نواف سلام الذي يهاجمونه بمزاعم إصلاحيّة
ناصر قنديل
– اسم الرئيس المكلف نواف سلام ليس وافداً من المجهول على عالم السياسة والفكر السياسي. فالرجل صاحب باع طويل في مقاربة الأزمة اللبنانية، وصاحب رأي سابق بكثير لتسميته رئيساً للحكومة حول ما يجب فعله في مواجهة تحديات البناء الوطني، بما في ذلك مستقبل سلاح المقاومة، ومستقبل الإصلاح السياسي والانتخابي والإداري والقضائي، والذين ظنوا أنهم قاموا بتسمية دمية لرئاسة الحكومة كي يقوموا هم بتشكيلها بالنيابة عنه، فوجئوا بأنه يملك تصوراً خاصاً وفهماً أعمق مما توقعوا للعملية السياسية وبعدها الإصلاحي، لأنهم لا يقرأون، لم يقرأوا كتب نواف سلام عن الأصح واتفاق الطائف، بل إنهم لم يتابعوا نصوصه التي كتبها وألقاها في محاضرات نشرتها الصحف، وربما لو فعلوا لكانوا تأقلموا مع ما يفعل بفعل ما قال سابقاً، أو ربما امتنعوا عن تسميته أصلاً.
– نواف سلام ليس مغرماً بالثنائي، لكنه مؤمن بمعادلات اتفاق الطائف وربط شرعية السلطة بميثاق العيش المشترك، والثنائي مارس الواقعية السياسية مع وصول العماد جوزف عون إلى الرئاسة، وتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة، وما بعدهما لمقاربة ملف الحكومة، لكن بعضاً مهماً من الذين قاموا بتسمية سلام افتقد للواقعية السياسية عندما توهّم أن سلام مجرد أداة انتقام من الثنائي وإذلال مكوّن طائفيّ رئيسيّ في المجتمع والدولة، وسلام الذي كان له اعتراض واضح على صيغة اختصار الدولة بالترويكا وصاحب دعوة دائمة لإعادة السلطة إلى مجلس وزراء يكون رئيس الجمهورية فيه حكماً ويكون رئيس الحكومة رئيساً لا يسعى إلى اختصار المجلس وصلاحياته بشخصه، يعرف ويعترف بأن صيغة اتفاق الطائف لتشكيل مجلس الوزراء وصلاحياته هي ضمانة من ضمانات السلم الأهلي وجوهرها، الحفاظ على توازنات العلاقات الهشّة بين الطوائف.
– هذا الكلام وارد في محاضرة قبل سنتين للرئيس نواف سلام في جمعية المقاصد ضمّنها كل ما يعتقد أنه ضروري لخروج لبنان من أزمته، ولمن يرغب بالقراءة يمكن العودة إلى النص المنشور كاملاً في جريدة النهار في عدد 2-3-2023، حيث يقارب سلام كل القضايا التي ربما يفكر اليوم تضمينها للبيان الوزاري لحكومته، ولعل أبرزها، تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وتعزيز استقلال القضاء، وإعادة صلاحية تفسير الدستور إلى المجلس الدستوريّ، وتنفيذ اللامركزية الإدارية الموسّعة، الاحترام الدقيق لنص المادة 95 من الدستور لجهة اعتماد الكفاءة في الوظيفة العامة وإلغاء طائفية الوظيفة في كل الفئات الوظيفية باستثناء الفئة الأولى، على قاعدة عدم تخصيص طائفة بوظيفة، إعادة التذكير بالمادة 22 من الدستور التي نصّت على انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف وتنحصر مهمته في النظر بالقضايا المصيريّة، والبحث في تعديلات دستورية ضرورية من نوع وضع مهل للدعوة للاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة ومثلها للرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة، ومهلة للوزير لتوقيع المراسيم الحكوميّة، وتعديلات تطال شروط حلّ الحكومة للمجلس النيابي.
– في مقاربة سلام لموضوع سلاح المقاومة، يقول سلام في محاضرته «إن بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية، بحسب ما نص عليه اتفاق الطائف، أمر لم يتحقق بعد، كما هو معلوم. لا بل إنه من المسائل الأساسية العالقة منذ إقرار الاتفاق حيث تقتضي الإشارة أيضًا إلى أن ما اعتبرناه «المعاملة المميّزة» التي حظي بها «حزب الله» في الحفاظ على سلاحه بسبب الاحتلال الإسرائيلي، راحت تتحوّل بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 إلى مصدر خلاف سياسي وتوترات طائفية في البلاد. والواقع أن هدف بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها «بواسطة قواها الذاتية»، بات مرتبطاً بالاتفاق على «استراتيجية» للدفاع الوطني، والتي يُفترض أن تعالج أيضاً قضية مستقبل سلاح «حزب الله». فالبحث في مضمون هذه الاستراتيجية وإقرارها هو المطلوب اليوم».
– ما ورد في محاضرة سلام يؤكد أن الرئيس المكلف يعرف ما يفعل، ومنطقي أن نرى بينه وبين الثنائي خلافات حول ما يعتقد وما يسعى لفعله، وفقاً لما ورد، لكن يبدو أن المعترضين على أدائه اليوم ممن قاموا بتسميته بالأمس، لا يعرفون ما يفعلون أو أنهم عندما قاموا بالتسمية لم يكونوا يعرفون ما يفعلون، وقد عرفوا اليوم متأخرين.