اليوم العالمي للتأمّل والاهتمام بالصحة النفسية

سارة طالب السهيل
التأمّل هو إحدى الممارسات التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، ويمثل وسيلة للبحث عن السلام الداخلي والتوازن الروحي. في كلّ عام، يُحتفل باليوم العالمي للتأمّل في 21 كانون الأول/ ديسمبر، حيث يتجمّع الناس في جميع أنحاء العالم لتخصيص وقت لممارسة التأمّل والوعي الذاتي. هذا اليوم لا يقتصر فقط على تسليط الضوء على فوائد التأمّل، بل يهدف أيضاً إلى تسليط الضوء على أهمية الصحة النفسية، التي أصبحت واحدة من أبرز القضايا التي تشغل بال الناس في العصر الحديث. توجد العديد من القصص والأساطير المرتبطة بالتأمّل، بالإضافة إلى طرائف تاريخية حول هذه الممارسة، لنعرف العلاقة بين التأمّل والاهتمام بالصحة النفسية.
التأمّل ليس مجرد نشاط حديث، بل هو جزء من التراث الروحي في العديد من الثقافات حول العالم. كانت الحضارات القديمة تدرك تماماً أهمية الانسجام بين العقل والجسد، وقد مارس أسلافنا التأمّل كوسيلة لتحقيق التوازن الداخلي. وتختلف القصص والأساطير التي تدور حول التأمّل حسب الثقافات، لكنها تشترك في الإشارة إلى سعي الإنسان للاتصال بالعالم الروحي والعثور على الحقيقة.
تُعدّ قصة بوذا (سيدهارثا غوتاما) من أشهر الأساطير التي ترتبط بالتأمّل. وفقاً للأسطورة، جلس بوذا تحت شجرة بودي في الهند لمدة 49 يوماً متتالياً يتأمّل في معاني الحياة والموت ومعاناة البشر. في نهاية المطاف، نال بوذا التنوير، وأصبح لديه فهم عميق لمعنى الحياة وكيفية التحرر من معاناة البشر. القصة تبرز أهمية التأمل كأداة للبحث عن الحقيقة العميقة والتواصل مع الذات العليا. من خلال هذه الأسطورة، تعلمنا أنّ التأمّل ليس فقط وسيلة للهدوء الذهني، بل هو أيضاً طريق للتنوير الروحي.
في التقاليد الهندية، يُعتبر شيفا، إله اليوغا والتأمّل، رمزاً عظيماً للاتصال العميق بالعالم الداخلي. وفقاً للأسطورة، كان شيفا يقضي الكثير من الوقت في التأمّل في جبال الهملايا، حيث كان يغمض عينيه ليتواصل مع العالم الروحي، ويكتسب القوة والقدرة على توجيه الحياة. شيفا يُنظر إليه كرمز للتأمل العميق، وتعلم العديد من الممارسين في الهند تقنيات التأمّل تحت إشراف معلمين روحيين مرتبطين بهذا الإله.
التأمّل في الغرب وتطوّر الممارسة
بينما كان التأمّل مرتبطاً في البداية بالديانات الشرقية، بدأ انتشاره في الغرب في النصف الثاني من القرن العشرين. كان لاهتمام الفلاسفة والمفكرين الغربيّين بتقنيات التأمّل دور كبير في نشر هذه الممارسة في أنحاء مختلفة من العالم. فقد بدأ العديد من الأشخاص في الغرب في استخدام التأمل كوسيلة للتعامل مع الضغوط النفسية والتوتر، حتى أصبح جزءاً من الثقافة اليومية.
أحد الأسماء البارزة في هذا المجال كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، الذي اقترح في كتاباته أنه من خلال التأمّل العميق يمكننا الوصول إلى فهم أعمق عن العالم وعن أنفسنا. كانت فكرة «التفكير كوسيلة للوجود» هي جزء من فلسفته، مما يعكس كيف أنّ التأمّل العقلي يمكن أن يساعد على فهم الواقع.
طرائف التأمّل عبر التاريخ
العديد من القصص الطريفة ترتبط بممارسة التأمّل على مرّ العصور. في العصور الوسطى، كانت بعض الديانات تعتبر التأمّل وسيلة لاكتساب النعمة الإلهية، وقد يُفترض أنّ القديسين كانوا يتأمّلون في كلّ خطوة، حتى في أثناء تناول الطعام! في المقابل، قد يرى أنّ بعض الممارسين الغربيين في القرن التاسع عشر كانوا يعتقدون أنّ التأمّل يمكن أن يجعلهم يتواصلون مع الأبعاد الأخرى من الوجود، وفي بعض الحالات كان البعض يعتقد أنّ التأمّل يمكن أن يخلق «أشباحاً» أو «كائنات غير مرئية».
أما في العصر الحديث، فكثيراً ما يُحكى عن بعض الأشخاص الذين حاولوا التأمّل في بيئات غير تقليدية، مثل مكاتب العمل أو في أثناء السفر في وسائل النقل العامة، ويُقال إنهم وجدوا صعوبة في التركيز وسط الضوضاء المحيطة، ما يجعلنا ندرك أهمية البيئة المناسبة لتطبيق التأمّل.
الصحة النفسية وعلاقتها بالتأمّل
إنّ التأمّل ليس مجرد أداة روحانية، بل هو أيضاً أداة علمية تساهم في تحسين الصحة النفسية. في عصرنا الحالي، حيث يعاني الكثيرون من ضغوط الحياة اليومية والقلق والتوتر، أصبح التأمّل من أهمّ الأدوات التي تساعد على تقليل هذه المشاعر السلبية.
دراسات علمية عديدة أثبتت أنّ التأمّل يمكن أن يقلل من مستويات التوتر، ويحسّن المزاج، ويعزّز التركيز. وبالنسبة لأولئك الذين يعانون اضطرابات القلق أو الاكتئاب، يُعدّ التأمّل وسيلة فعّالة لتقليل الأعراض النفسية وتحقيق السلام الداخلي. كما أنّ التأمّل يساعد على تعزيز مرونة العقل وتحسين الصحة العامة، مما يجعله أحد الأساليب المفضلة لعلاج العديد من المشاكل النفسية.
يجب أن ندرك أنّ الاهتمام بالصحة النفسية لا يقلّ أهمية عن الاهتمام بالصحة الجسدية. يُعتبر التأمّل أحد الطرق الفعّالة التي تساهم في الحفاظ على صحة نفسية متوازنة. في الوقت الذي نعيش فيه في عالم مليء بالضغوط والمشاكل، أصبح من الضروري أن نخصص وقتاً للانتباه إلى صحتنا العقلية، والتأمّل يقدّم طريقة رائعة لتحقيق ذلك.
اليوم العالمي للتأمّل فرصة لنا جميعاً للتفكير في كيفية تحسين صحتنا النفسية والروحية. سواء كنت تتبع قصص بوذا أو شيفا أو حتى الفلسفات الغربية الحديثة، فإنّ الهدف الأساسي من التأمّل هو العثور على السلام الداخلي والاتصال بالنفس. التأمّل ليس فقط أداة للاسترخاء، بل هو رحلة ذاتية نحو التوازن النفسي والعقلي، ومن خلاله يمكننا أن نعيد اكتشاف أنفسنا، ونحقق التوازن في حياتنا اليومية. في هذا اليوم، لنتذكر أهمية العناية بصحتنا النفسية، وأنّ التأمّل قد يكون أحد المفاتيح لتحقيق ذلك…