أخيرة

المبارحة أو النزوح

 

إنها المبارحة للمكان أو النزوح، The Exodus، وهو ليس كنزوح «بني إسرائيل» هروباً من ديارهم إلى غير رجعة، إنه نزوح إيجابي من غزة إلى غزة، ومن لبنان إلى جنوبه، لمزيد من التشبّث بالأرض التي بعثت بنا نحو الحياة، هم بارحوا مصر إلى أرض التيه العظيم، ثم بارحهم موسى وأبقى خليفته هارون معهم ليتعلّم درساً من الخضر بالغ الأهمية وفائق الحكمة،
إذا رأيت نيوب الليث بارزةً
فلا تظنّن أنّ الليث يبتسم
وليس كلّ ما يلمع ذهباً، ولا يغرنّك من الأمور ظاهرها، ولا يغرّنّكم الآن ما تظنّونه هزيمةً أو تراجع أو انتكاسة لمحور المقاومة، فستبدي لكم الأيام ما كان خافيا، وستكتشفون متأخّرين بأنّ المقاومة آخذة بالتعافي والتمدّد والاتساع، وأنّ الشعوب الحاضنة للمقاومة قد قرّرت أن تكون رأس الحربة لهذه المقاومة، وليس فقط سنداً لها…
نحن ليس معنا موسى ولا عصاه في هذه المبارحة العظيمة، ولكننا شعوب قانعة قالت لنبيّها، اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، وليس كما قال «بنو إسرائيل» لنبيّهم، «إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون»…
لقد طفق «بنو إسرائيل» يطلبون من نبيّهم من الطعام الذي هو أدنى، وليس الذي هو خير، فومها وقثاؤها وبصلها وعدسها، وهو الأقرب ميكانيكياً إلى مركز الأرض، نقيض طعام الجنة، من فاكهة ولحم طير، وهو ميكانيكياً أبعد إلى مركز الأرض، وهو الذي فيه الخير، وهذا هو حالنا مع «بني إسرائيل»، وهذا هو ما قيّض لنا ان نعانيه نتيجة لاستمرائهم المتواصل على الحق والحقيقة، ولعلني أذهب بعيداً، في بعض الأحيان، في استقراء هذه الماهية، ماهية «بني إسرائيل»، وخروجهم الأزلي على الله ونواهيه، ففيما يبدو لي أنّ المعصية والخطيئة، وليس الانصياع والطاعة، هي المظهّرة والمبيّنة لصواب الأمر الربّاني، فأنت حينما تمتثل للأمر أو الزجر الرباني في عدم ولوج طريق ما، لن تستبين يقيناً بصواب ذلك الأمر، بعدم حدوث الضرر بالامتناع والامتثال، ولكنك سوف تستبين اليقين المطلق فقط حينما ترتكب المعصية، وتعصي أمر الله، فيصيبك الضرر نتيجة لذلك العصيان، «بنو إسرائيل» هم العصاة الذين يثبتون للبشرية خواتيم العصيان بعصيانهم المتواصل.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى