معالم ما يجري في فلسطين

سعادة مصطفى ارشيد*
يوماً بعد يوم يشير سلوك حكومة الاحتلال إلى أن الحرب التي أطلقتها عشية الثالث عشر من تشرين الأول 2023 لا زالت مستمرّة وبضراوة، وأكثر من ذلك يبدو أن (الإسرائيلي) قد قطع أشواطاً في المرحلة الثانية من هذه الحرب بالضفة الغربية ويستعدّ لمرحلة أكثر صعوبة وتعقيداً في غزة.
لا تستهدف الخطط (الإسرائيلية) الجديدة المقاومة في الضفة الغربية والمقاومين فحسب، وإنما تستهدف مخيّمات اللاجئين التي تعمل على هدمها بعد أن هجّرت سكانها في جنين والفارعة وطولكرم وسوف يتواصل هذا العمل قريباً في باقي الضفة الغربية، ويريد أن تتوقف أعمال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وأن تصبح مدارسها وعياداتها ملحقة بما تبقى من مؤسسات السلطة الفلسطينية العاجزة بدورها عن القيام بمسؤوليتها. ويستهدف الاحتلال تدمير البنى التحتية للحياة الحضرية في المدن، إذ يدمر شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي والشوارع، بهدف جعل حياة الناس بالغة الصعوبة إنسانياً يستهدف الاحتلال إفقاراً للمجتمع سواءٌ بمنع العمل في الداخل الفلسطيني المحتل، أو بتدمير المزارع والمشاريع الصغيرة، أو بالمشاركة مع الضغط الدولي وخاصة الأميركي على السلطة الفلسطينية بتجفيف موارد دعمها وإسنادها مما يجعلها عاجزة عن دفع رواتب جموع غفيرة من الموظفين والمتقاعدين أو الصرف على النظام التعليمي والصحي والاجتماعي وغيره.
يتمّ ذلك بالاجتياحات اليوميّة لعشرات المدن والقرى والتجمّعات السكانية ونصب الحواجز التي يبدو أن لا وظيفة أمنية لها، وإنما تهدف إلى عرقلة تنقل الفلسطينيين بين المحافظات في الضفة الغربيّة كما يتمّ ذلك بالتمركز العسكري الدائم في بعض المدن وهو حال اليوم في جنين التي تجول بها مركبات الاحتلال الخفيفة وغير المصفّحة دون توقف في استعراض للحالة التي ستكون عليها جنين وغير جنين في الأيام المقبلة، المستوطنون من جانبهم يقومون بدورهم بتوسيع المستوطنات وإنشاء البؤر الاستيطانية الجديدة واستعراض سلاحهم الرسمي وتوجيهه نحو المزارعين وسكان القرى المجاورة لمستوطناتهم، وأصحاب قطعان الأغنام أو على الشوارع التي تربط بين المحافظات.
في غزة وبعد حالة الانفراج القصيرة في عملية تبادل الأسرى والجثامين الأخير، تنتظر غزة تنفيذ الاتفاق الذي ينص على انسحاب الجيش (الإسرائيلي) من محور فلادلفي في اليوم الثاني والأربعين لوقف الحرب أي يوم غد السبت، ولكن مسؤول كبير في حكومة الاحتلال عاد وأكد: لا لن ننسحب، لن نسمح لهؤلاء القتلة والأشرار بالتجول بسلاحهم وسيارات دفع رباعي أمام أعيننا.
يتوافق ذلك مع الدعم الأميركي غير المحدود، ففي تصريحات للرئيس الأميركي ترامب مساء الأربعاء قال فيها: إن قرار العودة للحرب في غزة هو بيد (إسرائيل) ونتنياهو وإن الولايات المتحدة ستقف خلف أي قرار يتخذانه. هذا ما يمكن ترجمته في لغة الفعل والعمل إلى تصريح أميركي لحكومة الاحتلال باستئناف الحرب على غزة وقت ما يريدون، والتي لم يتبقَّ فيها إلا المدنيون الذين يعيشون بلا طعام او ماء نقيّ، بلا كهرباء أو مساكن، ويفتقدون للرعاية الصحية وللمدارس وينتظرون قدرهم الموت جوعاً أو مرضاً أو بسلاح الاحتلال أو بالرحيل، وذلك بعيداً عن لغة الحماسة والهتافات والشعارات.
وفي حين أن العقل البارد للاحتلال يريد خلق واقع جديد وتغيير شكل الضفة الغربيّة وذلك بهدف تحقيق الضم والتهجير وعودة الحرب إلى غزة أيضاً بهدف تهجير سكانها وضمّ شمالها، يقابل ذلك العجز العربي الكامل، بدعوة أن النظام العربي ليس جمعية خيرية ولن يتحمّل تكلفة إعادة إعمار ما لم يكن سبباً في دماره، وهو غير مستعدّ للمشاركة في إعادة الإعمار إلا إن توافرت ضمانات بعدم هدم ما يتمّ إعماره لاحقاً، أي وجود مقاومة أصبح زوالها شرطاً من شروط العرب لإعمار غزة وإلا فإن على المقاومة تحمّل أعباء إيواء وإطعام أهل غزة وإعمار ما تدمّر. أما العقل الرسميّ الفلسطينيّ النائم فيتساوق بعضه مع (الإسرائيلي) بهدف الحفاظ على البقاء السياسي ويحمل شعار أن ليس بالإمكان غير ما هو كائن، ويلقي اللوم على الواقع الدولي والعربي، فيما ينتظر رسميون آخرون حصول معجزة في زمن اللا معجزات، أما الفلسطيني الحزين فهو يدرك أن كل هذه الخطط المعادية وإن نجحت جزئياً، فإن الردّ عليها لا يكون إلا بالتصدّي لها وإن المقاومة وإن خفتت نارها فلا بدّ لها من الاشتعال من جديد.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة