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة والتي نأمل أن تأتي على مستوى الآمال والتطلعات…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى