نحو بناء دولة مدنية لا طائفية
د. علا عيد
في القراءة السوسيوسياسية لواقع تشكيل الحكومة اللبنانية وارتباطها الجدلي بما ورد في خطاب القسم، لا بدّ من الانطلاق من خارطة طريق واضحة المعالم عنوانها الدولة المدنية حيث تنتهي كلّ المقاربات والحلول عندها…
أما الدخول في نفق التسويات الطائفية والبحث عن رضى رجال الدين ورؤساء الطوائف والسفارات فهو بداية النهاية للدولة الموعودة، لا بل هو استعادة أنفاس النظام الطائفي الذي دمّر لبنان وما يزال… فالواقع الذي تشهده الساحة السياسية اللبنانية من تخبّط على المواقع القيادية يعيد التذكير بأنّ لبنان حقاً يفنى بالطائفية، وأنّ الطائفية التي تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة، تشكل ساحة صراع دائمة في المجال السياسي، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيَم أو مبادئ أو مذاهب دينية للجماعات الطائفية المتناحرة.
أما بالنسبة الى العملية الانتقائية لمناطق على حساب أخرى كعكار مثلاً، ولمؤسسات أكاديمية خاصة على حساب مؤسسة وطنية كالجامعة اللبنانية، يثير أمام الرأي العام اللبناني الكثير من الأسئلة الإشكالية حول طبيعة وشكل المرحلة السياسية المقبلة؟
ولكن يبقى أن نشير وبشكل علمي موضوعي إلى أنّ الطائفية لا علاقة لها في الواقع بتعدّد الطوائف أو الديانات، إذ من الممكن تماماً أن يكون المجتمع متعدد الطوائف الدينية أو الإثنية من دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء دولة طائفية أو سيطرة الطائفية على الحياة السياسية، وبالتالي لتقديم هذا الولاء على الولاء للدولة والقانون الذي تمثله.
وفي الوقت الذي يفترض به على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام أن يحافظ فيه على الطائف وعلى التنوع اللبناني الطائفي والحزبي والمناطقي، نرى أنّ المشهد العام /المفروض عليه، أو لا/ يقوم بالخلط العشوائي بين التعددية الدينية والإثنية القائمة على مستوى المجتمع المدني واستخدام الولاءات الجزئية من قبل النخب الحاكمة داخل الدولة للالتفاف على قانون المساواة وتكافؤ الفرص، ما يسيء الى شكل الدولة المعهودة.
هذا الشكل الذي يعيدنا الى نقطة الصفر لجهة أحلامنا كلبنانيين بالتغيير والنهضة، يبيّن لنا بوضوح أنّ الإدارة الجديدة جاءت في سبيل ضمان السيطرة غير المشروعة على الدولة ومرافقها، ما يسيء الى التوافق الذي حصل بين القيادات اللبنانية لجهة انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف القاضي نواف سلام وبالتالي هي إساءة كبيرة لكلّ اللبنانيين وثقتهم بدولتهم الجديدة القائمة على التنوع والتعددية التي تعزز فكرة المجتمع المدني اللاطائفي.