أخيرة

الأيام السبعة وشتلة التبغ وخليل حاوي*

 

عندما أطلق خليل حاوي على نفسه الرصاص عام 1982، وهو يرى الجنود الإسرائيليين يعربدون في شوارع بيروت، إنما كان يطلق رصاصة الشرف اليتيمة في خزانة المثقفين…
يومها انعقدت الخناصر،
وارتفعت المناديل،
وزغردت النساء،
وتهيّب الرجال…
يومها وُلدت المقاومة.
*****
رصاصة خليل حاوي هي نقطة العبور
بين مشاتل التبغ في الجنوب،
وبساتين الليمون في طرابلس،
وكروم الزيتون في الكورة،
وسهول عكّار.
إنها دهشة الغضب، ودهشة الرفض، في لحظة من لحظات البطولة…
إنها الجسر الذي عبر عليه، في ما بعد، خالد ووجدي وسناء وبلال وعلي ولولا، وكلّ الذين دفنتهم «إسرائيل» بين أنقاض بيوتهم.
*****
في سبعة أيام قصفت «إسرائيلُ» لبنانَ، وقتلت، وشرّدت.
ولكنها، أيضاً، في سبعة أيام، فضّت بكارة العالم العربي، تماماً كما فعلت في الخامس من حزيران عام 1967.
وغداً سترفع السواعد أنقاض ما تهدّم، وسيبني اللبنانيون مكان البيت بيتين، ويزرعون حقولهم بمشاتل التبغ، ورائحة الياسَمين، وأصوات العصافير.
لكنّ عذرية العالم العربي ستبقى وشم عار، ولن يرحم التاريخ، مهما زُوّر، جريمة الشرف التي سكت عليها أمراء البداوة، وشيوخ الجاهلية.
*****
تُرى هل تستطيع الأيام السبعة أن تعيد «خربطة» الأشياء من جديد ؟ فتولدَ سناءُ أخرى، وخليلٌ آخرُ، وتزدحم معابر الجنوب بأبطال يأتون من كلّ مكان؟
أم أنّ الأيام السبعة ستكون بنداً على طاولة المفاوضات، تلعبه إسرائيل بساديّة «يهوه»، ويقبله العرب كأمر واقع؟
*****
مهما كان النفق طويلاً، ومظلماً، فثمّة ضوء في نهايته. وأيام الفرح ووقفات العزّ قد تكبو، لكنها دائماً تعود إلى التألق، ودائماً نرى، في مجاهل الجاهلية، من تمتدّ قامته، ويزرع جبينه في الشمس، ويؤمن بأرضه وتراثه وحضارة فكره.
هذا الـ»من» قد يأتي كما «غودو» ليردَّ إلى العالم العربي عذريته المفضوضة.
ومعه تعود مواسم الشهادة؛
ونحن بانتظار «غودو».
14/8/1993

*من كتاب «وطن للبيع … فمن يشتري» الذي صدر عام 1995.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى