مقالات وآراء

من خارج المنطق: عبد الوهاب حسين ومسار التغيير الفكري في البحرين

 

 محمد ناس

 

«ادوارد سعيد، جئتَ من بعيدٍ إلى قلوبنا، فماذا بعد أن رحلت؟» ـ محمود درويش
بهذه الكلمات عبّر محمود درويش عن تقديره لإدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني الذي أحدث انقلاباً في طريقة التفكير حول الاستعمار والسرديات الثقافية المهيمنة.
في البحرين، برز عبد الوهاب حسين كشخصية مشابهة في نضالها الفكري والسياسي، حيث تجاوز تأثيره المحلي ليعيد تعريف الصراع مع السلطة من خلال خطاب جذري يدعو إلى التغيير الشامل.

عبد الوهاب حسين: مسيرة فكرية وسياسية

يُعدّ عبد الوهاب حسين من أبرز الشخصيات البحرينية التي تبنّت مشروعاً فكرياً وسياسياً يهدف إلى التغيير الجذري. بدأ نشاطه السياسي في التسعينيات خلال فترة المطالبة بعودة البرلمان، لكنه سرعان ما انتقل من خطاب الإصلاح التدريجي إلى خطاب أكثر راديكالية بعد إخفاق تجربة ميثاق العمل الوطني.
في عام 2009، أسّس «تيار الوفاء الإسلامي»، الذي دعا إلى مقاطعة العملية السياسية باعتبارها غير مجدية، مشيراً إلى أنّ الإصلاح التدريجي يمنح النظام شرعية إضافية ويطيل معاناة الشعب. ومع اندلاع انتفاضة 2011، رفع حسين شعار «إسقاط النظام»، وهو ما شكّل نقلة نوعية في الخطاب السياسي البحريني.
ورغم اختلاف السياقات بين الشخصيتين، يمكن ملاحظة نقاط تشابه واختلاف واضحة بين المفكرَين ادوارد سعيد وعبد الوهاب حسين.

أوجه التشابه:

1 ـ تحدي السرديات المهيمنة: فكك إدوارد سعيد الصورة النمطية عن الشرق في «الاستشراق»، بينما فكك عبد الوهاب حسين خطابات السلطة البحرينية التي شيطنت المعارضة.
2 ـ إعادة تعريف الواقع: دعا سعيد إلى إعادة تعريف الشرق بعيداً عن الاستعمار، بينما سعى حسين إلى إعادة صياغة العلاقة بين الشعب والسلطة على أساس مطالب جذرية.
أوجه الاختلاف:
1 ـ النطاق الفكري: ركز سعيد على النضال الفكري عالمياً عبر الأكاديميا، بينما كان نضال حسين محلياً ومباشراً، معتمداً على الخطابة والتنظيم الشعبي.
2 ـ الأدوات المستخدمة: استخدم سعيد المنهج الفكري النقدي، بينما تبنّى حسين نهجاً عملياً متمثلاً في قيادة احتجاجات وتأسيس تيارات معارضة.

خطاب الجذرية وتفكيك السرديات

رفع عبد الوهاب حسين شعار «إسقاط النظام»، وهو شعار غير مسبوق في السياق البحريني، الذي اعتاد على المطالبة بإصلاحات تدريجية. من على منصة دوار اللؤلؤة، قال حسين عبارته الشهيرة:
«إنّي أقول لكم شهادة لله وللتاريخ: في الساحة مطلبان، إسقاط النظام ومملكة دستورية. أقولها شهادة لله وللتاريخ: إذا تنازلتم عن مطلب إسقاط النظام، فلن تحصلوا على المملكة الدستورية.»
بهذا الخطاب، قدّم حسين رؤية جديدة للتغيير تقوم على الجذرية، متجاوزاً القيود التي فرضتها السلطة. وعلى الرغم من أن فكرة «إسقاط النظام» بدت غير واقعية للبعض، إلا أنّ حسين ومعه حسن مشيمع نجحا في تحويلها إلى حالة رمزية ألهمت شريحة واسعة من الشباب.
عبر موقفه الرافض للمشاركة في الانتخابات والعملية السياسية، فكك حسين سردية النظام التي تعتمد على مشاركة المعارضة لإظهار الاستقرار وإقناع المجتمع الدولي بوجود حراك ديمقراطي.

 

تيار الممانعة مقابل تيار المسايرة

أسّس عبد الوهاب حسين، بفكره الخطابي ومكانته الجماهيرية، «تيار الوفاء الإسلامي» في 2009، الذي دعا إلى مقاطعة العملية السياسية، باعتبار أنّ الإصلاح البطيء يمنح النظام شرعية إضافية. في المقابل، مثل «تيار المسايرة» خيار الإصلاح التدريجي، وهو ما رفضه حسين وحسن مشيمع، مؤسس حركة «حق».
رغم حالة الجدل بين التيارين، ساهم هذا الصراع في تعزيز النقاش السياسي داخل البحرين، وفتح نافذة لتبني أفكار جريئة تتحدى الواقع السائد. إلا أنّ الخلاف بين تيارات المعارضة أدّى أيضاً إلى تشتّت الجهود وعدم تحقيق مكاسب سياسية ملموسة.
في السنوات التي سبقت الثورة، منعت السلطات البحرينية آية الله المقداد وحسن مشيمع من إقامة صلاة الجماعة، كجزء من محاولاتها للسيطرة على المنابر الدينية. توقع حسين أن يمتدّ هذا المنع ليشمل رموزاً دينية وسياسية أخرى مثل الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان، وهو ما تحقق لاحقاً.
في السجن، أصدر حسين بياناً دفاعياً قوياً عن الشيخ قاسم، مشدّداً على أهمية الالتزام بالمبادئ وداعياً إلى الوحدة. ورغم دعوته للشيخ قاسم ليكون «أباً للجميع»، فإنّ الواقع لا يزال يشهد فجوة بين الدعوات الوحدوية وتطبيقها على الأرض.

قراءة نقدية للمشهد

يمكن القول إنّ فريقي المعارضة في البحرين، سواء تيار الممانعة أو المسايرة، فشلا في تحقيق مكاسب سياسية واضحة. ومع ذلك، نجح تيار الممانعة بقيادة حسين ومشيمع في تأسيس مشروع فكري وسياسي عميق يستهدف بناء وعي جمعي يرفض الهيمنة ويؤمن بالتغيير الجذري.
هذا المشروع، رغم التحديات، يمثل إرثاً سيستمر في إزعاج السلطة على المدى البعيد، لأنه يُركز على خلق أجيال جديدة مستعدة للنضال.
إدوارد سعيد وعبد الوهاب حسين مثّلا نموذجين مختلفين للمثقف المقاوم. فكّك سعيد الصورة النمطية عن الشرق التي صنعها الغرب، بينما نجح حسين في تفكيك خطاب السلطة المحلية، مؤكداً أنّ التغيير يبدأ من تحدي «الحقيقة المطلقة» التي تصنعها القوى المهيمنة.
وكما رأى محمود درويش في إدوارد سعيد «القادم من بعيد إلى قلوبنا»، فإنّ عبد الوهاب حسين هو ذاك الصوت الذي نهض من أعماق معاناة شعبه ليقول: «إنّ التغيير قدرٌ لا مفر منه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى