الوطن

رئيس كتلة الوفاء للمقاومة ‎النائب محمد رعد: عملية الإصلاح ملحة وواجبة وهي مع تنفيذ الدستور والقوانين أهمّ واجبات الحكومة لإعادة بناء الدولة

 

نص كلمة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة‎ ‎النائب محمد رعد في جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة نواف ‏سلام‎ ‎‏25/2/2025‏:
تمثل الحكومة أمام المجلس النيابي في أعقاب حرب عدوانيّة صهيونيّة متوحشة، ‏وتطوّرات متسارعة أسفرت عن نتائج وتداعيات تطال المنطقة برمّتها، وقد نال شعبنا الوفيّ ‏وقواه المُقاوِمَة وبلدنا العزيز لبنان نصيبهم منها.. الأمر الذي بات يتطلّب منّا جميعاً وقفةً ‏تقييميّةً دقيقة، تطالُ طبيعة التحوّلات ومنطلقاتها ومسارها وآفاقها وتشخيص الإيجابيّات فيها ‏كما التهديدات والمخاطر وكيفيّة مقاربتها صوناً للنهج والأصول والثوابت الرساليّة والأهداف ‏الاستراتيجيّة وتحصيناً للوحدة وللقرار الوطني من تباينات الداخل وتدخلات الخارج، وتربّص ‏الأعداء.‏
لقد بذل اللبنانيون على مدى أجيالهم الكثير من التضحيات ليأمنوا في بلدهم وليعيشوا ‏أسياداً وأحراراً ينعمون بحقوقهم ويؤدّون واجباتهم ذوداً عن وطنهم وحرصاً على استقراره ‏وتطلعاً حالماً لتحقيق التقدّم فيه وله، وإغناء المجتمع الدولي والإنساني من تجربتهم ونتاجهم ‏الحضاري والإبداعي في الثقافة والعلوم والصناعات والفنون والمهارات.‏

الكيان الصهيوني تهديد وجودي دائم للبنان والدول العربية

ومنذ النكبة التي حلّت بالمنطقة عام 1948، لم يكن يُخفى على أحدٍ من اللبنانيين ‏ومفكّريهم المسيحيين والمسلمين ما يشكّله الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين من مخاطر التهديد الوجودي الدائم للبنان ولأمنه واستقراره ولدوره الحضاري ‏والاقتصادي والمقوّض أيضاً لأمن واستقرار منطقتنا كلّها.. إذ هو الكيان المستفيد من الدعم ‏اللامحدود والاحتضان الكامل لمشروعه وأهدافه وسياساته من قوى دوليّة متسلِّطة تتوخى ‏توسيع هيمنتها وسيطرتها على إقليمنا، وتعتمد كيان الاحتلال كحارسٍ لمصالحها وثكنةٍ عسكرية ‏لها متقدّمةٍ في منطقتنا لابتزاز دولها وشعوبها وحراسة مشروع التجزئة والضعف والإخضاع ‏المرسوم من قِبَلِها.‏
ومن أسفٍ شديد، أنّه مع تضخّم القدرات التسليحيّة والإمكانات الهائلة وتنامي نزعة التسلّط ‏والاستعلاء لدى تلك القوى الدوليّة، يصيرُ عندها الضمير العالمي وحقوق الإنسان والمبادئ ‏والقيم والمعايير الإنسانيّة والأخلاقيّة، حبراً على ورق، لا بل عدَّةَ شُّغلٍ مُخادِعَة تستخدمها ‏لتضليل الرأي العام وإيهامه وصرف انتباهه عن مخاطر مشاريعها الاستعماريّة، المموّهة ‏بشعارات تعزيز الديمقراطيّة وحفظ الأمن والاستقرار وحماية حقوق الإنسان وغيرها.‏
إنّ تلك القوى الدوليّة لطالما اعتبرت أصحاب الحقوق ظالمين، والمدافعين عن أرضهم ‏وأوطانهم المحتلّة، معتدين وإرهابيين، ولطالما منحت المحتلين والعنصريين والاستيطانيين، ‏الشرعيّة وحق الدفاع عن النفس وارتكاب الجرائم ضد الإنسانيّة وتنفيذ الإبادة الجماعيّة، مع ‏توفير كامل الحماية لهم في مختلف الهيئات والمحافل العالميّة وصولاً إلى إدانة المحاكم ‏الدولية والسعي لإبطال قراراتها وإسقاط إجراءاتها إذا ما تجرّأت ونالت من بعض أولئك ‏المرتكبين الموصوفين، ولو بمجرّد إصدار اتهامٍ قضائي أو مذكّرة توقيفٍ بحقّهم.‏
إنّ حرب الإبادة المدعومة أميركيّاً بشكلٍ كلّي وشامل والتي شنّها الكيان الصهيوني ضدّ ‏غزّة وأهلها، هي حرب عدوانيّةٌ مدانة لأنها ظالمة ومجرمة ومتفلّتة من كل القيود والمعايير ‏القانونيّة والإنسانيّة. لا يُجيزها أي قانون ولا تبيحها أيّ شريعة ولا يُبرِّر توحّشها شيء على ‏الإطلاق،.. ولن تغفر البشريّة ولا تاريخُها لمرتكبي هذه الحرب وداعميها مهما تقادمت الأيام ‏والسنوات… فيما ستخلِّد الإنسانيّة مواقف الذين أدانوا تلك الحرب ونهضوا للدفاع عن ‏المظلومين المعتدى عليهم وبذلوا كل ما يُستطاع من أجل وقف إجرام الصهاينة المحتلّين.

الشهيد السيد حسن قائد رساليّ ‏

وإنّ الانتصار للحق وللعدالة هو فعلٌ أخلاقيّ وسياسيّ نبيل تدعو له كل الديانات ‏والنبوّات وتُقاس على أساسه قيمةُ التحوّلات عبر التاريخ.. وكلّما كان الانتصار للحق وللعدالة ‏مكلفاً كان أنبل وأشرف وأعمق أثراً في مستقبل الشعوب والمجتمعات، وهذا هو نهج السيّد ‏المسيح والنبي محمد وأئمّة الحقّ والهدى، وهذا هو نهج كل رواد ‏التغيير والنهوض والمقاومة والرفض للظلم والظالمين. ونحن نفخر أنّ شهيدنا الأسمى سماحة ‏السيّد حسن نصر الله هو قائدٌ فذٌّ قلَّ نظيره، وعَلَمٌ من أعلام الالتزام بهذا النهج ‏السديد في زمننا الحاضر.‏
والحقُّ يُقال:‏ إنّ القائد في هذا النهج يكتنز في شخصيّته مضموناً رساليّاً يعكس أصالة الإيمان وطهر وصلابة ‏وعمق الاعتقاد بالقيم من جهة وقوّة العلاقة مع الناس وجمهورهم الطيّب المؤمن والمتطلّع ‏نحو الأحسن من جهةٍ أخرى.. فيرى نفسه منجذباً نحوهم مدفوعاً بالحب وروح المسؤوليّة ليؤدّي ‏حقّهم من الحماية والرعاية والتوجيه والتسديد وحفظ الحقوق والمصالح والكرامات، وينجذبون ‏إليه بالمقابل ليُعربوا عن وفائهم والتزامهم ونصحهم ودعائهم وانتظامهم ضمن المسار الهادف ‏لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم..‏
وهذا الجمهور من الناس أيّها الأعزّاء ليس كومة أفراد ولا جاليةً وافدة ولا مجرّد رقمٍ أو ‏عدد، وإنّما هو منجم قِيَمٍ تنبتُ في أعماقهم، ويسقيها الإيمان بالله سبحانه وحبّ الوطن لتزهر ‏بساتين وردٍ وعطرٍ وجمال وانتماءٍ إنساني ووطني وحضاري..‏
هذا هو شعبنا المقاوم الذي بذل دموع عينيه وفلذات أكباده ودم عروقه من أجل أن ‏يأمن لبنان وأبناؤه، ومن أجل أن يدفع عنه وعنهم الأذى المنبعث من عدوٍّ عنصري مجرمٍ ‏وإرهابيّ..‏

وجوب ‏إلغاء قرار إيقاف الرحلات الجويّة للطائرات الإيرانيّة ومنع هبوطها

آلاف الشهداء بذلهم شعبنا وهو يدافع عن الوطن وسيادته ويستثمر علاقاته مع ‏الشخصيّات والجهات والدول الصديقة في العالم من أجل مصلحة لبنان وإسهاماً في تعزيز ‏قدراته ودوره ودعم مواقفه ومطالبه وقضاياه في المنتديات الإقليميّة والدوليّة. ولنا هنا أن ‏نتوجّه بالشكر إلى كل الجهات والدول والأطراف الصديقة التي دعمت وساعدت لبنان لا سيّما ‏الجمهوريّة العراقيّة بمرجعيّتها الدينيّة وحكومتها وشعبها، على مساعدتها المتكرّرة للبنان. كما ‏نتوجّه بالشكر إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة قائداً ودولةً وشعباً على ما قدّمته وما ‏ستواصل تقديمه للبنان ولشعبه ولدولته من مساعداتٍ ودعمٍ لقضاياه ومقاومته رغم كلّ ‏التحامل ضدّها واستمرار محاصرتها بالعقوبات الكيديّة، ونؤكّد هنا على الحكومة اللبنانيّة وجوب ‏إلغاء قرار إيقاف الرحلات الجويّة ومنع هبوط الطائرات الإيرانيّة وذلك تداركاً لخطأ الانصياع ‏الذي يتعارض مع السيادة الوطنيّة وتلافياً للضرر وللإساءة لمصلحة جمهورٍ كبيرٍ من اللبنانيين ‏ولعلاقة الصداقة اللبنانيّة القائمة مع إيران.
إنّ أداء المقاومة الإسلاميّة وتطوّره منذ العام 1982 وإلى يومنا هذا، وما حقّقه من ‏إنجازات وانتصارات متتالية ضدّ «إسرائيل» في الأعوام 1993 و1996 و2000 و2006.. أثبت جدوى ‏الخيار المقاوم وأكّد فعاليّته التراكميّة ضدّ الاحتلال الصهيوني.. إلّا أنّ ذلك لم يوهمنا مطلقاً بأنّ ‏مسار المقاومة المتصاعد في إنجازاته دخل دائرة الأمان ضدّ المخاطر أو صار بمنأى عن كيد ‏الأعداء وجبروتهم، رغم أنّ طبيعة البنية المرنة للعمل المقاوم، ومنهجيّته المرسومة الأولويّات، ‏والعنقوديّة المهام والإمكانات، إضافةً إلى قوّة الاحتضان الشعبيّ وصدق وفاء الناس ‏واقتناعهم وثقتهم بالمقاومة وقيادتها ورجالها وخيارها، تجعله عصيّاً على السحق والإنهاء رغم ‏قسوة الاستهداف الذي يتعرّض له أحياناً نتيجة مبالغة العدوّ بحشد وتنسيق خبراته وقدراته مع ‏شركائه وحلفائه، وتوفُّر ظروف أخرى خاصّة واستثنائيّة.‏

السيّد حسن نصر الله ‏تولّى القيادة الناظمة لتطوّر أداء المقاومة وفاعليّتها

إنّ من دواعي اعتزازنا أنّ الأمين العام الشهيد الأسمى سماحة السيّد حسن نصر الله كان ‏يتولّى القيادة الناظمة لتطوّر أداء المقاومة وفاعليّتها عبر تاريخها الطويل بمعاونة ثلّة من ‏إخوانه الأبطال الذين لا تزال مدرستهم تستولد وتخرِّج المقاومين أصحاب الإيمان والإرادة ‏والبأس والاستعداد للتضحية والشهادة.‏
وبموازاة هذه المهمّة الدقيقة والمعقّدة، كان سماحته بما يملك من روحيّة مُحِبَّةٍ ‏وصادقة ووعي وإخلاص وشفافيّة، حريصاً على منهج الجمع بدل الانقسام والتفرُّق، وذلك إزاء ‏كل اللبنانيين وتشكّلاتهم، لا سيما إزاء الدائرة اللصيقة والخاصّة التي سعى فيها جاهداً هو والأخ ‏الكبير دولة الرئيس نبيه برّي وثلّةٍ من إخوانهما، إلى إنجاز مسار أخوّةٍ وتفاهم وجودي بين حزب ‏الله وحركة أمل وجمهورهما، وذلك في إطار رؤية استراتيجيّة إيمانيّة ووطنيّة تقدِّر أهميّة ‏وضرورة الخيار المقاوم للدفاع عن لبنان وتحرير أرضه المحتلّة وتحصين سيادته الوطنيّة ‏وحماية استقراره الداخلي، وبأفقٍ جامع يؤكّد نهائيّة الوطن اللبناني، ووجوبَ التمسٌّك بالحوار ‏الوطني والتلاقي الجادّ والمسؤول مع كلّ اللبنانيين على اختلاف طوائفهم واتجاهاتهم ‏والتشديد على التضامن لنصرة القضايا العربيّة وقضايا العدل والحريّة في العالم وفي ‏مقدّمتها قضيّة القدس وفلسطين.. ولقد حظي هذا الإنجاز المبارك، بترحيب وتأييد القيادات ‏والمرجعيّات الدينيّة والسياسيّة والوطنيّة في لبنان والمنطقة، فيما لا يخفى أنّ أسس هذه ‏الرؤية الاستراتيجيّة وتطلعاتها زرع بذرتها ورسم معالمها الأولى سماحة إمام الوطن والمقاومة ‏السيّد موسى الصدر أعاده الله ورفيقيه.‏

الحرب العدوانيّة خطة مدروسة ومُجهَّزة برعايةٍ ومساندةٍ وشراكةٍ أميركيّةٍ كاملة

للتاريخ نسجّل:‏ إنَّ الحرب الأخيرة ضدّ لبنان تحديداً /وأيّاً تكن الذرائع التي ساقها الصهاينة لتبرير ‏دوافعها/ إنما كانت خياراً عدوانيّاً مدروساً ومُجهَّزاً قرر العدو الصهيوني وضعه موضع التنفيذ ‏حين أُغرِقَ برعايةٍ ومساندةٍ وشراكةٍ أميركيّةٍ غير مسبوقة وفَّرَت له فرصة المحاولة للتخلص من ‏حزب الله وسحقه وإنهاء وجوده المقاوم، لما يشكّله من عقبة أمام تمدد احتلاله التوسعيّ في ‏لبنان وأمام تسويق مشروعه لإخضاع كلّ المنطقة من حولنا.‏
ولقد فشلت تلك المحاولة ولم يتمكّن العدوّ رغم كل الدعم الذي توفّر له، من أن يسحق ‏حزبنا أو أن يهزم إرادتنا أو أن يكسر عزيمة شعبنا واحتضانه لخيار المقاومة، ولئن أصابنا في ‏حربه العدوانيّة بمواجع عدّة سواءٌ عبر سلسلة الاغتيالات أو عبر مجزرة البايجر الإرهابيّة اللئيمة ‏أو عبر غيرهما فإنّنا ولله الحمد نتعافى تباعاً وبسرعة، باستثناء وجعٍ واحدٍ سيبقى يلازمنا وسيلازم ‏أجيالنا الآتية لتحفيزهم على الصمود والتضحية حتّى زوال الاحتلال، إنّه وجعُ مصابنا بشهادة ‏أميننا العام السيد حسن نصر الله وكل شهدائنا الأبرار رضوان الله عليهم جميعاً.‏
من حقّ الرأي العام أن يعرف أنّه رغم كل ما توفّر للعدو من إمكانات دعمٍ هائلة وقدراتٍ ‏تسليحيّةٍ وتقنيّةٍ ولوجستيّةٍ ومعلوماتيّةٍ واستخباراتيةٍ وبرامج ذكاء اصطناعي ووسائل قتاليّة ‏مختلفة ومستحدثة، فإنّ الجيش الصهيوني المُرَفَّه إِعداداً وعتاداً، لم يرقَ في أدائه القتالي إلى ‏مستوى أداء مقاومينا الأبطال ولم يُبدِ في ميدان الحرب إلا مهارة الارتكاب لأفظع جرائم الإبادة ‏والتوحّش في قصف المدنيين وقتلهم وتدمير بيوتهم وقراهم، واستخدامه القنابل الذكيّة ‏والثقيلة المعروفة المصدر لدكِّ الأبنية الضخمة والمربعات السكنيّة بشكلٍ متفلّتٍ من كل ‏القواعد والضوابط والقوانين.‏

ثبات بطوليّ عطّل خطّة التوغّل ‏البري

نعم، لقد قاومنا العدو الصهيوني وحربه المجنونة، وأوقعنا فيه خسائر كبيرةً مباشرة ‏وغير مباشرة، استراتيجيّة وتكتيكية، وثبتنا في مواجهته ثباتاً بطوليّاً مذهلاً أحبط خطّة توغّله ‏البري المقرّرة نحو مجرى نهر الليطاني وما بعده، وألزمه المراوحة ثم التراجع في القطاع الغربي ‏والأوسط والشرقي حيث سطّر المقاومون أروع صور الصمود والمقاومة في كل قرى الحافّة ‏الأماميّة من الناقورة إلى شبعا وكفرشوبا مروراً بالخيام الأسطورة التي شهدت بطولات وملاحم ‏استشهاد مذهلة فرضت على العدو الانكفاء نحو خيار التفاوض غير المباشر الذي تصدّى له ‏وخاض غمار جولاته مشكوراً ومفوَّضاً دولةُ الرئيس الأخ الأستاذ نبيه بري مع المبعوث الرئاسي ‏الأميركي وصولاً إلى إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 27/11/2024. ومنذ ذاك التاريخ يشهد ‏العالم مراوغة العدو الصهيوني وخروقاته اليوميّة التي دأب عليها جوّاً وبرّاً وصولاً إلى رفضه ‏الانسحاب الكامل وإصراره على مواصلة احتلاله لبعض النقاط مع مساحاتٍ من أرضنا اللبنانية، ‏الأمر الذي يتطلّب موقفاً وطنيّاً حازماً يترجم مضمون بيان الرؤساء الذي صدر في حينه من ‏بعبدا كما يتطلّب متابعةً جدّيّةً من الحكومة اللبنانية لمسؤولياتها إزاء استكمال تحرير تلك ‏النقاط والمساحات وإنجاز هذا الأمر السياديّ، وإنّنا نُعرب هنا عن سرورنا التام لإعلان هذه ‏الحكومة عن استعدادها الكامل لتحمّل ذلك وفقاً لما جاء في بيانها الوزاريّ، وستجدنا بطبيعة ‏الحال مؤيدين وداعمين لجهودها.‏

لمّا ننته ‏بعد من ورشة تقييم الحرب ومجرياتها

بغض النظر عن كل ما قيل ويُقال عن هذه الحرب العدوانيّة المتوحّشة والموقف منها ‏أو الانخراط فيها، أو الاستثمار على نتائجها. فإننا، في حزب الله والمقاومة الإسلامية، لمّا ننته ‏بعد من ورشة تقييمنا الدقيق والشامل لمجرياتها التي واجهناها، ولتفاصيل ما حدث من ‏تطورات ومؤثرات إيجابية وسلبية ظهرت أمامنا على مدى سنة وشهرين، إلا أننا بتنا على بيّنة ‏من كثير من المعطيات الوافية، ولقد تتبعنا وتوقفنا باهتمام عند مختلف الوقائع والتفاصيل ‏من جهة ومختلف المواقف والآراء المؤيدة أو المندّدة والصديقة أو المعادية من جهةٍ أخرى، ‏وفي ضوء ما سننتهي إليه من خلاصات سنتابع مسيرتنا الوطنيّة بكل عزم وإقدام ووفاء ‏للشهداء والجرحى والأسرى، ولأهلنا المضحين الذين ترخص الأرواح دونهم والذين ننحني أمام ‏عنفوانهم وعظيم تضحياتهم وجميل صبرهم ووفائهم، ونخجل من سمو روحهم وشموخ إبائهم ‏رغم ما تكبدوه من خسائر وآلام ونزوح وإرهاق وضغوط وهموم، ولن ننسى أبداً وقفة ‏المتضامنين معهم، وحسن تعاطف اللبنانيين مع معاناتهم.. والذين نجدّد لهم اليوم أيضاً، وعبر ‏مجلسكم الكريم، كل الشكر والتقدير والامتنان.‏
وإننا إذ نبيّن هذه الأمور، فلا نخرج عن صلب موضوع جلستنا لما في هذا التبيين من ‏صلة بمناقشة بيان الحكومة التي تطلب نيل ثقتكم..

وحدتنا في رفض ‏احتلال العدو نبل وشرف وطنيّ‏

والخلاصة التي ننتهي إلى تأكيدها هي:‏
إنَّ ما ارتكبه كيان العدو الصهيوني في بلدنا من قتل وتدمير وجرائم ينصّبه كياناً إرهابياً ‏مجرماً لا يليق بهيئة الأمم المتحدة أن تقبل عضويّته فيها، ولا يستحق مطلقاً نيل شرف ‏الاعتراف بشرعيّته أو تطبيع العلاقات معه، أو الاستثمار على عدوانه ضدّ بلدنا لتصفية حسابات ‏خلافيّة سياسيّة داخليّة، أو الخضوع لتهديداته وابتزازه المتطاول على لبنان تارةً في إملاء ‏الإجراءات الممنوعة وطوراً في ترسيم العلاقات له وهلمّ جرّا.‏
إنّ مقتضى النبل والشرف الوطني أن نترجم جميعاً كلبنانيين وحدة موقفنا الرافض ‏لاحتلال العدو وتهديداته وأن نتدارس معاً بجدّيّة سُبُل حماية وصيانة بَلَدَنا باستمرار وخيارات ‏التصدّي للتحديات وللتهديدات والمخاطر، وذلك في إطار مسؤول واستراتيجيةِ أمن ودفاع ‏وطني شامل دعا إلى مقاربتها فخامة رئيس الجمهوريّة في خطاب القَسَم.‏

اعتراض بعضنا على أداء بعضنا الآخر 
ليس فرصة للعدو

إن اعتراض بعضنا على أداء بعضنا الآخر، لا يجوز أن يمنح عدونا الوجوديّ فرصة ‏لإضعاف موقفنا ضدّ احتلاله وتهديده لبلدنا، كما لا يجوز أن يكون اعتراض بعضنا على أداء ‏البعض الآخر، مادةً لصرف انتباه اللبنانيين والرأي العام عن الجرائم المشينة التي ارتكبها العدو ‏ضد شعبنا وبلدنا وضدّ منطقتنا أيضاً.. وما يحضِّره لها من مشاريع فرزٍ وضمّ وتهجير واقتطاع ‏وتوطينٍ أيضاً، تتهدّد لبنان ومصر والأردن وفلسطين ودولاً أخرى عربيّة في المنطقة وفق ما ‏أعلن نتنياهو المطلوب للعدالة الدوليّة.‏
لنتوافق معاً
إننا نجد أنَّ الفرصة لم تزل متاحةً لنتوافق معاً على مقاربة وطنية واقعيّة موحّدة ‏لموضوعي الحماية والدفاع ووقف التدخلات الخارجيّة في شؤوننا، ذلك أنّ الإصلاح المطلوب ‏للإنقاذ يتوقّف نجاحه على ضمان حفظ السيادة الوطنيّة للبلاد، والواقع والمنطق يقرّران أنّ ‏السيادة والإصلاح معاً هما سبيل الإنقاذ المأمول الذي لا يتحقّق بأحدهما من دون الآخر.‏
في البيان الوزاري عرضٌ مكثّفٌ لعناوين المسائل التي تريد الحكومة مقاربتها خلال ‏الفترة الزمنيّة التي تفصلنا عن موعد إجراء الانتخابات النيابيّة المقبلة في أيّار من العام 2026.‏

حقّ اللبنانيين ‏في الدفاع عن النفس

والعناوين الواردة في البيان الوزاريّ هي صياغاتٌ جديدةٌ متناسقة لمضمونٍ متكرّرٍ في ‏بيانات كلّ الحكومات السابقة، الأمر الذي يكشف أنّ مشكلة البلاد لم تكن يوماً في النيات وإنما ‏في منهجيّة العمل وفي الانقسام الوطني المعطّل لحسن الإدارة والتنفيذ.‏
فيما يتصل بمواجهة الاحتلال والاعتداءات «الإسرائيليّة»، لقد أقرّت الحكومة حقّ اللبنانيين ‏في الدفاع عن النفس كما تفيد الدلالة القانونيّة للصيغة الواردة في بيانها الوزاري الذي ‏تعهّدت فيه أيضاً بمسؤوليّة الدولة عن حماية السيادة الوطنيّة وإنهاء الاحتلال ومفاعيله بشكلٍ ‏نهائيّ وهو ما نأمل أن تجري نحوه الأمور بأسرع ما يمكن.‏
كما اعتبرت الحكومة أنَّ أول التزاماتها هو إنجاز تطبيق ما ورد في اتفاق وقف الأعمال ‏العدائيّة ضدّ لبنان لجهة وجوب انسحاب العدو بشكلٍ كامل من الأرض اللبنانيّة وتثبيت وقف ‏الخروقات الصهيونيّة والأعمال العدائية ضدّ لبنان واللبنانيين جوّاً وبرّاً وبحراً. وهنا نؤكّد على ‏الحكومة وجوب رفض وإدانة وتفنيد كل ذرائع العدوّ الكاذبة وتفسيراته الخاصّة المدّعاة حول ‏بنود الاتفاق والتي يتلطّى وراءها لإبقاء احتلاله وانتهاكه لسيادتنا اللبنانية.

إعادة إعمار تتطلّب السرعة

الأمر الثاني في الأولويات الحكوميّة هو إعادة إعمار كل ما دمّره العدو من بيوتٍ وأبنيةٍ ‏وقرى وأحياءٍ عدّة في بعض المدن ومحال ومنشآت خاصّة وعامّة، ومؤسسات رسميّة ودور ‏عبادة ومراكز عمل خدمي وصحّي ودفاع مدني وأماكن تراثيّة وأثريّة وبنى تحتيّة طاولها ‏العدوان في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك – الهرمل وفي البقاع الغربي والأوسط فضلاً ‏عن الضاحية الجنوبيّة وبيروت وجبيل وبعض بلدات الشوف وجبل لبنان والشمال.‏
إنّ إعادة الإعمار هذه تتطلّب سرعة في الإعداد والتحضير والمعالجة وتأمين التمويل ‏اللازم ومباشرة التنفيذ بروحيّة وطنيّة تضامنيّة ترفض الابتزاز أو الارتهان لأي شروط سياسيّة.. ‏وننصح الحكومة ألّا تركن إلى وعودٍ من البعض تُطلق فقط لتعطيل وصول مساعدات آخرين.‏

إعادة بناء الدولة أولويّةً

كما أنّ الشروع الجدّي في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها وتطبيق كامل سلّة الإصلاحات ‏التي أقرّتها وثيقة الوفاق الوطني، وإنفاذ الدستور والقوانين من دون استنساب، يُشكِل أولويّةً ‏ملازمةً لا بدّ أن تتضافر لإنجازها كل الجهود. وفي هذا المجال، هناك إجراءات وتشريعات ‏وتوجّهات يمكن المباشرة بها مثل إصلاح القضاء وتعزيز دور المؤسسات الرقابيّة وإعادة الاعتبار ‏لمعايير الكفاءة والجدارة والاختصاص في التوظيف، وإقرار خطّة إعادة الانتظام المالي ‏والاقتصادي وتصويب السياسات الاقتصاديّة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وحلّ معضلة ‏أموال المودعين وحفظ حقوقهم بشكلٍ حاسم وعادل ووضع حدّ نهائي لمكامن الفساد ‏ومظاهره، وليس آخراً إقرار قانون اللامركزيّة الإداريّة الموسَّعة ومباشرة العمل به من أجل ‏تسهيل أمور المواطنين وتفعيل التنمية في مختلف المناطق..‏

لم تكن ‏المقاومة سبباً معوّقاً للإصلاح

إنّ إهمال هذه المسائل وعدم صدقيّة الالتزام بالإصلاحات هو ما أعاق ويعيق وعطّل ‏ويعطّل عملية إعادة بناء الدولة العادلة والراعية، وخلافاً لكل الادعاءات والافتراءات لم تكن ‏المقاومة في يومٍ من الأيام سبباً معوقاً أو مُعطّلاً لتلك العمليّة على الإطلاق. وإنّ الحكومة ‏اليوم التي حملت عنوان الإصلاح والإنقاذ، هي أمام تحدٍّ موضوعي لا تكفي لمواجهته النيات ‏الطيبة، وإنما المطلوب فهم دقيق وتشخيص صحيح للواقع المشكو منه، وتقديم العلاجات ‏المناسبة وبالجرعات المحسوبة وطنيّاً منعاً للارتدادات المحبِطة والمضيِّعة للوقت والجهد..‏
وفي سياق الحديث عن الإصلاح، لا بدّ من تأكيد أنّ تطبيق الدستور ووثيقة الوفاق ‏الوطني بطريقةٍ انتقائيّة أو استنسابيّة هو مفسدةٌ معيقةٌ للإصلاح ومعطلة للنجاح المتوخّى ‏منه.‏

مشاركتنا جدّية وإيجابيّة

ختاماً..‏. سنتجاوز كلّ ما قيل ويُقال عن فذلكة تركيبة هذه الحكومة والمعايير التي قيل إنّها ‏اعتُمدت لتشكيلها وسنتعاون معها آملين أن تسلك السبل السليمة لتحقيق إنجازات وطنيّة ‏مرتقبة توفِّر مناخاً أهليّاً معافًى وصولاً إلى انتخابات نيابيّةً نزيهة يجدّد فيها اللبنانيون رسم ‏خياراتهم الوطنيّة والإصلاحيّة على كل الصعد والمستويات..‏
وإنَّ مشاركتنا في هذه الحكومة، تنطوي على رسائل كثيرة، في مقدّمتها التعبير عن ‏موقف شعبنا الذي نمثِّله بأننا جادّون وإيجابيّون في ملاقاة العهد الرئاسي الجديد وحريصون ‏على التعاون إلى أبعد مدى من أجل حفظ سيادة الوطن واستقراره وتحقيق الإصلاح والنهوض ‏بدولته لتكون الدولة الراعية لشعبها والقويّة به وبإرادته والمعبّرة عن كرامته ومصالحه ‏وتطلعاته..‏
ثقتنا نمنحها للحكومة احتراماً لمبدأ المشاركة على أمل أن تتجمّل بالحكمة وحسن الأداء ‏لتنجح في فتح أبواب الإنقاذ الجدّي للبلاد.‏..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى