أولى

صائد الفرص التركي والمأزق المزدوج

 

– في أكبر وأطول حربين شهدتهما أوروبا وآسيا، قبل حرب طوفان الأقصى، حرب سورية وحرب أوكرانيا، تصرّف الرئيس التركي رجب أردوغان كصائد فرص مستثمراً القرب الجغرافي، وحجم بلاده السكانيّ والاقتصاديّ والعسكريّ، وكلها عناصر الجغرافيا السياسيّة التي درسها على يد مستشاره السابق ونائبه اللاحق قبل أن ينشقّ عنه أحمد داوود أوغلو، صاحب نظريّة عداوات صفر لتركيا التي انتهت بصداقات صفر.
– في ضرباتها الأخيرة في سورية أحرقت تركيا سفن الصداقة والودّ مع إيران وروسيا، رغم الحرص التركي والروسي الإيراني المقابل على عدم الانتقال إلى الخصومة والعداوة، فخاضت تركيا مغامرة اصطياد فرصة انشغال صديقيها الروسي والايراني كل في حربه، روسيا في أوكرانيا وإيران في حرب الطوفان، ووضعت يدها على سورية المنهكة بالعقوبات الأميركية والضربات الإسرائيلية.
– قبل أن تنتهي مسيرة تركيز معادلات جديدة في سورية، كان الرئيس التركي يضرب ضربة ثانية باستقبال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي رداً على إشارات التفاهم الروسي الأميركي على إنهاء الحرب في أوكرانيا، بصورة تضعف مستقبل الحكم الأوكراني وربما تضعف أوكرانيا كدولة، إذا بقيت دولة، بعدما تنبأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن تكون لاحقاً جزءاً من روسيا، واستند أردوغان إلى موقف أوروبي غاضب من التفرّد الأميركي.
– تواجه الفرصة السوريّة في الخطة التركية تحدياً كبيراً مع الإعلان الإسرائيلي المدعوم أميركياً بالتمسك بالحصول على امتيازات أمنية في سورية تهدد وحدة الدولة والتراب، وتستبيح السيادة وتطلب ثمناً للتهدئة تنازلاً سورياً عن الجولان بدعم أميركي واضح، ربما يصبح لاحقاً شرطاً لرفع العقوبات الأميركية التي بدونها تفقد عملية رفع العقوبات الأوروبية فعاليتها، خصوصاً في الشق المصرفي، وتكتشف تركيا التي نجحت في التملّص من استحقاقات دعم غزة خلال حرب طوفان الأقصى والاكتفاء بمواقف كلاميّة، تحدياً جديداً وقد صارت دولة لها حدود عبر سورية مع فلسطين، فتصير مطالبة بما لا يطلب من إيران التي لم يُعد لديها أي حليف موجود على خط تماس مباشر مع الاحتلال، بما في ذلك حزب الله الذي التزم بتسليم الدولة اللبنانيّة مسؤوليّة إنهاء الاحتلال في جنوب لبنان وتسلُّم الأمن في جنوب نهر الليطاني، وإذا بالفرصة تتحوّل تحدّياً.
– في الفرصة الأوكرانية فوجئت تركيا بانعطافة أوروبية نحو التفاهم الروسي الأميركي دون الاهتمام بالجار التركي، ووجدت تركيا نفسها وحيدة، وبعد استثمار طويل في مسار الوساطة مرة وتسليح أوكرانيا بالطائرات المسيّرة مرّات، وهي “تخرج من المولد بلا حمص”، والفرصة تتحول أيضاً تحدياً جديداً.
– السؤال اليوم في تركيا هل سينجح أردوغان مجدّداً بإيجاد فرصة جديدة بعدما فقد ثقة الكثير من الذين استثمروا في تثبيت حكمه مراراً؟

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى