الميثاقية في الثقة يا دولة الرئيس
![](https://www.al-binaa.com/wp-content/uploads/2024/08/ناصر-قنديل-نيو.jpg)
ناصر قنديل
لا ينقص الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة نواف سلام إدراك القواعد التي يرتكز عليها نظام الطائف، وجوهرها السلم الأهلي الذي يصونه ميثاق العيش المشترك، كما ورد في نص الاتفاق، كما لا ينقصه إدراك أن الميثاقية التي يريد تحصين حكومته بوجه تحويلها سلاحاً لإسقاط حكومته إذا تمثلت طائفة رئيسية بلون سياسي واحد، ميدانها مجلس النواب وليس الحكومة، ويعرف الرئيس المكلف أن الوزير المستقيل يمكن استبداله، وأن وزراء طائفة كاملة يمكن استبدالهم، لكن بشرط ضمان ميثاقية نيل الثقة في مجلس النواب، أي أن لا يحجب كل النواب الذين يمثلون أي طائفة وخصوصاً من الطوائف الكبرى ثقتهم عن الحكومة، ولو كانت تضمّ وزراء ينتسبون لكل الطوائف، ولذلك فمشكلة تمثيل ثنائي حركة أمل وحزب الله في الحكومة تبدأ وتنتهي عند حقيقة أن كل نواب الطائفة الشيعية ينتمون إلى الثنائي وأن عدم رضا الثنائي عن التشكيلة الحكومية سوف يُحرم الحكومة من ثقة كل نواب الطائفة، ما يفقدها الميثاقية ويؤدي إلى إسقاطها حكماً.
يتمثل رئيس الحكومة بثلث معطل في الحكومة لا يحتاجه لأن الحكومة تستقيل حكماً باستقالة رئيسها، لكنه يتحدث عن حرص على هندسة الحكومة لمنع تشكل ثلث معطل افتراضيّ كسبب لتصغير حجم تمثيل الآخرين، فهل يمكن لفريق رئيس الحكومة الذي لا يملك أكثر من عدد محدود من الأصوات أن يتمثل بعدد من المقاعد الوزارية دون أن يكون قادراً على تقديم أي رصيد فعلي في تأمين الثقة النيابية بالحكومة، مقابل استبعاد تكتلات مثل تكتل الاعتدال وتكتل لبنان القويّ، لأسباب جوهرها تغوّل فريق رئيس الحكومة، سواء أصدقاؤه أو حزب كلنا إرادة الذي يتصرّف كحزب حاكم، يتمثل بحزبين ويحرم سواه من أن يمثلوا بصفتهم الحزبية، فقط لأن حزب كلنا إرادة من مجموعة دولية تحظى برعاية السفارات الغربية، ومع كل الاحترام للجامعة الأميركية في بيروت ومتخرّجيها، لا يعقل أن نحتاج للتفتيش عن متخرج من الجامعة اللبنانية بين الوزراء.
تجربة الحزب الحاكم التي تطلّ برأسها مع محاولة حزب كلنا إرادة التصرّف كحزب حاكم، تستعيد بمناسبة ذكرى انتفاضة 6 شباط التي أطاحت حكم الحزب الواحد الوحيدة في تاريخ لبنان، لأن تجربة حكم الحزب الواحد التي أسقطت كل الأنظمة التي قامت عليها، هي تجربة غير قابلة للحياة، لأن ادعاء نظرية الحزب القائد التي خبرتها المنطقة وجرّبتها في حالات ملكت الكثير من أسباب النجاح، لم تنجح، فكيف بحزب لا يملك لا التمثيل الشعبي ولا التمثيل النيابي ويستغل فرصة وصول صديق إلى رئاسة الحكومة كي يعربش على أكتافه ويزعم أنه حزب حاكم، يخرج نائبه الوحيد على التلفزيون ليقول إن رئيس الحكومة يتصل به ويستشيره، في تعبير استعراضيّ يُسيء للرئيس المكلف وللحكومة ويقدّم نموذجاً هابطاً عن العمل الحزبيّ.
هل يستطيع الرئيس المكلف أن ينفي أنه اعتمد تفسيراً انتقائياً للاتفاق بينه وبين الثنائي، على إيقاع أصوات خارجيّة يتقدّمها الصوت الأميركي الذي يردّد أنه يريد صورة حكوميّة تؤكد هزيمة حزب الله، وأنه كان قادراً أن يستنير بتجربة الرئيس رفيق الحريري الذي كان يتمسك بالمقاومة وبيده جواب جاهز للغرب، ما دامت “إسرائيل” والغرب غير قادرين على نزع سلاح حزب الله لماذا يحيلون المهمة على اللبنانيّين ويطلبون منهم المخاطرة بالدخول بحرب أهليّة، والبقاء في حال عدم الاستقرار، بينما الحكمة تقتضي أن تبنى سياسات الداخل على حاصل ما كرّسته الحروب من موازين، والحرب التي عصفت بلبنان انتهت إلى شيء مهم وهو عجز “إسرائيل” عن إسقاط السلاح وقبولها بسقف القرار 1701 من جهة، وقبول حزب الله بالسير بتطبيق كامل للقرار، خصوصاً بإقامة منطقة سيطرة أحادية للجيش اللبناني جنوب الليطاني من جهة مقابلة، فهل تراجع الرئيس المكلف عن قناعته باعتبار الحوار لوضع استراتيجية دفاعية تجيب عن مسألة سلاح المقاومة، مهمة أولى لأي حكومة؟
انطلاقة قويّة لعهد رئيس الجمهورية الذي حاز خطابه على إجماع لبناني، يفترض أنها مهمة الحكومة في هذا العهد، فهل طريقة أداء الرئيس المكلف الذي يريد الجميع له النجاح، طريقة تخدم هذا الهدف؟ وما الحكمة من أن يبعثر الرئيس المكلف هذا الرصيد لصالح ترجيح الكفة لمن لا يملكون سبباً لتشاركه الناس في ترجيح كفتهم، فتقدم للبنانيين حكومة ثلثها يملك صوتاً واحداً داخل البرلمان، بينما يتم إحراج وإخراج كتل تمثل عشرات النواب، فتدخل الحكومة الأسبوع الرابع من عمر تشكيلها دون أن تكون في الأفق فرصة لولادتها، بصيغة تضمن لها الثقة النيابية.