أولى

الحرب متواصلة.. ولكن في الضفة الغربية

 

 سعادة مصطفى أرشيد*

 

لم تأتِ نهاية الحرب في غزة بناء على طلب من المقاومة وإنْ أرهقتها الحرب وأرهقت حاضنتها الشعبية، ولكنها مع ذلك فقد واصلت المقاومة لا بل وأبدت في الأيام الأخيرة من القوة والبأس ما زاد من سوء الذكريات (للإسرائيليّ) المحتلّ. وكذلك لم تكن هذه النهاية مرغوبة لدى حكومة نتنياهو الذي كان لا يريد لهذه الحرب أن تتوقف أبداً، وبرغم الضغوط الداخليّة من قوى سياسية (إسرائيلية) ودوليّة ومن أهالي الأسرى وكثير من الضباط ومراكز الدراسات الأمنيّة التي نصحت بوضع نهاية معقولة لهذه الحرب وإنما جاءت النهاية بسبب نجاح ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية ورسائله لطرفي الحرب والقوى الفاعلة بالإقليم بضرورة إنهائها قبل تسلّمه صلاحياته الدستورية في العشرين من هذا الشهر، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور.
توقفت الحرب في غزة ولا نعلم إنْ كانت ستبدأ من جديد في وقت ليس ببعيد إذا تعثر تنفيذ الصفقة في مرحلتها الأخيرة وتبادل العسكريين، ولكن الحرب على الشعب الفلسطيني تواصلت في جبهة الضفة الغربية وكأنّ (الإسرائيلي) يريد اعتقال عدد المفرج عنهم ذاته في الصفقة أو حتى ما يزيد عنهم، إذ انطلقت حملته فور الشروع في تنفيذ الهدنة في غزة، بداية عن طريق المستوطنين الذين قطعوا أوصال الطرق بين محافظات الضفة الغربية وهاجموا القرى وأحرقوا المنازل بغطاء من الشرطة والجيش وبتسليح من وزير الأمن الداخلي الذي زوّدهم كما تقول المصادر (الإسرائيلية) بأكثر من 100,000 قطعة سلاح، ثم أصبحت لاحقاً بمشاركة معلنة من الجيش في قلقيلية يوم الاثنين وفي جنين يوم الثلاثاء.
يترافق كلّ ذلك مع تصريحات صادرة عن الجانب (الإسرائيلي) الحكومي – السياسي والعسكري تؤكد أنّ العملية التي أطلق عليها اسم «الجدار الحديدي» متواصلة وسوف تستمرّ لفترة طويلة، فقد اقتحمت مدينة جنين والمخيم عشرات الآليات العسكرية والجرافات بمصاحبة طائرات الأباتشي التي بادرت من فورها بإطلاق النار العشوائيّ على المواطنين، فيما تؤكد تصريحات صادرة عن الجيش (الإسرائيلي) أن مجلس الوزراء المصغّر قد اتخذ القرار بهذه العمليّة وأنها قد تتواصل لعدة أشهر، وتشمل كامل الضفة الغربية.
في عودة إلى الوراء نتذكّر أنه عندما تشكلت هذه الحكومة قبل سنتين أطلقت على نفسها وصف أنها حكومة حسم الصراع لا إدارته شأن الحكومات السابقة، وأن حسم الصراع سيكون في الضفة الغربيّة ضماً واستيطاناً وطرداً اللفلسطينيين أصحابها، هذا هو البرنامج الذي كان يخطّط (الإسرائيلي) لتنفيذه في مطلع العام 2024، ولكنه كان قد تعرقل بسبب ما حدث صبيحة السابع من تشرين الأول 2023 وما لحقه من حرب على غزة التي استمرت 15 شهراً.
الآن وبعد أن خفتت أصوات المدافع في غزة وعاد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية في واشنطن فقد تمّت العودة للمشروع القديم. وها هو جيش الاحتلال قد شرع في تنفيذ بنودها بدءاً من جنين ومخيمها، ونجاح (الإسرائيلي) في جنين ومخيمها سوف يتكرّر سلوكاً في كل مكان في الضفة الغربية. والمستهدف ليس المقاومة فقط وإنما الوجود الفلسطيني برمّته بدءاً من المخيمات التي يجب تجريفها وجعل سكانها يبحثون عن مساكن لهم خارجها الأمر الذي يتوافق مع مشروع حلّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الوارد في صفقة القرن وبالتالي شطب حق العودة، وذلك مقدّمة لتهجير سكان المخيمات وسائر الفلسطينيين هم مرة أخرى إلى خارج فلسطين.
هكذا سوف يكتوي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بنار الحرب كما اكتوى إخوانه في غزة بنارها، التي وإنْ اختلفت أدواتها وأساليبها إلا أنها لن تقلّ ضراوة وأذى عما تعرّضت له غزة.
أربعة مخاطر في أربعة ملفات يتعرّض لها الفلسطينيّ في وقت واحد: الضمّ والاستيطان أولاً والتهجير ثانياً والحرب على المدنيين ثالثاً، الأمر الذي يقتضي أعلى درجات التماسك الفلسطيني على أمل أن يستطيع الكل الفلسطيني الموحّد التصدّي ولو جزئياً لهذه المخاطر الجمة، أما الخطر الرابع فهو خطر الاشتباك الداخلي الذي تتوافر عناصره أيضاً بدعم من الاحتلال ومن مَن يستفيد من الاحتلال ومن السذج والبسطاء من أبناء شعبنا الذين تأخذهم العزّة بالإثم…

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى