قمة عربية طارئة للردّ المدوي على ترامب!

د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن أزمة المفاهيم والمصطلحات التي نستخدمها في خطاب الحياة اليومية، لذلك كنا نؤكد دائماً أن أزمة الثقافة العربية هي أزمة مفاهيم بالأساس، والأزمة لا تتعلق بالمفاهيم والمصطلحات الإشكالية التي تتطلب تحديداً دقيقاً لدلالاتها ومعناها والتي قد يتمّ تعريفها وتأويلها حسب التوجهات الفكرية المختلفة للمتلقي وينتج عنها تعدد الدلالة والمعنى، بل الأزمة هنا هي الاختلاف حول المفاهيم والمصطلحات الواضحة الدلالة والمعنى والتي لا تتطلب جهداً يذكر في فهمها لدى العقل الجمعي العربي. ومن بين هذه المفاهيم والمصطلحات الواضحة والتي تبدو بديهية لدى عموم المتحدثين بلغة الضاد هو مفهوم ومصطلح طارئة، حيث يؤكد علماء اللغة «أن كلمة طارئة مشتقة من الفعل طرأ، وهي بصيغة التأنيث، ومذكرها طارئ، بمعنى الشيء الذي يحدث فجأة وتعني أيضاً عاجلة، وتعني كذلك غريب أي شخص طارئ لا يعرفه سكان الحي، وطارئ هي مفرد وجمعها طوارئ لغير العاقل وتعني حادثاً غير متوقع، ما يحدث فجأة، حلت عليه ظروف طارئة أي صادفه حادث طارئ في الطريق أو غدر طارئ».
لذلك حين داهمتنا تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تهجير الشعب الفلسطيني الموجود بقطاع غزة والضفة الغربية والدعوة لتوطينهم أولاً في مصر والأردن ثم ثانياً منحهم قطعة من أرض المملكة العربية السعودية الشاسعة لإقامة وطنهم البديل، وكان ردّ الفعل المصري هو الدعوة لقمة عربية طارئة وهو ما ينطبق فعلياً على تصريحات ترامب فهي غير متوقعة وحدثت فجأة، لذلك تطلبت قمة طارئة، وبالطبع كان من المنتظر أن تكون كلمة طارئة مرتبطة ومرادفة كما يؤكد علماء اللغة بكلمة عاجلة، وذلك لخطورة الموقف، لكن دائماً ما يصدم الحكام العرب العقل الجمعي العربي باستخدامهم المفاهيم بدلالات ومعانٍ غير ما هو مستقر في عقولهم، ففي الوقت الذي يقف فيه الشعب العربي على أصابع أقدامه منتظراً الردّ المدوي على وقاحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نجدهم يحددون موعد القمة العربية في يوم 27 فبراير، أيّ بعد ثلاثة أسابيع من تصريحات المدعو ترامب، وهنا تثار العديد من التساؤلات أهمّها إذا كان الأمر طارئاً وعاجلاً فهل الثلاثة أسابيع تدخل في نطاق الطارئ والعاجل؟! ما يمكن فهمه في إطار الطارئ والعاجل هو عقد القمة في غضون ساعات أو يوم أو يومين على الأكثر، لكن الانتظار ثلاثة أسابيع يفقد مفهوم الطارئ والعاجل دلالته ومعناه كما يفهمه العقل الجمعي العربي.
وبالطبع سوف يظلّ الشعب العربي بأكمله من المحيط إلى الخليج في حالة توتر وعدم استقرار، في انتظار الردّ المدوي الذي سوف يصدر عن مخرجات القمة العربية الطارئة، لذلك علينا أن نذكر الحكام العرب الذين سيجتمعون بشكل طارئ وعاجل بالقاهرة يوم 27 فبراير المقبل بأنّ ما سوف يجتمعون من أجله باعتباره تطوراً خطيراً في موقف العدو الأميركي وحليفه الصهيوني والذي عبر عنه بوقاحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن التهجير والتوطين القسري لسكان غزة والضفة الغربية هو أمر ليس بجديد، لكننا نحن من يضع رأسه في الرمال لكي لا نرى أو نسمع، فكلّ مواطن عربي يمتلك قدراً ولو ضئيلاً من الوعي يمكنه الآن قراءة المشهد بسهولة ويسر. فالمشاريع الأميركية والصهيونية التي تستهدف منطقتنا وأمتنا العربية والتي كانت في الماضي سرية ويتمّ تنفيذها من تحت الطاولة، أصبحت اليوم علانيّة، ويتمّ التصريح بها وبكلّ وقاحة على لسان رئيس أكبر دولة في العالم.
وهنا لا بدّ من التذكير فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين. فالعدو الأميركي لديه مشروع يُعرف بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهو مشروع يستهدف إعادة تقسيم وتفتيت منطقتنا العربية. وقد وضع هذا المخطط مستشار الأمن القومي الأميركي في حكومة الرئيس جمي كارتر، المفكر الاستراتيجي بريجينسكي في الفترة من 1977 حتى 1981، والذي استعان بالمفكر الصهيوني برنارد لويس ليرسم له خرائط تقسيم المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وتم اعتماد المشروع وتحديد ميزانيته في جلسة سرية بالكونغرس الأميركي في عام 1983. وهذا المشروع الاستراتيجي للعدو الأميركي تم تنفيذ بعض أجزائه في العراق والسودان وليبيا واليمن وسورية، ولا يزال يواصل تنفيذه ولا يمكن أن يتراجع عنه أبداً، وإلى جانب المشروع الأميركي هناك مشروع صهيوني يُعرف بمشروع «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات وهذا المشروع بدأ بالاستيلاء على قطعة صغيرة من أرض فلسطين وباعتراف دولي عام 1947 وعلى أثره تم إعلان قيام دولتهم المزعومة في عام 1948، ومنذ ذلك التاريخ والمشروع يعمل على قدم وساق وقد تم تنفيذ جزء كبير منه على الأرض العربية في فلسطين ولبنان وسورية. وما يقوم به العدو الصهيوني الآن من حرب إبادة لشعبنا العربي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية واحتلاله للجنوب السوري وتدمير مقدرات الجيش العربي السوري يؤكد ويدعم أنه لن يتراجع عن مشروعه أبداً.
هذه التذكرة للحكام العرب الذين سيجتمعون بشكل طارئ وعاجل في 27 فبراير للرد المدوّي على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي هي جزء من مشروع مخطط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وجزء أيضاً من مشروع «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، نتمنى أن يكون الردّ عملياً وليس كلامياً، فيجب أن تكون هناك مخططات عربية بديلة لمواجهة المخططات الأميركية والصهيونية، ويجب أن نتوحّد لمواجهة ما هو قادم، والذي لن ينجو منه أحد، فالمخططات العدوانية تستهدف الجميع، وعلى الحكام العرب أن يقفوا طويلاً أمام تصريحات المدعو نتنياهو يوم الأحد الماضي حين قال: «إن تل أبيب أمام فرصة لتغيير تاريخيّ يضمن مستقبلها»، وهو هنا يشير إلى خطة ترامب بشأن غزة، فهل ننتظر كما انتظرنا وشاهدنا بأعيننا سقوط بغداد وطرابلس والخرطوم ودمشق؟! أم نتحرّك بشكل طارئ وعاجل فعلياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اللهم بلغت اللهم فاشهد.