أخيرة

الأسرة: أزمات وتحديات… وحلول الحدّ الأدنى

 

 سارة طالب السهيل

 

اليوم العالمي للأسرة هو مناسبة تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الأسرة ككيان أساسي في المجتمع. وهو يعكس قيمة الأسرة في بناء المجتمعات ويحث على تعزيز روابطها وأدوارها في التنشئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما يركّز على التحديات التي تواجهها الأسر في العصر الحديث، بما في ذلك الضغوط الاقتصادية، والتمزّق الاجتماعي، والتحوّلات الثقافية والتكنولوجية، وكيفية التغلب عليها لتعزيز رفاهية الأفراد والأسر بشكل عام.
يهدف إحياء هذا اليوم إلى تعزيز الوعي بأهمية الأسرة في تشكيل المجتمعات وتوفير بيئة مثالية للنمو الشخصي والإجتماعي للأفراد. وتمّ تبنّيه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، وهو يعكس التزام المنظمة بتعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن تشجيع الدول على وضع سياسات تدعم استقرار الأسر. ويُعتبر فرصة لتسليط الضوء على الدور الحيوي للأسرة في المجتمعات الحديثة، حيث أنها تمثل الوحدة الأساسية التي توفر الرعاية والحماية للأفراد.
الأسرة هي المصدر الأول للعاطفة والدعم الاجتماعي، وهي الأساس الذي يبني عليه الأفراد حياتهم النفسية والاجتماعية. ومن خلال هذا يمكن تكريس الاهتمام بتعزيز تلك الروابط، سواء كانت في سياقات تقليدية أو حديثة.
التحديات التي تواجهها الأسر في العصر الحديث، على الرغم من الأهمية البالغة لها في حياة الإنسان، إلا أنّ الأسر تواجه في العصر الحديث العديد من التحديات التي تؤثّر في إستقرارها ووحدتها. قد تتباين هذه التحديات باختلاف الثقافات والمجتمعات، لكنها تشترك في تأثيرها الكبير على رفاهية الأسرة. ومن أبرزها:

التحديات الاقتصادية

تشكل الأزمات الاقتصادية عبئاً كبيراً على الأسر في العديد من أنحاء العالم. مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة معدلات البطالة، وصعوبة الحصول على دخل ثابت، تواجه الأسرخ صعوبات في تلبية احتياجاتها الأساسية مثل السكن والغذاء والرعاية الصحية. تزداد هذه الصعوبات في الأسر التي تعتمد على مصدر دخل واحد أو التي تعاني من ضعف القدرة على التكيّف مع التغيّرات الاقتصادية السريعة. تؤثر هذه العوامل بشكل خاص على الأسر ذات الدخل المحدود أو الأسر التي تعيش في مناطق تعاني من نقص الفرص الاقتصادية.

التحديات الاجتماعية والتغييرات الثقافية

تؤدي التحوّلات الثقافية والاجتماعية إلى تغييرات في هيكل الأسرة وأدوار أفرادها. مع تغيّر مفاهيم الأسرة التقليدية في بعض المجتمعات، ظهرت أشكال جديدة من الأسر، مثل الأسر التي يقودها فرد واحد أو الأسر التي تشتمل على أفراد من خلفيات ثقافية أو دينية متنوعة. تتسبّب هذه التحوّلات في بعض الأحيان بضغوط نفسية على الأفراد الذين قد يجدون أنفسهم في صراع بين القيم التقليدية والتغيرات الحديثة.

 

التكنولوجيا والتحديات الرقمية

لم يعد تأثير التكنولوجيا محصوراً في الترفيه أو العمل فقط، بل أصبح يشمل جوانب الحياة الاجتماعية والعاطفية أيضاً. أصبحت الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأجهزة الرقمية جزءاً لا يتجزأ من حياة الأسر، لكنها في ذات الوقت تخلق تحديات جديدة. فالأطفال والشباب قد يقضون وقتاً أطول على الإنترنت، مما يؤدي إلى تقليل التواصل الشخصي والعائلي. كما أنّ الأسر قد تواجه صعوبة في إدارة وقتها بين الحياة العملية والعلاقات الأسرية، مما يساهم في زيادة الضغط على الأفراد.

العنف الأسري والصراعات العائلية

العنف الأسري هو أحد أبرز التحديات التي تهدّد استقرار الأسرة. يمكن أن يكون العنف جسدياً أو نفسياً أو اقتصادياً، وله تأثيرات مدمّرة على أفراد الأسرة. يعيش العديد من الأفراد في أسر يعانون من العنف المستمر، مما يخلق بيئة غير صحية تعيق النمو الشخصي والتطور العاطفي. علاوة على ذلك، تتسبّب الصراعات العائلية في تهديد تماسك الأسرة وتقويض الروابط العاطفية بين أفرادها.

الرعاية الصحية والتعليم

تشكل القضايا المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم تحدياً آخر للأسر. في العديد من البلدان، لا يحصل أفراد الأسرة على الرعاية الصحية المناسبة بسبب التكاليف المرتفعة أو نقص الخدمات. كما أنّ التحديات في النظام التعليمي، مثل نقص المدارس الجيدة أو صعوبة الوصول إلى التعليم الجيد، تؤثر بشكل كبير على الأطفال، مما يعزز التحديات التي تواجه الأسر في سبيل توفير مستقبل أفضل لأبنائهم.
يُعتبر اليوم العالمي للأسرة فرصة لدعوة الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية إلى اتخاذ إجراءات للتصدي لهذه التحديات، وتعزيز قدرات الأسر في مواجهة هذه الضغوط. تشمل هذه الإجراءات:
ـ توفير الدعم المالي للعائلات ذات الدخل المحدود، وتحقيق التوازن بين العمل والحياة، وفرض قوانين تعزز حقوق العمال، يمكن تحسين الوضع الاقتصادي للأسر. هذا يشمل توفير الرواتب العادلة، والتأمين الصحي، وكذلك دعم الأسر التي تتولى رعاية الأطفال أو كبار السن.
ـ تعزيز الاستثمار في التعليم، خاصة في المناطق المحرومة، وتحسين الوصول إلى التعليم الجيد، مما يسهم في بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
عصر التكنولوجيا، يجعل من الضروري تثقيف الأسر حول استخدام التكنولوجيا بشكل آمن وفعّال. يمكن تحقيق ذلك من خلال برامج تعليمية تهدف إلى توعية الأفراد حول كيفية الحفاظ على التواصل الشخصي في عصر الإنترنت، وكيفية استخدام التكنولوجيا لتسهيل الحياة اليومية بدلاً من التأثير السلبي على العلاقات الأسرية.
يجب أن تكون هناك سياسات واضحة لمكافحة العنف الأسري من خلال تطبيق القوانين التي تحمي ضحايا العنف، وتعزيز الوعي حول حقوق الأفراد في الأسرة. يمكن أن تشمل هذه السياسات دعم النساء والأطفال في مواقف العنف، وتوفير الملاجئ والخدمات النفسية.
يمكن للأسر أن تكون أكثر مرونة في مواجهة التحديات إذا كانت الروابط العاطفية بينها قوية. تعزيز التعاون والاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، وتوفير فرص للأنشطة الاجتماعية المشتركة يمكن أن يساهم في بناء شبكة دعم متينة.
في النهاية أريد التأكيد انّ اليوم العالمي للأسرة هو فرصة التركيز والتفكير في دور الأسرة في المجتمع، وتقدير أهميتها في الحفاظ على استقرار الأفراد والمجتمعات. وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجه الأسر في العصر الحديث، إلا أنّ تعزيز التضامن والوعي حول احتياجاتها وحقوقها يمكن أن يساعد في التغلب على هذه العقبات. إنّ احتفالنا به هو تذكير لنا جميعاً بأنّ الأسرة هي الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها المجتمعات، ويجب علينا أن نعمل جميعاً على توفير بيئة داعمة وصحية لأفرادها…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى