الانتخابات الرئاسية اللبنانية أزمة اتفاق على شخص الرئيس أم أزمة نظام؟
حميدي العبد الله
بات في حكم المؤكد أنّ اتفاق الأطراف اللبنانية، أو الإقليمية والدولية، على رئيس جديد للبنان يسهل انتخابه في مجلس النواب، أمر متعذّر في الوقت المتبقي لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان. ويعتقد الكثير من المحللين والمراقبين أنّ الأزمة السياسية التي يشهدها لبنان ناجمة عن عدم الاتفاق بين القوى الدولية والإقليمية على شخص الرئيس، وبالتالي فإنّ مجرّد تفاهم إيراني سعودي، أو إيراني أميركي على شخص الرئيس الجديد، يؤدي إلى انتخاب رئيس لبنان المقبل، وينهي الأزمة السياسية التي تعصف به منذ فترة طويلة.
لكن واقع الحال في لبنان ليس بهذه الصورة المبسّطة، فالأزمة السياسية التي يشهدها لبنان منذ عام 2005 وتحديداً منذ اغتيال الرئيس الحريري، هي خلاصة تضافر عاملين أساسيين:
العامل الأول، التصادم الحادّ بين منظومة المقاومة والممانعة من جهة، والتحالف الأميركي- «الإسرائيلي» ومن يدور في فلكه من دول المنطقة من جهة أخرى، وتركز هذا التصادم في الساحتين اللبنانية والسورية، كونهما تمثلان مركز ثقل منظومة المقاومة والممانعة على المستوى العربي.
العامل الثاني، استنفاد الإصلاحات التي تضمّنها الطائف لوظيفتها في احتواء الأزمة التي انفجرت في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته في لبنان، وعدم تنفيذ جميع البنود الإصلاحية التي وردت في اتفاق الطائف، بل الاستنسابية في تطبيق بعض البنود وتفصيلها على قياس بعض القوى السياسية الطائفية على حساب طوائف أخرى، لا سيما تحديد الدوائر الانتخابية.
أزمة سياسية هذه مكوّناتها، تشبه الأزمة التي عصفت بلبنان في عام 1958 لدى اشتداد الصراع بين المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة، ومحور المقاومة والممانعة الذي كان يقوده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. والأزمة الحالية تشبه أيضاً الأزمة التي عصفت بلبنان منذ عام 1970 حتى عام 1990 على خلفية اشتداد الصدام بين محور المقاومة والممانعة ومحور التحالف الأميركي «الإسرائيلي»، وانتهت هذه الأزمة بإقرار إصلاحات الطائف واحترام دور لبنان في إطار منظومة المقاومة والممانعة.
اليوم، لا يمكن للبنان الخروج من أزمته الحالية عبر اتفاق سياسي فوقي على انتخاب رئيس جديد، بل ثمة شرطان أساسيان لا يمكن من دونهما خروج لبنان من أزمته الحالية، مثلما أنّ انتخاب الرئيس ميشال سليمان قاد إلى إدارة الأزمة خلال السنوات الست الماضية، إنما لم يؤدّ إلى الخروج منها. أما الشرطان فهما:
الأول، إصلاحات سياسية جدية في بنية النظام توازي وتشكل امتداداً واستكمالاً لإصلاحات والطائف، ويكون محورها قانون انتخابي جديد على قاعدة النسبية.
الشرط الثاني، احترام دور وموقع لبنان في منظومة المقاومة والممانعة، والتسليم بهذا الدور، والإقلاع عن الرهانات على نقل لبنان من وضعه الذي كان عليه بعد الطائف كحاضن للمقاومة إلى موقع جديد يكرّس ارتباطه بالمحور الأميركي «الإسرائيلي».
من دون توافر هذين الشرطين لن يكون هناك خروج من الأزمة السياسية القائمة الآن، وإذا لم يأت رئيس جديد للجمهورية على هذا الأساس، فإنه سيكون رئيساً لإدارة الأزمة خلال ست سنوات جديدة لا أكثر ولا أقلّ.