أولى

البيان الوزاري خطة تنفيذية لخطاب القسم…

 

 أحمد بهجة

 

بعد اللغط الكبير الذي حصل مع مشاورات التكليف، وما أدّت إليه من مواقف عالية السقوف، يبدو أنّ الأمور عادت لتنتظم تحت سقف التلاقي وفتح صفحة جديدة من التنسيق والتعاون من أجل توفير أفضل الظروف لانطلاقة العهد الجديد الذي يريد له المخلصون أن ينجح في تنفيذ مضامين خطاب القسم وتحقيق الإنجازات التي يتطلع إليها اللبنانيون جميعاً، على كلّ المستويات السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية والاجتماعية…
ولا يختلف اثنان على أنّ لبنان بحاجة إلى كلّ شيء، حيث لا يوجد قطاع إلا وتعرّض لانتكاسات كبيرة خلال السنوات الماضية، خاصة أنّ المناكفات السياسية الداخلية والحصار الخارجي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال حصار سورية، لم تسمح باتخاذ أيّ قرار علاجي ولو في الحدّ الأدنى، رغم المحاولات الكثيرة التي قام بها بعض الوزراء بشكل إفرادي، أو خطط التعافي المتكاملة التي أعدّتها حكومة البروفيسور حسان دياب في العام 2020.
والحاجة إلى كلّ شيء لا تعني أنّ العهد الجديد ومعه الحكومة المرتقبة مطالبان بتحقيق «الكلّ شيء» دفعة واحدة، لأنّ هذا أمر مستحيل كما يعرف الجميع، لا سيما أنّ المطلوب كثير وكبير فيما القدرات محدودة حتى لو أتت بعض المساعدات.
إذن نحن بحاجة إلى خطة عمل مدروسة بشكل جيد، وليكُن البيان الوزاري للحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام بمثابة خطة تنفيذية لخطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمام المجلس النيابي يوم انتخابه في 9 كانون الثاني، وكان خطاباً شاملاً أحاط بكلّ العناوين وعلى مختلف الصعُد.
طبعاً يهتمّ اللبنانيون كثيراً بالمواضيع السياسية، خاصة أنّ السياسة اليوم بتشعّباتها الداخلية والخارجية فيها تقرير للمصير في الآتي من الأيام، وتحديداً في ما يتعلق بمواجهة العدو الإسرائيلي وأطماعه في أرضنا وما تختزنه من خيرات وموارد، ولكن بالدرجة نفسها يهتمّ اللبنانيون بشؤونهم الحياتية الضاغطة اقتصادياً واجتماعياً ومالياً، ويأمَلون بتوافر الحلول المناسبة لما يعانونه من مشاكل وأزمات منذ سنوات عديدة.
من هنا، وبعيداً عن «تكبير الحجر» و»البهوَرة» التي اعتدنا عليها في أوقات سابقة، نريد اليوم خطة عملية تحقق في وقت قصير بعض الخطوات الصغيرة، التي تعطي الأمل بأنّ هناك إمكانية لتحقيق الأهداف الكبيرة حتى لو احتاج ذلك إلى بعض الوقت.
على سبيل المثال لا الحصر فإنّ اللبنانيين لا يريدون أن تأتي الكهرباء يوم غد 24/24 ساعة، يكفي أن تتحسّن التغذية قليلاً، ولكن في الوقت نفسه يريدون أن يروا بأمّ العين أنّ هناك خطة شاملة بدأ العمل على تنفيذها جدياً من أجل بناء معامل جديدة لإنتاج الكهرباء، ولا مشكلة أن ينتهي العمل بها تدريجياً في غضون 18 شهراً أو سنتين.
والأمر نفسه ينطبق على أموال المودعين، وهنا لا بدّ من التنويه بما قاله حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري من قصر بعبدا قبل أيام، إذ كشف أنّ المصرف المركزي «أنهى دراسة شاملة وكاملة لمليون و260 ألف حساب موجودة في المصارف وقيمتها 86 مليار دولار، تمّ تفصيلها لمعرفة كيفيّة تقسيمها وفق الودائع والأعمار والشركات وغيرها. هذه الدراسة المُفصّلة التي تمّ الانتهاء منها تقريباً، تسمحُ للحكومة ولاحقاً للبرلمان، بوضع تصوّر أوضح لإعادة الأموال إلى المودعين».
هذا الكلام مطمئن إلى حدّ كبير، وبالتأكيد هناك تنسيق مع الرئيس عون لكي تصدر هذه التأكيدات من قصر بعبدا خاصة أنّ خطاب القسم تضمّن تأكيداً على أنّ ملف أموال المودعين له الأولوية، كما يُفترض أنّ الرئيس المكلف ليس بعيداً عن هذا الأمر، وهو بالطبع يريد أن تنجح حكومته في تلبية حاجات الناس ومطالبها، وهل هناك أهمّ عند الناس من استعادة أموالهم وجنى أعمارهم الذي ضاع في متاهة السنوات الخمس الماضية؟
وتأتي الأهمية المضاعفة لكلام الحاكم انطلاقاً من كونه صادراً عن شخص سجل منذ 1 آب 2023 العديد من الإنجازات لا سيما بشأن بعض المعالجات المحدودة من خلال التعاميم لإعادة بعض الأموال للمودعين ضمن القدرات، وهذا ما يعطي إشارات مهمة على المصداقية في القول والفعل، لا سيما على صعيد الالتزام التامّ بالقوانين، ورفض المسّ بالاحتياطي من العملات الأجنبية من أجل تمويل الدولة، كما كانت تجري الأمور في السابق وهو ما أوْصلنا إلى هذا الخراب الذي نحن فيه اليوم.
يُضاف إلى ذلك الكلام الواضح للرئيس عون قبل يومين أمام ضيفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن ضرورة أن تعود شركة «توتال» وحلفاؤها لكي تستأنف عملها في الاستكشاف والتنقيب عن الغاز في البلوكات التي بدأ العمل بها وتحديداً البلوكين 4 و 9 اللذين توقف العمل بهما نتيجة الأوضاع الداخلية المأزومة ونتيجة الحرب في الجنوب، وهذه أسباب لم تعد موجودة اليوم، وبالتالي ينبغي أن يُستأنف العمل بشكل جدي، خاصة أنّ كلّ التقارير والمعطيات تشير إلى وجود كميات واعدة جداً في المياه الإقليمية اللبنانية.
هذه نماذج عن ما يمكن أن يتمّ إنجازه في كلّ الملفات والقضايا التي تصبّ في مصلحة المواطنين من كلّ النواحي، شرط أن تكون مصلحة البلد والناس هي الهاجس لدى الجميع، بعيداً عن محاولات البعض لتسميم الأجواء وإثارة البلبلة، وهو ما لن يسمح به طبعاً الرئيسان عون وسلام ومعهما القوى الوطنية التي لا يزال لها القول الفصل في منع أيّ أحد من أخذ البلد إلى مسارات التأزّم والتوتّر التي لا طائل منها إلا الاستمرار في عرقلة الإصلاح والنهوض…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى