وقفة تضامنية مع مواكب العائدين لـ «اللقاء الإعلامي الوطني» في بلدة شمع .. والكلمات تؤكد أنّ المعادلة الثلاثية تحققت على أرض الواقع والمحتلّ إلى زوال حتماً
عبير حمدان
تنبت الحياة وتتجدّد من تحت ركام البيوت الجنوبية والزيتون المحترق يعاند غبار الموت ويأبى الانكسار وكذلك الناس الذين أكملوا زحفهم إلى قراهم غير آبهين بالتهديد والوعيد، ولم يثنهم قرار تمديد مهلة الستين يوماً حتى ما بعد منتصف شباط عن قرارهم بالعودة إلى جذورهم، حيث غصّت القرى بالعائدين بمؤازرة الجيش تثبيتاً لقرار وقف إطلاق النار مع الإصرار على فعل التحرير الكامل.
في بلدة شمع الجنوبيّة حاول العدو تزوير التاريخ والجغرافيا حين اقتحم المؤرخ الإسرائيلي زئيف إيرليخ مقام النبي شمعون في البلدة بحثاً عن أدلة مزعومة على أنّه تراث «إسرائيلي»، فكانت نهايته على الأرض التي دنّسها في اشتباك مع المقاومة، ولاحقاً عمَد العدو إلى تفجير المقام قبل اندحاره من البلدة المذكورة.
اختار «اللقاء الإعلامي الوطني» مواكبة عودة الجنوبيين إلى قلب الوطن عبر وقفة تضامنية على أنقاض مقام النبي شمعون، ذلك أنّ رمزية المكان كافية للتأكيد على أنّ الصراع قائم مع قتلة الأنبياء وهو صراع وجوديّ حتميّ حتى تحقيق النصر الكامل.
شاركت في الوقفة شخصيّات سياسية وروحية، وعدد كبير من أعضاء «اللقاء الإعلامي الوطني»، كما حضر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عز الدين.
ضيا: أرضنا عصية على الاحتلال
بداية أكدت الدكتورة حنان ضيا أن هذه الأرض عصيّة على الاحتلال وكذلك أهلها، ولم يتمكّن المحتلّ أن يدنّسها لأنّ المقاومة الشعبية لأبناء هذه الأرض صدّته ودحرته.
ولفتت في كلمة التقديم إلى أنّ إرادة هذا الشعب في الجنوب هي التي نفّذت القرارات الدولية وليس من نصّها وأعطاها أرقاماً، مشيرة إلى أنّ «اللقاء الإعلامي الوطني» حاضر هنا ليؤكد أننا مع قضايا هذه الأمة وقضية جنوب لبنان هي الأسمى التي تحمي وتصون لبنان كله.
ألفا: هنا كتب العائدون التاريخ
ثم تحدّث الزميل روني ألفا ومما جاء في كلمته: «نحن شهود على صناعة التاريخ ومَن يصنع التاريخ اليوم هم أهل الجنوب. هذا الشعب الذي يواجه بالصدور العارمة المكسوّة بالكرامة أعتى جيش في المنطقة. امرأة واحدة تقول للعدو «قوّص هيدي أرضي» وتقف أمام دبابة وتحمل كمشة حصى لتصبح الدبابة كمشة حصى».
وأضاف: «هنا يُكتب التاريخ مجدّداً كما كُتب في العام 2000 وفي العام 2006، وخلف العائدين جيش بطل ارتقى منه شهداء ونزفت منه دماء وأمام الجميع التين والزيتون والحقل والمسكبة وهناء العيش بعيداً عن هذا المحتل. هنا في شمع كما في كلّ بلدة وقرية ودسكرة التحمت الزنود بالزناد والأسلحة بالأضرحة وانبثقت الحياة من الموت. هنا كُتِب التاريخ فقُتِل زئيف إيرليخ مزيّف التاريخ. هنا عاش إبراهيم حيدر وأخوانه ممن صنعوا التاريخ».
وقال: «هنا تسرّنا عودتنا وتحزنهم، وهناك في مغتصبات الشمال ستُخيفهم شرفاتنا من جديد سيقلقهم احتساء قهوتنا وإنشادنا أغنيات الانتصار، سيتوجّسون من راياتنا ويتحسّسون من أعلامنا ويلعنون صلواتنا لأنّ رايتهم لعنة وتاريخهم طعنة، سيسهرون على شرفات غيرهم خائفين مرتابين قلقين مهزومين، وسنسهر على شرفاتنا هانئين مطمئنين آمنين، لقد انتصرت المقاومة فامشوا شامخين بهامات مرتفعة وأجيبوا إذا سئلتم أنكم مع بطرس الصخرة حيث ضريح سمعان. ها هنا تعلمتم المقاومة بالشهادة ومع الحسين لم تستوحشوا طريق الحق فسلكتموه وعراً بالشهادة، أجيبوا أنّ الجنوب عاد وأنّ الشرق الأوسط الجديد رحل، وأنكم مؤسّسون للسيادة أصلاء في الشراكة، شركاء في الوطن، أمناء على الميثاق، حماة للوحدة، ضمانة للسلم الأهلي وحراس لأرزة لا تُباع إلى سليمان ولا تُشترى من أبراهام، أجيبوا أنكم لبنانيون شهداؤكم لبنانيّون عاشوا ودفنوا في لبنان وأنكم مدموغون بلبنان».
وقال: «اليوم كأننا بالتاريخ يتأمّل بأشرف الناس قائلاً «لقد فقتم توقعاتي أنحني لآقبّل أقدامكم، أحيي إقدامكم»، وكأننا بسماحة السيد الشهيد يخرج من قلب التاريخ ليقول لأعظم شعب على الأطلاق، فخور بكم أقبّل رؤوسكم التي أعلت كلّ رأس وأقبّل أياديكم القابضة على الزناد يرمي بها الله تعالى قتلة أنبيائه وعباده، والمفسدين في الأرض، وأقبّل أقدامكم المنغرسة في الأرض فلا ترتجف ولا تزول من مقامها ولو زالت الجبال…»
وختم: «لقد أشرق يوم الحرية الموعودة ويوم لبنان الذي عاد إلى جنوبه ولتكن الدماء التي سكبت على أرض الجنوب من البقاع إلى الضاحية الجنوبية الى بيروت الى كلّ المناطق التي لوّثها العدو باستهدافها، لتكن هذه الدماء الطاهرة رسالة إلى رعاة وقف إطلاق النار مفادها أنّ تمديد توقيت وقف إطلاق النار إلى 18 شباط مشبوه ويُضمر سلسلة تمديدات تحوّل الجنوب الى منطقة تحت الاحتلال الدائم وهو تمديد مرفوض أصلاً. وهذا لا يعني تأجيل العودة وإن المقاومة المدنية والشعبية والإعلامية في مواجهة احتلال الجنوب بذرائع متهاوية وأذرع متماهية بدأت ولن تتوقف. ولتكن دماء شهداء لبنان وجرحاه منذ أيلول الماضي حتى هذا اليوم والأيام الآتية رسالة المجتمع الدولي. إنّ استهداف العزّل والإعلاميين خلال الحروب يخالف القانون الدولي واتفاقية جنيف، فكيف إذا كان الاستهداف قد وقع في ظل اتفاق برعاية خماسية، ولتكن هذه الدماء صحوة ضمير لمن يريد المغامرة بالاستفراد أو المقامرة بالاستبعاد ولمن يروّج للعيش في جزيرة وللسياديين الذي نودّ أن نسمع صيحاتهم وحناجرهم تصرخ مع شعبهم وتواكبهم في عودتهم فلا تعلو الصيحات اعتراضاً على ثلاثية وتختفي عند نهر الأولي».
حنينة: المقاومة هي الخيار والنهج
وكانت كلمة لتجمّع العلماء المسلمين ألقاها الشيخ غازي حنينة، وجاء فيها: «من هنا من شمع ومن لبنان وجنوبه ومن المقاومة وهذا الشعب الأبي العظيم الذي وصفه السيد الشهيد بأشرف وأطهر الناس. هذا الشعب الذي يُصرّ على مواجهة المحتلّ ليحرّر أرضه ويُعيد بناء قراه… نؤكد أنّ المقاومة هي الخيار والنهج الثابت الوحيد وأننا لن نسمح للعدو بالبقاء على أرضنا التي امتزج ترابها بدماء الشهداء».
وقال: «أنتم يا أهل الجنوب، أهل الصمود والثبات، أهل الشهادة، نتوجّه إليكم بالتبريكات لذوي الشهداء الأبرار وفي مقدّمهم ذوي سيد الشهداء سماحة السيد حسن نصر الله».
وختم: «أنتم أثبتم البارحة في الجنوب واليوم في غزة هذا الموقف المقاوم الذي أكّد الوحدة المُقاومة في مواجهة المحتل حتى تحقيق النصر وتحرير الأرض».
عز الدين: المواجهة مستمرة وهذا الشعب هو المقاومة
من جهّته توجه النائب حسن عز الدين إلى كل المراهنين على هزيمة هذه المقاومة وقال: إنّ ما حصل أمس واليوم هو ردّ قوي جداً ورسالة للجميع في الداخل والخارج أنّ هذا الشعب صنع نصراً وتاريخاً جديداً وستثبت الأيام أنّ هذا التاريخ سيكون فيه تحوّل استراتيجيّ على مستوى البلد وعلى مستوى المقاومة والمواجهة مع هذا العدو.
وأكد أنه طالما هناك جنديّ إسرائيليّ يدنس هذه الأرض التي رُويت بدماء الشهداء فذلك يعني أن المواجهة مستمرّة وموجودة وقائمة والمقاومة باتت اليوم مع بقاء هذا العدو أكثر حاجة وضرورة من أي وقت مضى.
وختم: «نقول لكل مَن يظن أننا ضعفاء، اطمئنوا فإن مشهد العائدين الذين تحدّوا من مسافة صفر العدو باقون هنا والتراب والصخر والشجر على أرض الجنوب مقاومة، وهذا الشعب هو المقاومة».
قنديل: المعادلة تُكتب في التاريخ وعلى الجغرافيا
وألقى رئيس تحرير «البناء» النائب السابق ناصر قنديل كلمة قال فيها: «نحن اليوم في هذا الموقع الذي كُتِبت فيه واحدة من ملاحم المقاومــة. نأتي هنا لنحيي أهالي الشهداء وأُسرهم الذين يكتبون صفحة جديدة ومجيــدة من تاريخ أمتنا. خلال ستين يوماً كان العدو يعبث بالتاريخ والجغرافيا آملاً بأن يسرق صورة، لقــد فجّـر البيوت والطرقات وقتل الناس لكنه لم يحصل على صورة النصر، أمس خلال ستين دقيقة محت الناس الأيام الستيــن وكتبت مجداً ونصراً وتاريخاً جديداً للبنان فتحرّكت آلات السياسة وتحرّكت معها همة الدولة وانزرعت من جديد روح الوطنية التي كانت تعشش في قلوب الجنود والضباط فشهدنا النخوة تتجدّد من جديد.
هذا التراب فيه دماء شهداء المقاومة وشهداء الجيش، وأمس ارتوى بدماء شهداء الشعب فكُتِبت المعادلة، المعادلة سامحناكم ببيانها الوزاري لأنها تُكتب في التاريخ وعلى الجغرافيا.
نحن تعاهدنا في اللقاء الإعلامي الوطني أن نرسل رسالة الى شعبنا إلى إعلاميينا بأنّ إنصاف قضية الوطن والجنوب ليست إنصافاً لطائفة أو لحزب أو لمذهب لأنّ معيار الوطنية يؤخذ من هنا وكذلك شهادة الكرامة، وإنّ نزاهة الإعلام تقاس من هنا ولزملائنا الإعلاميين الذين نحبّهم ولا يحبّوننا نقول إنّ الشعب في لبنان قال كلمته بالأمس، وليس أهل الجنوب وحسب إنما كلّ الشعب اللبناني كان يحتفل ويفرح بهذا المشهد الذي زرع الوحدة والكرامة والعزة بالنسبة لكل اللبنانيين».
وختم: «طبعاً الحكومة اللبنانيّة تفاوض وتحاول الوصول إلى تسويات، ونحن تعلّمنا من إمامنا الراحل محمد مهدي شمس الدين معادلة تقول «ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب»، لذلك فلتفعل الحكومات ما تريد ونحن لنا الخيار، وهذا الشعب اختار بعد الستين يوماً العودة والمواجهة، ولنر إذا كانت الحكومة ستلحق شعبها في إرادته».
لقاءات
أبو خليل: أرضنا مقدّسة ولن ننكسر
الدكتورة مهى أبو خليل التي صمدت في مدينة صور طوال أيام الحرب أكدت لـ»البناء» أنّ البقاء هو نوع من التحدي، وقالت: «بقيت في صور كنوع من التحدي وأنا لم أغادر الجنوب في كلّ الحروب فهذه أرضي وسأبقى فيها مهما حصل، ويقيني ثابت أنه مهما كان الوجع كبيراً والخسارة كبيرة من هنا علينا العمل على معرفة عدونا أكثر وعدم الاستهانة به مهما شعرنا أننا أقوياء».
وتابعت: «خسارة السيد حسن نصرالله والقادة هو وجع التاريخ، ولكن إكراما للدماء التي سالت يجب أن نستمرّ، وما حصل معنا لو حصل لإمبراطورية لانهارت، وما شهدناه في اليومين الماضيين يثبت أننا لن ننكسر وهذا الأرض التي ارتوت وانعجنت بالشهداء مقدّسة وشعبنا متقدّم على كلّ القرارات الأممية، وطالما لدينا أمهات يواجهن الدبابة فلن ننكسر».
الحسن: هنا السيادة الحقيقية
من جهته رأى منسق «اللقاء الإعلامي الوطني» الزميل سمير الحسن أنّ مشهدية عودة الجنوبيين إلى قراهم قلبت الصورة. وقال: «مشهدية يوم الأحد قلبت الصورة وغيّرت مسار ما كان يروّج له أنّ ما جرى كان انكساراً للمقاومة، وأكد أهالي القرى والبلدات الجنوبية تمسكهم بأرضهم وهم على العهد يواصلون مسيرة المقاومة دعماً لغزة ولفلسطين. ونحن كـ «لقاء إعلامي وطني» جئنا اليوم لنواكب بطولات شعبنا ونقف معهم كتفاً على كتف في هذه المعركة الكبيرة، معركة الإسناد لغزة ولطوفان الأقصى، وأيضاً لنقول لهذه الأرض الطيبة المباركة التي رُويت بدماء الشهادة الأبطال دفاعاً عن السيادة، أنه هكذا تكون السيادة الحقيقية وهنا حراس الوطن وحدوده وهؤلاء يقدّمون نماذج من البطولة لمفهوم الوطن، لأنّ الأوطان هي الكرامة وهؤلاء الناس صاغوا الكرامة في كلّ بقعة وشبر من هذه القرى».
سكرية: مشهد الجنوبيين استنهض الحالة الشعبية في الأمة
واعتبر الدكتور عبد الملك سكرية أنّ المشهد الجنوبي حرّك العالم كله، فقال: «أمام هذا المشهد التاريخي العظيم الذي رآه العالم أجمع على أرض الجنوب من قبل أهل القرى والأرض. هذا المشهد الذي حرّك العالم أجمع، رئيس فرنسا ورئيس أميركا أعلنا عن موقف تجاهه وكانوا قلقين جداً، لأنّ ما حصل على أرض الجنوب بإمكانه أن يعيد البوصلة الى مكانها الصحيح ويستنهض الحالة الشعبية في كافة أصقاع هذه الأمة من الشرفاء والأحرار، لذا كان التحرك السريع من قبلهم لحفظ ماء وجه العدو وليس حباً بهم، ولكن شعب الجنوب الأبي البطل بما يملك من خبرة تحصّنه في مواجهة أكاذيب هؤلاء وعدم ثقته بهم استمرّ في تحركه في القرى التي يتواجد هذا العدو ويدنّس ترابها».
وتابع: «نقول لشركائنا في الوطن إنّ هذا العدو ليس عدواً لأهالي الجنوب والقرى الأمامية إنما هو عدو لجميع أبناء الوطن لأن مشروعه الصهيوني خطر وجودي على كل لبنان. وهذا العدو لا يثق بعملائه ولا يزال مشهد العام 2000 ماثلاً حيث اندحر العدو وأغلق الباب في وجه عملائه الذين خدموه لسنوات وتركهم خلفه وبحكمة المقاومة حينها تمّ تسليم ملفاتهم الى الدولة ذلك لأنّ المقاومة تعترف بالدولة وهي لم تعمد إلى المواجهة إلا حين غابت الدولة عن المشهد».
وختم: «لكل مَن يصوّب على المقاومة نقول إنّ العدو لا يميّز بين مقاوم ومواطن فهو عدوّنا جميعاً لذلك علينا أن نتعظ ونبني استراتيجية دفاعية بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني الوطني يكون القول الفصل فيها بهدف حماية لبنان من هذا الكيان المحتل الجرثومي الذي يهدّد هذا الوطن وأجياله الآتية».
تجدر الإشارة إلى أنه خلال الوقفة تمّ استذكار القائد الإعلامي الشهيد الحاج محمد عفيف الذي قال في لقاء سابق مع الجنوبيين: «ستعودون مرفوعي الرؤوس شامخين»، وقد عكس هذا المشهد روح المقاومة والتحدي.
وفي طريق العودة إلى بيروت زار المشاركون ضريح الشهيد محمد عفيف في صيدا حيث قرأوا الفاتحة على روحه وروح والده العلامة الشيخ عفيف النابلسي.