توثيق المشهد من الجنوب الى الضاحية قبيل يوم التشييع الكبير / جولة للإعلاميين في القرى الأمامية وموقعي استشهاد السيدين نصرالله وصفي الدين


عبير حمدان
يقترب موعد اللقاء وفي كل يوم نتمسك بوهم أنه لم يفارق وجودنا، تتكثف التقارير الاعلامية في ظل حضور غير مسبوق لأكثر من 400 وسيلة إعلامية محلية وأجنبية وعربية. في وجوه المراسلين والمؤثرين الذين حضروا كي يوكبوا حدثاً جللاً بحجم أمة نلمح شيئاً من الدهشة لعله عائد إلى مقدرتنا نحن أهل العزاء على التماسك، ونلمح أيضاً الكثير من الاحترام والتقدير للقيمة الإنسانية والاجتماعية للقادة الشهداء والتي لا تنفصل عن قيمتهم السياسية.
المشهد المنتظر يوم غدٍ الأحد يتفوّق على اي نص قد نكتبه، وقد يخوننا الحبر أمام هيبة اللحظة، وقد لا نجد تعابير كافية لتوصيف الحدث وربما يتملكنا خوف من تقصير بحق من كان أميناً على الدماء وصفيه الهاشمي ونحن لا نملك إلا اللغة والقلم والكثير من الحب والوفاء والارتباط الوثيق بالكلمة الفصل والفعل المقاوم.
نحتاج عمراً مضافاً نحن الجيل الذي عاش في زمن السيد كي نستوعب فكرة الوداع الأخير، ونحتاج أبعد من الصبر كي نكمل ما تبقى لنا على درب الصمود، وندرك أن مسؤوليتنا تحتم علينا مواصلة الصراع من موقعنا وضمن امكانياتنا ففي ذلك حياة على إيقاع الكرامة وثبات على نهج الاحرار.
دير قانون
نظمت اللجنة الإعلامية لمراسم تشييع الأمينين العامين لحزب الله الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، جولة للإعلاميين العرب والأجانب والمحليين إلى الجنوب، تضمّنت محطات عدة.
استهلت الجولة بزيارة مرقد السيد الهاشمي في بلدة دير قانون النهر الجنوبية حيث كانت الزيارة لمكان الضريح المعدّ للسيد هاشم صفي الدين والتحضيرات المستمرة ليوم الدفن الإثنين المقبل. وتحدث عنها المسؤول الإعلامي في منطقة جبل عامل الأولى سلمان حرب الذي قال: ّ»نحن في المكان الذي سيكون مزاراً لكل الناس، وفي يوم التشييع ستتصل الأرض بالأرض من البقاع الى الجنوب وستنطلق المسيرة من حسينية البلدة الى المزار وسط الحشود، وسيكون هناك تشييع علمائي للسيد الهاشمي وبعدها سيتمّ عرض فيلم وثائقي يتناول سيرة ومسيرة السيد هاشم».
وكانت كلمة للنائب حسن عز الدين، رحب فيها بالإعلاميين وتحدث عن تاريخ البلدة الجهادي والعلمائي، مشيراً إلى الاستشهادي أحمد قصير.
وقال عز الدين: «أنتم اتيتم لتشهدوا يوم تجتمع الأمة حول قائدها لتلقي نظرة الوداع، هذا القائد الذي أحبّته الناس من المحيط الى الخليج، هذا الإنسان الأممي الذي تجاوز الجغرافيا ليكون المثال للإنسانية والنموذج الذي يُحتذى به لمواجهة الظلم».
وأشار عز الدين إلى أنّ الجنوب واهله هم المجتمع المقاوم الذي واجه الآليات العسكرية ودخل الى قراه، داعياً الى اهتمام حكومي فعلي بأهل الجنوب.
اليمن وحتمية استمرار الصراع
يؤكد الكاتب السياسي اليمني علي المحطوري أنّ المقاومة مستمرة حتى النصر وهو الذي حضر للمشاركة في يوم التشييع الكبير، وعلى أرض الجنوب قال: «من هنا حيث نشهد إجرام العدو نؤكد أنّ المقاومة مستمرة وعليه نحن نعيد رصّ الصفوف لنكون على مستوى هذا الاستشهاد، العدو ظنّ أنه قادر على كسر إرادة المقاومين باستهدافه القائد السيد ولكن على العكس لأنّ السيد حسن رجل مواقف وأبناؤه سيكملون المسيرة وصولاً الى تحرير الأرض وإخراج العدو منها».
ولفت المحطوري إلى أنّ «الأمة خذلت السيد حسن في مكان ما، ولكن في المقابل إرثه باقٍ في نفوس الأحرار».
وختم:» الآن بعد غياب السيد جسداً سنعرف ما زرعه في نفوس المقاومين وكلنا ثقة أننا قطعاً منتصرون».
حولا
مشهد الدمار في بلدة حولا يفوق الوصف ولا يمكن اختصاره بكلمات، يكفي أن نحفظ في الذاكرة الطريق التي ركضت عليه الطفلة الشهيدة خديجة عطوي التي بقيت تنزف طوال الليل في العراء لتلتحق بوالدها قبل أن يتمكن الأهالي من سحب جثمانها بعد خروج العدو من وسط البلدة والتمركز في نقطة مشرفة عليها.
وقال الحاج علي ضاهر أحد فعاليات البلدة لـ «البناء»: حولا قصتها مع الاحتلال قديمة والنصب في وسطها يتحدث عن تاريخها النضالي في مواجهة المحتل، اليوم خرج العدو من معظم القرى التي حاول إعادة احتلالها إلا أنه لا يزال عند منطقة الدواوير في البلدة وهذا ما لا نقبل به وبالتأكيد سيكون هناك مقاومة شعبية له».
ولفت ضاهر الى أنّ إعادة الاعمار أولوية وضرورة مطالباً الدولة بأن تتحمّل مسؤولياتها تجاه شعبها الذي يريد البقاء في أرضه وهذا حق مشروع لهم.
من جهته أكد الأستاذ إبراهيم مصطفى، مدير مدارس المهدي في الجنوب، أنّ تاريخ حولا مع المحتلّ يشهد على ثبات أهلها، وقال: «نحن الآن نقف في النقطة التي شهدت مواجهات مباشرة بين العدو وشباب المقاومة، وصحيح أنّ حجم الدماء كبير لكننا سنعيد بناء ما تهدّم، هذا الجيل الذي لمس همجية العدو الصهيوني سيكون أشدّ بأساً من الجيل الذي سبقه».
وأردف: «الدبلوماسية لم تعط يوماً نتيجة حين يتصل الأمر بالتصدي للعدو، الأرض لا يسترجعها إلا أهلها وبالقوة، والدليل انّ الدبلوماسية لا تغني ولا تسمن مشهد الطفلة التي بقيت تنزف طوال الليل على الطريق المقابل لمكان وقوفنا الآن ولم يسمح المحتلّ لأيّ جهة مسعفة الدخول لسحبها وهذا يثبت ان القوة واحدها قادرة على حفظ الارواح والارض».
الكثيرون من المشاركين في الجولة أشاروا إلى أنّ مشاركتهم فيها وفي غيرها وفي التشييع التاريخي يوم الأحد هو عربون وفاء للمقاومة التي قدّمت التضحيات في سبيل كلّ الأمة.
حارة حريك بين الارتقاء والمنزل
بعد الجنوب كانت الجولة الثانية في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت والمحطة الأولى مكان ارتقاء سيد الشهداء، السيد حسن نصر الله حيث يخبرك الدمار الكثير وتسأل نفسك لماذا لمن يترك السيد الضاحية رغم حجم التهديد الكبير وحين تنظر إلى الصور المنتشرة في محيط المكان تشعر وكأنه يجيبك «أنا من الناس وبينهم ومتجذر في هذه الأرض حتى الشهادة».
هناك حيث نحاول حصر التاريخ ضمن إطار عدسة تجمعنا الجولة بالكثير من الوجوه ولكن أن نلتقي بمن كان يسكن في هذا المبنى الذي تحوّل الى ركام ليخبرك تفاصيل اللحظات الأولى فهذا يعيدك الى السابع والعشرين من أيلول، حيث يقول «معتز» وهو منتج أفلام وثائقية: «لم أكن في المنزل في ذلك اليوم وسمعت الدوي الهائل وكما الكثيرين لم أعرف موقع الاستهداف، كنت في طريق العودة الى المنزل وحين وصلت الى مدخل الشارع لم أستوعب الفكرة، حاول بعض الشبان منعي من الدخول ظناً منهم أني اسعى الى سبق صحافي كوني أضع اشارة «صحافة» على سيارتي، ولكني أكدت لهم أنّ بيتي هنا ولكن ما وجدته كان عبارة عن نيازك نارية متفجّرة مكان المبنى الذي كنت أسكنه».
وأشار معتز: «هناك شهداء أعرفهم ارتقوا في هذا المبنى وهناك ناجون ايضاً، وأؤكد لك أني لم أعرف أو أفكر يوماً أن السيد كان قريباً مني الى هذه الدرجة، لم أتخيّل يوماً أنه هنا».
وتحدث معتز أيضاً عن طفلين استشهدا وهما يحميان أخيهم الصغير الذي نجا هو ووالدته، ورداً على سؤالي حول إمكانية عودته للسكن في حال اعيد البناء هنا، اجاب معتز جازما «مستحيل لا أتخيّل نفسي مقيما حيث ارتقى السيد».
أما إيلينا القادمة من اسبانيا، لم ترغب أن نأخذ لها صورة، ولكنها قالت لنا: «ما قدّمه السيد حسن نصرالله شيء عظيم، وهو شخص عظيم وقائد استثنائي، لذلك نحن هنا للمشاركة وتغطية التشييع».
وأكدت إيلينا أنها لا تخاف من التهديدات والتهويل الذي سبق التشييع، وهي زارت الجنوب وستكون حاضرة يوم الأحد لمواكبة الحدث والمشاركة به.
المحطة الثانية كانت الى منزل السيد حسن نصرالله حيث أخبرنا أحد عناصر الأمن هناك «السيد كان يقيم هنا منذ العام 1992 على الطابق الخامس من هذا المبنى الذي ترون ركامه أمامكم، كأيّ مواطن عادي كونه من الناس ومثلهم، وإذا سألتم الناس هنا سيخبروكم أنهم لم يشعروا يوماً بالانزعاج أو الشكوى من أيّ تصرف أمني، فنحن من مواقعنا كنا نتقبّل أيّ ملاحظة منهم كما أنّ السيد كان حريصاً على الناس فكيف بجيرانه».
الزميل ماهر ميرزا «قناة الآفاق العراقية» قال: «إنها المرة الاولى التي أزور فيها لبنان وقد اخترت أن أكون هنا في وداع السيد لأني أرى فيه رمزاً وقائداً أممياً لا يتكرّر، لا أخفيك امراً انني لم أكن اعرفه جيداً ولكن لحظة الاستهداف وحين عرفت أنه استشهد دخلت غرفتي وبكيت كثيراً في الظلام، السيد حسن نصرالله قائد استثنائي ومقاوم وملهم استشهاده سيقوينا لنكمل المسيرة».
المريجة وروضة الشهداء
المحطة الثانية كانت في منطقة المريجة حيث تمّ استهداف السيد هاشم صفي الدين، الحياة بدأت تعود الى شيء من طبيعتها والعمل على تأهيل الطرقات قائم، والناس هناك تتحدث عن سيد كان بينهم وغاب جسداً لكنه بقي رمزاً.
وخُتِمت الجولة في روضة الشهداء، هناك يتوقف الكلام وتسيطر رائحة البخور والدمع والورود الموزعة بين الأضرحة، من الصعب أن نسأل الزائرين عن معنى الفقد يكفي أن ننظر الى عيونهم ونلتقط صوراً عامة لنحفظها في أرشيف يحتاجه الذين سيأتون بعدنا، أرشيف يحث العين أن تحفظ كما القلب والوجدان لتحفيز الارادة أنّ الدماء وحدها تصون الأرض وتحميها.
يُذكر أنه في روضة الشهداء وثق الإعلام العربي والاجنبي تشييع مباشر لشهداء على طريق القدس قبيل العودة إلى مركز رسالات حيث كانت نقطة الانطلاق في جولتنا.
يُذكر أنّ الجولات الإعلامية ستستكمل اليوم حيث تتضمّن المدينة الرياضية للاطلاع على آخر اللمسات قبل التشييع، والى مرقد السيد الشهيد حسن نصرالله.