نقاط على الحروف

خطة افتراضية لترامب تخلط الأوراق

 

ناصر قنديل

 

– مصطلح خطة افتراضية في توصيف طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير سكان غزة وجعل غزة ملكية أميركية طويلة الأمد، يشير إلى أن الخطة لا تملك أدوات تنفيذية، فلا جواب فيها على سؤال مَن يضمن موافقة أهل غزة والواضح هو أنهم يرفضون ترك بلدهم. وهل هناك آلية لإخراجهم من غزة بالقوة قادرة على تحقيق الهدف ولو بحملة عسكرية أميركية بعدما فشلت حرب إسرائيلية بكل ما لدى أميركا من أسلحة وقنابل في تحقيق هذا الهدف، هذا عدا عن رفض الدول المعنية بخطاب ترامب لاستقبال المهجرين المفترضين من غزة الاستجابة لطلباته، لكن هل هذه الخطة الافتراضية طرحت لتنطفئ بسبب غياب آلية تنفيذية لها أم أن لها وظائف وديناميكية ما يجعل منها خطة مبنية على دراسة؟

– يمكن القول بثقة إن أهل غزة لن يُهجَّروا وإن الحديث عن حملة عسكرية أميركية لفرض التهجير نوع من الخيال، فهذه حملة محكومة بالفشل سوف تفجّر المنطقة وتعرّض المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة للاستهداف وتعيد إنتاج ما كان في البحر الأحمر من مواجهة مع اليمن وما له من انعكاسات على المضائق والممرات المائية وتأثير على سوق النفط والتجارة العالمية. وهذه حملة تستدعي ترتيبات داخلية أميركية وتغييراً في أولويات ولاية ترامب، الذاهبة الى السعي لإنعاش الوضع الاقتصادي والابتعاد عن الحروب كأولوية أولى، وليس مستغرباً على ترامب النزول عن شجرة يصعدها عندما يصطدم بالعقبات، كما فعل مع بنما والمكسيك وكندا، رغم محاولاته تظهير الفشل كأنه إنجاز، فلم يعد ضم كندا مطروحاً بل يكفي نشر حرس حدود للتعاون في منع التهريب، ولا عاد استرجاع قناة بنما هدفاً بل يكفي الحصول على امتيازات في قاعدة عسكرية بنمية ولم يعُد الموقف من المكسيك رهن استقباله المهاجرين المبعدين عن أميركا بل مجرد نشر وحدات من حرس الحدود للتعاون بمنع التهريب.

– الواضح أن الهدف الأول لخطة ترامب الافتراضية إنقاذ «إسرائيل» من جملة استحقاقات قاتلة، من دون الحاجة لتنفيذ الخطة، لأن مجرد طرح تهجير غزة ولاحقاً ضمّ الضفة الغربية إلى الكيان، يعني استبدال العنوان الذي شكل أهم خلاصة للحرب الإسرائيلية التي فشلت في إنهاء القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية، سواء في فرض الاحتلال أو فرض التهجير أو إنهاء المقاومة، وهو عنوان دولة فلسطينية كانت إدارة ترامب تعمل على مقايضتها مع التطبيع بين «إسرائيل» والسعودية، فصار العنوان الآن تهجير غزة وضمّ الضفة الغربيّة، وهذه أول خشبة خلاص للكيان، ومنها وبواسطتها خشبة خلاص ثانية هي منع انفجار الكيان داخلياً حول عنوان الدولة الفلسطينيّة، وهو انفجار كثر الحديث عن احتمال بلوغه مرحلة الحرب الأهليّة في الكيان، ومن هاتين خلاصة ثالثة هي حماية حكومة بنيامين نتنياهو من خطر التفكك.

– الهدف الثاني لخطة ترامب ليس خافياً وهو وضع صيغة استفزازية في التداول باعتبارها رؤية أميركية للحل، والاستعداد لاستخدامها ورقة ضغط وابتزاز لاستدراج سماع بدائل غير مشروع دولة فلسطينية، بدائل تضمن التطلعات الإسرائيلية الأميركية في غزة، وفي الضفة الغربية أيضاً، مثل إدارة عربية دولية لغزة، ومثل الاعتراف بشرعية الاستيطان في الضفة الغربية، والاستعداد للتطبيع بين السعودية و»إسرائيل» بمعزل عن قيام دولة فلسطينية، بحيث يصبح مجرد سحب مشروع التهجير من التداول إنجازاً كافياً مهما كان البديل وكان الثمن.

– في سابقة ربما تضيء على المشهد الراهن، جاء القرار 1559 عام 2004 خطة افتراضية دون آلية تنفيذية، حيث نص على انسحاب القوات السورية من لبنان وحل الميليشيات قاصداً سلاح المقاومة، دون تقديم أدوات تستطيع تنفيذ هذه الأهداف الضخمة، لكن سرعان ما جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليظهر أنه الآلة التنفيذية للقرار فتسبب بسحب القوات السورية، وفتح الطريق لمحكمة دولية انتهت باتهام حزب الله بالاغتيال، ولا يجب أن يستهين أحد لخطة ترامب الافتراضية، لأن الآليات التنفيذية قد تكون في فتن يجري تصميمها وتُحدث زلازل غير متوقعة.

– كما تمثل خطة ترامب تحدياً نوعياً للمنطقة برمّتها، فهي تمثل فرصة كبرى أيضاً، لأن الدول العربية والإسلامية التي كانت تراهن على فتح طريق تعاون عربي أميركي تحت عنوان الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع، تقف اليوم أمام مشروع إسرائيل الكبرى والعظمى على حساب أي مكانة إقليمية أو دور قيادي في قضايا المنطقة، والسلطة الفلسطينية التي ارتضت دور شرطي الحماية للاحتلال ينتظرها قرار الحل والإلغاء، ويملك الجميع فرصة المبادرة إلى احتضان غزة وبدء الإعمار فيها عبر حكومة توافق فلسطينية نص عليها اتفاق بكين قبل شهور بين فتح وحماس وسائر الفصائل، وفتح معبر رفح وإعلان إنهاء الحصار البري والبحري والجوي دون انتظار الموافقة الإسرائيلية بدعم عربي إسلامي، وتأمين التمويل اللازم عربياً وإسلامياً لمصر والأردن لتجاوز القلق من التلويح الأميركي بوقف المساعدات، الوحدة الوطنية الفلسطينية تصير أقرب ومثلها التعاون العربي الإسلامي لترجمة قيام دولة فلسطينية انطلاقاً من غزة، والحصول على أوسع اعتراف عالمي بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى