أولى

فليقف العالم في وجه القرصان الهائج…

 

 د. عدنان منصور*

 

لم يسبق لدول العالم أن شهدت هجمة شرسة، وقرارات وإجراءات مستفزة، أحّادية الجانب قام بها رئيس دولة تجاه بلدان صديقة وحليفة لبلاده، وتجاه منظمات وهيئات دولية، وفرض عقوبات ظالمة على دول من هنا، وابتزاز ونهب دول من هناك، كالتي يقوم بها رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب.
رئيس متهوّر هائج يتحدّى العالم بأسره، مصمّم على فرض القوة العسكرية والمالية والاقتصادية لبلده، وهيمنته على العالم كله، والتحكّم بمصيره.
انبرى زعماء دول ليعبّروا عن كرامة شعوبهم، ومصالح بلدانهم، ويتصدّوا لـ «الحليف والصديق» الداشر الذي يضرب يمنة ويسرى، ظناً منه أنه يستطيع ترويضهم وإخضاعهم لمشيئته وفرض قراراته، أسوة بما فعله مع دول عربية وغير عربية، حيث يضغط عليها ويبتزّها من حين الى آخر، وهي راضية بما هي عليه، بعد أن تعوّدت على الطاعة والأوامر دون أيّ اعتراض.
هيجان قرصان العالم لم بكن طليقاً على الساحة الدوليّة ليفعل ما يشاء. إذ هناك دول حاضرة للتصدّي، لا ترضخ، ولا تقبل بالابتزاز، ولا تذعن للضغوط، والأوامر، ولا تستسلم لحرب ترامب الاقتصادية والجمركية عليها، والمسّ بسيادتها، وحريتها، واستقلالها.
يوم 2 شباط/ فبراير الحالي جدّد ترامب دعوته بكلّ وقاحة وعنجهيّة، لجعل كندا الولاية الحادية والخمسين من الولايات المتحدة، متذرّعاً بأنّ بلاده تنفق مئات المليارات من الدولارات عليها لمواجهة العجز في ميزانها التجاري، موجهاً لها إهانة غليظة قائلاً إنه «لولا الدعم الأميركيّ لما كانت كندا موجودة كدولة قابلة للحياة»!
في الأول من هذا الشهر فرض ترامب رسوماً جمركيّة كبيرة على كندا والمكسيك والصين تؤسّس لحرب تجارية، ما دفع بالمكسيك وكندا على الفور إلى فرض رسوم جمركية مضادة.
كان ردّ رئيسة المكسيك كلوديا شاينبوم Claudia Sheinbaum على قرار ترامب قويّاً، حازماً ولاذعاً، معلنة رفضها القاطع لأيّ تدخل أميركي في الشؤون الداخليّة للمكسيك. اتصال شاينبوم بالرئيس ترامب يوم الاثنين الماضي، دفع به إلى تجميد مؤقت للرسوم الجمركيّة لمدة شهر.
أما الصين فقد استعدّت لاتخاذ تدابير جمركيّة مماثلة، والطعن بالقرار الأميركيّ أمام منظمة التجارة العالمية. في كندا، فرض رئيس وزرائها جاستن ترودو رسوماً جمركيّة مماثلة على سلع أميركية بقيمة 106 مليارات دولار أميركي، مع العلم أنّ رفع الرسوم الجمركية المتبادلة بين كندا والولايات المتحدة ستنعكس سلباً على معيشة الناس بشكل كبير، لأنها ستؤدّي الى ارتفاع أسعار السلع، وإلى التضخم الاقتصادي.
رغم ذلك هدّد ترامب برفع الرسوم مجدّداً إذا ردت الدول على تعريفاته، وهذا ما سيؤثر سلباً على النمو الاقتصادي للدول المعنية، ويزيد من تضخم اقتصاداتها، حيث حذر اقتصاديون أميركيون من أنّ الرسوم الجمركية الأميركية، ستؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمقدار 1.5% عام 2025 و2.1 % عام 2026 بسبب التباطؤ المتوقع للاستثمار والاستهلاك، والإجراءات المضادّة من الدول المعنية.
الاتحاد الأوروبي الحليف الأول لواشنطن، لم ينجُ بدوره من زيادة الرسوم على سلعه المصدّرة لأميركا، لأنّ الاتحاد الأوروبي على حدّ زعم ترامب «عاملنا بشكل سيّئ للغاية».
ترامب رأى في تطبيق الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والصين، ضرورة بسبب تخلي الدول الثلاث عن وعودها في وقف تدفق المخدرات السامة إلى بلاده، وأيضاً فشل كندا والمكسيك في السيطرة على الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة.
رئيس كولومبيا غوستافو بيترو، شبّه سياسات ترامب حيال المهاجرين بـ «الممارسات الفاشية» التي سادت عام 1933 في أوروبا.
قرارات ترامب ستترك تداعياتها السلبية على الولايات المتحدة كما على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي. إذ إنّ واردات الدول الثلاث تشكل أكثر من 40 % من مجمل واردات الولايات المتحدة.
إجراءات ترامب قال عنها رئيس حكومة كيبيك فرانسوا لوغو «للأسف دخلنا في حرب لم نكن نتمناها، لكن يا ترامب نحن سنواجه!».
الرئيس الفرنسي ماكرون في اجتماع غير رسميّ لقادة ورؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي في بروكسل قال: «إذا تعرّضنا لهجوم حول المسائل التجارية، فسيكون على أوروبا كقوة ثابتة على موقفها أن تفرض احترامها وبالتالي أن ترد.»
هل كان ترامب يتوقع الرفض الحاسم من الدول المعنيّة على إجراءاته في رفع الرسوم على سلعها، وعلى ما أعلنه حول ضمّ غرينلاند، والسيطرة على قناة بنما؟! هل كان قرار ترامب في تجميد الرسوم ليتخذ لولا ردّ الزعماء السريع على إجراءاته؟! هذا في أوروبا، وكندا، والمكسيك، وبنما، والدنمارك، والصين، وكولومبيا. فماذا عن دول عالمنا العربي وقضاياه، وقادته، وحكامه، وزعمائه، ومسؤوليه، ومواقفهم الحازمة من سياسات القرصان الأميركيّ وعنجهيّته، وضغوطه، وإملاءاته، وأوامره، وابتزازه، وتهديده، وحَلْب خزائنهم؟
أين هم مما يخطّطه ويرسمه القرصان في واشنطن، ومجرم الحرب في تل أبيب للمرحلة المقبلة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتصفية قضيّتهم، ومحو فلسطين من على الخريطة، وطرد شعبها، وبسط الدولة اليهوديّة على كامل التراب الفلسطينيّ؟! أين هم مما يحضّره معاً القرصان والقاتل من مشاريع تزلزل المنطقة وتقوّض أركانها، وتقضي على سيادة دولهم وأمنها، ووحدة أراضيها، ومستقبل شعوبها؟!
يا قادة العالم العربي! الأرض تهتزّ تحت أقدامكم، فمن يجرؤ منكم على التصدّي لجنون القرصان وقراراته الكارثيّة المدمّرة لدول المنطقة وشعوبها والتي تعبث بالمعاهدات، والاتفاقيات، والقوانين الدولية، والإنسانية، وبمصير الشعوب؟!
هل ينقصُ عالمنا العربيّ مقوّمات القوة، والإمكانات الماليّة والاقتصاديّة الهائلة، ما يمنع قادته كي يقولوا لترامب وغيره: لا لتهديدك ووعيدك، وابتزازك. لا لسياسات النهب المنظّم لدولنا التي أصبحت عندك قانوناً وعرفاً وسلوكاً! لا لسياسات الأمر الواقع، ومشاريعك المدمّرة لنسيج شعوبنا وسيادة دولنا! متى سيقول زعماء وقادة العرب للذئب الأميركي، لسنا بحاجة إليك لحمايتنا والدفاع عنا، بعد أن ذاقت منك شعوبنا الأمرّين من وهم وعودك، وشعاراتك المزيّفة التي تثير الغثيان فينا، كلما تحدثت عن الديمقراطية والسلام والحرية والعدالة وحقوق الشعوب! متى سيتخذ قادة العرب موقفاً مشرفاً، يليق بهم وبكرامة أمتهم، أسوة بمواقف العديد من زعماء العالم، الذين يتصدّون بحزم لكل مَن يسيء إلى دولهم، وسيادتها، ومصالحها، واستقلاليّة قراراتها؟! متى سيردع قادة العرب الكاوبوي الأميركي الهائج عندما يتنمّر، ولا يركعون أمامه، ويطلبون دعمه ورضاه، ولا يتوسّلون منه الحماية والرعاية، ولا يطأطئون رؤوسهم لهذا المستكبر المستبدّ الذي يطلب، يملي، يأمر، يبتز، وينهب متى شاء؟!
يا قادة العرب! ما يحضره كلّ من القرصان ومجرم الحرب بحق دولكم دون استثناء أصبح جاهزاً، فيما أنتم تتابعون ما يجري بردّ خجول هزيل، وبصمت عجيب، والعالم من صمتكم مذهول.
متى ستتحرّرون من ابتزاز الكاوبوي الأميركي، ومن الرضوخ، والطاعة، والخضوع لسياساته، وأوامره،
وسيطرته؟
الأمة كلّها أمام كارثة نكبة كبرى ستغيّر وجه المنطقة وتاريخها وجغرافيّتهاعلى يد القرصان الداشر والمجرم القاتل.
نكبة لن يفلت منها دولة أو زعيم أو حاكم، لذا نقول بصوت عالٍ: يا قادة العرب اتحدوا قبل فوات الأوان!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى