أولى

حكومة شبه جاهزة و«بطولات وهمية» والثلاثية ثابتة على أرض الجنوب

 

 أحمد بهجة

 

بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في 13 كانون الثاني الماضي، ارتكب القاضي نواف سلام جُملة هفوات و «زحطات» جعلته يظهر أمام الأوساط السياسية والإعلامية وأيضاً أمام الرأي العام كأنه من الهواة والمبتدئين، فيما يُفترض به أن يكون أكثر إدراكاً ومعرفة بما يجب فعله أو قوله أو حتى تسريبه من خلال مقرّبين منه، خاصة أنه آتٍ من بيت خَبِر العمل السياسي منذ قرن تقريباً وشهدت صالوناته وأروقته تشكيل حكومات عدة، وأيضاً هو الآتي من خبرة طويلة في العمل الأكاديمي والدبلوماسي والقضائي على المستوى الدولي…
ولعلّ أبرز الهفوات قوله إنه يريد أن يشكّل الحكومة من خرّيجي الجامعتين الأميركية واليسوعية، مما أثار موجة من ردود الفعل ليس فقط من خرّيجي الجامعات الأخرى كـ «اللبنانية» و «العربية» وغيرهما، بل من مختلف المتابعين لمجريات تشكيل الحكومة، كأنّ اللبنانيين لا يكفيهم هذا النظام الطائفي الكريه الذي يجعلهم ناقصي الأهلية، واليوم يجعلهم كلام الرئيس المكلّف ناقصي المؤهّلات!؟
وفيما استمرّت لعدة أيام الردود على هذا الكلام السيّئ والمسيء، لم يصدر عن الرئيس المكلف أيّ تعليق مباشر على هذا الموضوع، مما اضطر رئيس الجامعة اللبنانية البروفيسور بسام بدران للاتصال به والاستيضاح منه عن حقيقة هذا الأمر، ونقل عنه نفيه أن يكون قد أدلى بمثل هذا الكلام.
نصل إلى هفوة ثانية ربما تكون ناتجة عن وجوده في الخارج وانهماكه في الأعمال والمسؤوليات المتعددة، وبالتالي عدم المتابعة الحثيثة لكلّ تفاصيل السياسة اللبنانية، وقد ظهر الأمر جلياً حين أعلن من قصر بعبدا معاييره لتشكيل الحكومة، وكان أحد هذه المعايير فصل النيابة عن الوزارة، ثمّ عاد وكرّر هذا الشرط أكثر من مرة، من دون أن يلفت نظره أيّ من المحيطين به إلى أنّ هذا الأمر حاصل منذ تشكيل حكومة البروفيسور حسان دياب في مطلع العام 2020، ثم حصل الأمر نفسه في الحكومة الحالية باستثناء وزير واحد هو وزير الصناعة جورج بوشكيان.
لكن الناس ملّوا من الحديث عن وزراء «تكنوقراط» بعيدين عن السياسة، أولاً لأنّ ذلك لا يمتُّ بصلة إلى الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف حيث أصبح مجلس الوزراء مجتمعاً هو السلطة السياسية التي تفصل في كلّ الشؤون والشجون، وبالتالي لا بدّ أن تأتي التشكيلة الحكومية مُعبّرة عن إرادة الناس الممثلة في مجلس النواب والتي لا يمكن تجاوزها إلا بانتخابات جديدة لم يعد موعدها بعيداً.
وحين يكون الحديث عن «التكنوقراط» يتذكّر الناس على الفور تجربتهم المرّة مع مَن أتى تحت هذا الشعار وزيراً للمالية ثمّ رئيساً للحكومة، وفعل ما فعله في المال العام، وهو الأمر الذي لا يزال البلد يعاني منه إلى اليوم.
أيضاً وأيضاً يلاحَظُ بشكل جليّ هذا التقلّب الفاضح في مواقف الرئيس المكلّف، حيث يوافق اليوم على مسألة ثم ينقلب عليها غداً، وقد أصبح مؤكداً أنّ هذا الأمر يحصل بفعل التأثير الذي يمارسه عليه بعض المحيطين به، خاصة من مُدّعي «التغيير» ومن بعض رؤساء الجامعات «الأجنبية»، إضافة ربما إلى بعض التدخلات الخارجية التي تستهدف فريقاً بذاته، وهو الفريق الذي عجزوا عن التخلص منه حين وقف عمالقة مقاومته الشامخة في مواجهة حرب الإبادة وتمكّنوا من صدّ العدوان الصهيوني ومنعوه من احتلال أرضهم مجدّداً، وهي الأرض التي طردوه منها في أيار 2000 وانتصروا عليه فيها عام 2006، وها هم اليوم أيضاً يطردون جيش العدو من بعض قرى الحافة الحدودية التي تقدّم إليها بعد وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي.
رغم ذلك سُجّلت في اليومين الماضيين بعض الإيجابيات على صعيد التشكيل، إلى درجة جعلت البعض يقول إنّ التشكيلة باتت شبه جاهزة، حيث أفادت المعلومات عن حصول اتفاق نهائي بين الثنائي الشيعي الوطني والرئيس المكلف على الحقائب الخمس التي ستكون من نصيب الثنائي، وهي المالية والصحة والعمل والصناعة والبيئة، فيما تستمرّ المشاورات بالنسبة لتمثيل الأفرقاء الآخرين، خاصة أولئك الذين كانوا يحاولون رمي كرة التعطيل باتجاه الثنائي فيما هم يحتضنون كرة التعطيل باختراع معارك وبطولات وهمية مثل المطالبة بعدم تضمين البيان الوزاري ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» فيما الحقيقة هي أنّ هذه الثلاثية لم يتمّ ذكرها في البيانات الوزارية للحكومات الخمس المتعاقبة منذ 2013 حتى اليوم، لكنها تكرّست على أرض الواقع منذ زمن على أرضنا الجنوبية الطيبة، وازدادت رسوخاً وتجذراً في هذه الأيام التاريخية التي يحرّر فيها الشعب والجيش والمقاومة قرانا وبلداتنا الحدودية في ملحمة البطولة والعنفوان والكرامة الوطنية…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى