«البناء» تستعيد فرح الأمة والقوميين بعودة الزعيم بعد بلاغات عشرة وحملات تحريض ومذكرتي توقيف بعد بلاغات عشرة وحملات تحريض ومذكرتي توقيف سحبتهما الحكومة سحبتهما الحكومة وخضعت لصحة موقف الزعيم..

ما هو الكيان اللبناني؟ أهو قالب من حديد يوضع فيه الفكر في لبنان لكي يضمحلّ في نفسه أم هو دائرة ضمان لينطلق الفكر منها يعمّم الإخاء في الأمة، يعمّم الاتحاد، ويوحّد الصفوف ويجمع الأمة كلها على مستقبل لا نحيد عنه قيد شعرة؟
«أيها الزعيم: إننا على قسمنا مخلصون نسير وراءك حتى الموت، لتسير الأمة على جثثنا قدماً نحو الحياة»…
«إني أخاطب أجيالاً لم تولد بعد»…
يحضرني هذا القول لسعاده ونحن نستهلّ للإقامة في رحاب الذكرى الحادية والعشرين بعد المئة على مولد الآتي في الأول من آذار في غيثه المبارك زائراً أبيض مشرقاً يثلج غُمَّة وكربة دواخلنا، ويُحيي فينا حكايات دفء جلية لا ينطفئ موروثها من زمن فجر الولادة إلى باكورة الفكرة والحركة اللتين تتناولان حياة الأمة السورية بأسرها، فيتولّد حزباً شاءه سعاده مغايراً للمعهود. أراده للأمة نظاماً جديداً لا يشبه الأحزاب والتكتلات الطائفية في شيء. فكان بزوغ فجر الحزب السوري القومي الاجتماعي، وإرادة تصارع ولا تهادن عدواً غاصباً لحقنا وأرضنا.
غير أنّه ما أن ارتفعت مداميك النهضة وانتشرت، وقبل أن يكمل الكلام، قتلوه. أو هكذا ظنّوا، وقد فاتهم أن يوم استشهادك هو يوم ولادتك الجديدة. وصار موتك امتداداً لحياتك، وعلى هذه الصراط نقيم احتفالاتنا من آذار الولادة إلى تموز الشهادة زعيماً حاضراً فينا، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً لا يكون من دونك.
نعم ما زال الخطر قائماً، وشرف الأمة في خطر. فكم هو شبيه هذا اليوم – وإن كان على بعد زهاء سبعة وثمانين سنة – بيوم العودة في الثاني من آذار 1947 حين كان العدو الصهيونيّ على أهبّة الانقضاض على فلسطين، وإعلان قيام كيانه المزعوم.
في خطابه المشهور، دعا سعاده إلى “إنقاذ” فلسطين من الخطر الصهيونيّ المحدق، وقال: “إنّ إنقاذ فلسطين هو أمر لبنانيّ في الصميم كما هو أمر شاميّ في الصميم، كما هو أمر فلسطينيّ في الصميم… إنّ الخطر اليهوديّ على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات”. يومها صار أنطون سعاده مطارداً وملاحقاً، ورأسه مطلوب حيّاً أو ميتاً من عتاة أسماهم يومها “أعداء الداخل”.
نعم، ما زال أعداء الداخل على عدائهم، غير أنّهم أكثر ضراوة ولؤماً وإيلاماً وخبثاً. وما زال صميم قولهم مالنا ومال فلسطين “ننقذها”.. “نساندها” ونقتل في سبيلها تحت حجة واهية “الحرب ليست حربنا”. حتى أنهم أسقطوا عن “إسرائيل” صفة العداوة، وإذا بها تسفه قولهم وتدّعي بأن لها “مقامات” تثبت أن لها حقوقاً استيطانية في لبنان. صحيح أن “شر البليّة ما يضحك”.
اليوم تمرّ ذكراك يا سعاده وأمتنا تعاني آلاماً عظيمة وحزناً أعظم. وقد أثلمها الأسود الداكن ونحن نتجرّع حزناً على وسع المدى، وطقوسنا الاحتفاليّة مؤجلة، فالغياب يسكننا مجدداً. وغداً الصمت يعلو منصة الكلام، والألم صار شديداً علينا، إلا أن صبرنا أعظم وصلابتنا أقوى.
التآمر علينا من كل حدب وصوب وعلى قول أمي “مين هني، وشو يكونوا؟” فنحن أكثر منهم، وإرادتنا أعنف من طغيانهم، وأقوى من جرائمهم، ومنعتنا سلاحنا، نقيم في فيئه طالما الأسباب الموجبة لحمل هذا السلاح قائمة.
وما عاد شرّهم المطلق يرهبنا، و”ما بتقتلنا شدة وما رح تقتلنا”. ووعدك فينا صادق أننا ملاقون “أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ”.
إضاءة لا بد منها
جولتنا بمناسبة الأول من آذار هي استكمال لملف عودة سعاده من المهجر الذي كنا قد تتبعنا مسار إيابه، بدءاً من أواخر العام 1946 (الأعداد 1-201) والعام 1947 (الأعداد 202- 262) وصولاً إلى مطار بيروت في 2 آذار 1947 نقلا عن “صدى النهضة” الناطقة باسم “الحزب القومي” قبل أن يتمّ حجبها.
نعود إلى صحيفة “صدى النهضة” للوقوف على التفاصيل المتعلقة بمذكرة التوقيف التي كانت أصدرتها الدولة اللبنانية مباشرة إثر إلقاء سعاده خطابه وسط حشود مستقبليه والذي عُرف بخطاب “العودة” تعقباً لحملة التأليب الممنجهة التي قادتها “الكتائب اللبنانية” والحرب الشعواء التي استنفرتها الدولة اللبنانية على الزعيم وصولاً لمطالبتها بإلقاء القبض عليه “حياً أو ميتاً”. والأهم كيف خاض سعاده المعركة بعد أن اتخذ القرار بالمواجهة على الاستسلام، والتحصّن وسط حزبه في العرين القومي المنيع بداية من منطقة بشامون “منطقة قومية اجتماعية حصينة مسلحة”. اتسمت هذه المعركة بجولات استمرّت سبعة أشهر تقاطعت بين الحزم والدبلوماسية، وصولاً إلى تراجع الدولة عن موقفها وسحب “مذكرتي التوقيف”.
في عدد البناء الصادر في أول آذار 2023 وتحت عنوان، العودة ـ وخطاب العودة… «البناء» في الأول من آذار تستعيد «الثاني» من آذار في «صدى النهضة» جاء:
على مسافة وثيقة بين “الذكرى” و”الحدث”… وما بينهما من التقاء البعد المضاعف دلالات ومعنى ومشهد.
الذكرى أولاً، وهي الاحتفاء بفجر الولادة في الأول من آذار بما هي حفاوة برمز نهضويّ استثنائيّ أرسى فينا قيَماً ومفاهيم نبيلة تستهدف قبل كلّ شيء بناء الإنسان الجديد نحو سمو إنساني خلاق، نحتفي به بوصفه صاحب رسالة ومحيي “نهضة سورية قومية إجتماعية” تعيد إلى الأمة السوريّة حيويتها وقوتها، ولأجلها فاض حياة… ولأجلها ارتقى شهيداً…
الحدث… هو “العودة” لصاحب العيد، قائد الأمة “المغيّب” قسراً في المغترب البعيد، والعائد على وقع ذاك الاحتشاد القومي الكبير المتدفق شوقاً وشدة إيمان وصلابة الإرادة، ومضاء العزيمة، وانبثاق النهضة، وجريان تيارها في جسم الحزب مجدداً.
هذا اليوم الموصوف “عودة سعاده” الذي سما في خيالنا، وعواطفنا ورافق وعيَنا، من مرويات الجيل الذي انتمى إلى تلك الفترة الزمنيّة، حيث أفسحوا لهذا اليوم المشهود في أفئدتهم وعقولهم المكانة الخالدة، وسطّروا تفاصيله في تاريخ الحزب والأمة وفي ذاكرتنا، وأشبعوه لنا وصفاً جليلاً.
سعاده العائد بعد رحلة اختياريّة حدّد مدتها بسنتين، فتحوّلت إلى غياب قسري دام تسع سنوات (1938-1947) بمقتضى حكم مبرم بـ 20 سنة سجناً و20 سنة بتوقيع الحاكم العسكري للاحتلال الفرنسي بتاريخ 20 آب 1940، إلى جانب نشوب الحرب العالميّة الثانية.
ها هو يصل إلى أرض الوطن بعد رحلة انطلقت في 2 كانون الأول 1946 واستغرقت حوالي مئة وعشرة أيام قضى منها 11 يوماً في القاهرة، وكانت عبر ريو دي جانيرو، رسيف، دكار، لشبونة، مدريد، تونس، طرابلس الغرب، وأخيراً القاهرة، ثم بيروت على متن طائرة تابعة لشركة النقليات العامة اللبنانية «بونكر».
من وسط هذا المشهد «العودة» والاستقبال الشعبي الذي لم يسبق له مثيل، تستعيد «البناء» هذه الذكرى بمناسبة الأول من آذار، إذ تعاود صوغ الإصدار الممتاز لجريدة «صدى النهضة» الناطقة باسم «الحزب القومي» على بعد ستة وسبعين عاماً من اليوم (1947 – 2023) احتفاء بعودة قائد الحزب وباعث النهضة في تتبّعها لمسار إيابه، خطوة خطوة، ومحطة محطة، ومن طائرة إلى طائرة، وصولاً إلى الاستقبال «المنقطع النظير» حشداً وتنظيماً وهيبة. استقبال يليق بالقوميين وبدأبهم الجميل وبمآثرهم في الوفاء، وفي زخم زوبعة تهلل لعودة الزعيم القدوة فكراً ونضالاً وأخلاقاً، وبعظمة المقاصدِ العليا للعائد يحذوهم الشوق والانتظار بعد طول فراق «قسريّ»، إلا أنه في البال لم يغب.
بأعناق مشرئبّة انتظروه، وبقلوب متأجّجة تلهّفوا لسماع الرأي السديد، وسريعاً دوّى الصوت ملهماً في أديم المكان، أنوفاً مهاباً، وقوراً جلياً في «لغة عربية صحيحة أخاذة»… ليكون «فصل الخطاب» من «التبلبل إلى اليقين» قيَماً ونهجاً وبهاء، وحزباً معافى، وانتصاراً لحقيقة العقيدة بعد «تخبّط وبلبلة» إلى “عقيدة جلية صحيحة”.
الخطاب هو جلاء الموقف، وما تلاه من «ارتدادات» خطيرة على الساحة السياسية خاصة الأحزاب المعادية والمحرّضة على الحزب وعقيدته التي تلاقت في عداوتها مع أركان الدولة اللبنانية، وقد هالهم هذا المضاء الشامخ عند القوميين في استقبال زعيمهم. فلم تتأخر كثيرًا، وبسرعة تحرّكت لإصدار مذكرة «التوقيف» الكيدية (لنا عودة لها في عدد آخر) لإحباط الأثر العارم الذي أثاره الاستقبال الضخم للزعيم في نفوس الناس.
غير أنّها كانت ارتدادات حميدة على وضع الحزب الداخلي إذ أعادت له بالدرجة الأولى هويته «السورية القومية الاجتماعية»، في حقيقته واتجاهه وأهدافه. وما هي إلا «مسألة وقت» حتى يمضي سعاده في إعادة ترميم البيت الحزبي عقائدياً وسياسياً، وإعادة ضبط المؤسسات، وتبديد الدلالات الخاطئة تجاه «القيَم العليا» التي طرأت على الحزب في غيابه، حاسماً مركزية العقيدة في البناء النهضويّ اسماً، وراية، وإدارة، ومدركاً فلسفياً مدرحياً «عقيدة جلية صحيحة واضحة»، عكس ما أريدَ للحزب وكان يُخطّط له من «واقع» يُخرجه عن «معنى الأمة»، لا يشبه عقيدته، ولا مفاهيمه، ولا غايته الكبرى.
خطاب سعاده التاريخي إلى القوميين يوم استقباله
– عهد النهضة القومية، والكيان اللبناني، وفلسطين، والجامعة العربية
– اليوم يعرف الملأ أنكم لستم أعداء لبنان!»
ثلاثة عناوين تصدّرت الصفحة الأولى لـ “صدى النهضة” تصف المشهد، مع اعتمادها نسقاً في الإخراج الفني للصفحة نجحت فيه بتحقيق انسياب بصري جمالي وعاطفي، ويُعدّ إصداراً مكثفاً لجهة نقل الاحتفال كاملاً الى جانب متابعة مجريات الأمور السياسية وردود الفعل وقراءتها الخاصة لنقاط الخطاب، وهي إلى ذلك تابعت الصحف المحلية في تغطيتها للاحتفال، وتتبع سيل برقيات التهنئة من القوميين والوحدات الحزبية والأصدقاء بعودة الزعيم سواء في الوطن أو من أقطار العالم.
أما في التفصيل البصري، نرى عن يسار الصفحة الأولى تتصدّر صورة الزعيم تلك الراسخة في الأذهان يُلقي كلمته من على شرفة منزل مأمون أياس تحيط به قيادة الحزب، وفي وسط الصفحة وضمن كادر صورة عميد الإذاعة فايز الصايغ يلقي كلمة الترحيب، وتوزّعت صور الاحتفال على الصفحة الأولى كما على التتمة في الصفحات 3 و4 و6 منذ لحظة نزول سعاده من الطائرة ومصافحته لقيادة الحزب وتحيته للحشود المستقبلة له، ثم لقائه مع مسوؤلي المناطق والوفود الشعبية، وصولاً إلى الغداء في منزل الأمين نعمة ثابت.. ثم أقيمت في المساء حفلة عشاء في منزل الأمين فؤاد أبي عجرم.
وعن يمين الصفحة نص الخطاب مع ملاحظة للجريدة بأنها تنشر الخطاب الرسميّ «كما أعطتنا إياه عمدة الإذاعة في الحزب القومي».. مع إشارتها إلى أنّ «أهمّ نقاط الخطاب الأساسيّة حصول التأكيد «انّ الكيان اللبناني هو ثابت وراسخ عند الحزب القومي، وهذا التصريح يؤيد تصريحات الزعيم السابقة وموقف القوميين في جميع الأدوار، إذ لم يندمجوا في أي حركة خارجة عن هذا الكيان بتهديمه بل بالعكس دعموه بكلّ قواهم كما يدعمون هذا الكيان الآن في أشدّ أوقات حملة الملك عبدالله بن الحسين لتحقيق مشروعه الخاص في سورية الكبرى». ويلي هذا الشرح خطاب الزعيم كاملاً وكما صار مثبتاً في مدونات الحزب والأعمال الكاملة للزعيم. وأبرز ما جاء فيه:
إنّ عملكم القومي كان أصدق تعبير عن إرادة الأمة في لبنان وفي الشام، وفي فلسطين وفي شرقي الأردن وفي ما بين النهرين.
الكيان اللبنانيّ.. وما هو الكيان اللبناني؟ أهو قالب من حديد يوضع فيه الفكر في لبنان لكي يضمحلّ في نفسه، أم هو دائرة ضمان لينطلق الفكر منها يعمّم الإخاء في الأمة، يعمّم الاتحاد، ويوحّد الصفوف، ويجمع الأمة كلها على مستقبل لا نحيد عنه قيد شعرة.
أيّها القوميون الاجتماعيون،
إنّ جهادنا يستمرّ، ويجب أن تذكروا دائماً أنّ فلسطين السورية، أنّ هذا الجناح الجنوبيّ، مهدّد تهديداً خطراً. إنّ إرادة القوميين الاجتماعيين هي إنقاذ فلسطين من المطامع اليهودية ومشتركاتها.
ولعلكم ستسمعون مَن سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ انقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات.
وأعود فأقول إنّ هذه الكيانات يجب أن لا تكون حبوساً للأمة، بل معاقل تتحصّن فيها الأمة وتتحفز للوثوب منها على الطامعين في حقوقها.
إنّ كلمتي إليكم أيها القوميون الاجتماعيون هي العودة إلى ساحة الجهاد.
أيها القوميون الاجتماعيون،
كنت أودّ أن يتسع الوقت لأصافح كلاًّ منكم، كلّ واحد بمفرده وأتعرّف إليه، ولكن الوقت ضيّق. وهذا الوقت لا يكفي، ولكن عزيمتي اليوم، كما كانت في الماضي، أن أقصد مناطقكم وأزوركم فيها.
سجّل «صدى النهضة»
في هذه الصفحة نعيد إحياء هذه الذكرى استناداً الى «صدى النهضة» وأرشيفها المحفوظ بعناية فائقة، ونطلّ على المشهد من مرآة الصحافة كشاهد عيان على الحدث، ومن قلب الحدث والصورة الفورية في بانوراما شاملة.
ومن جلي القول إنّ سعاده وعى الصحافة مبكراً ونشأ وترعرع بين توليفاتها وتفتحت عيناه على عالمها الثري تحت رعاية وعناية والده العلامة الاستثنائي الدكتور خليل سعاده.
وعلى هذا النهج الطليعيّ والمطامح النبيلة استهلّ أنطون سعاده ومضى على صراط الكلمة وهي عنده لا تُرمى جزافاً بل رؤية وتطلعاً تمهيداً لصياغة فكر نهضويّ جديد إلى أمته والعالم بأسره، فاستطاع أن يرسّخ مفهومه الفكري العقائدي وإنشاء مدرسة إعلامية ساهمت فعلياً في عملية بعث النهضة وتطوّرها (منذ تأسيسه مجلة «المجلة» عام 1933 (في الوطن) حتى تاريخ استشهاده 1949، في مدة زمنيّة لم تتخطَّ ستة عشر عاماً بما تخللها من اعتقالات وسجن واغتراب قسريّ وملاحقات إلى جانب سهره على شؤون حزبه.
وعلى نهج سعاده استكملت المؤسسات الحزبية المتتالية من العام 1949 حتى العام 2009 تاريخ إعادة إصدار جريدة الحزب «البناء» يومياً، وها هي تضيء على الدور الإعلامي الذي أدّته «صدى النهضة» في التغطية الإعلامية لعودة حضرة الزعيم، وتستحضر ما ورد في «صدى النهضة»: العدد 244 / الأحد 1 آذار 1947، الخاص بعودة الزعيم، والعدد 245/ الأربعاء 5 آذار 1947 الخاص بوصول سعاده إلى الوطن ـ حيث ألقى الخطاب الشهير. واللقاء الذي وصفه سعاده «إنّ هذا اليوم هو أسعد يوم رأيته في حياتي».
«الأستاذ سعاده»…
لا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ «صدى النهضة» كانت تطلّ على الرأي العام على أنهّا جريدة الحزب «القومي» تعبّر عن أفكاره وتنشر نشاطاته، إلا أنها لم تعلن عن هويتها بصراحة إلا ابتداء من العدد 58 تاريخ 1 أيار من العام 1946، إذ أضيف الى اسمها عبارة: «صحيفة قومية سياسية يومية»، أيّ بما يشبه الشعار الذي تعتمده جريدة «البناء» اليوم (يومية سياسية قومية اجتماعية)، وهذا قبل الإعلان الذي سيرِد أدناه أيّ قبل العدد 17 في الأول من آذار من العام ذاته.
وبهذا المقتضى تمّت الإشارة الى سعاده بصفة «الأستاذ» لا «الزعيم» حتى أنه لم تتمّ الإشارة إلى سعاده في الخبر على أنه مؤسّس «الحزب القومي».
والأمر ينسحب أيضاً على بيانات قيادة الحزب آنذاك، على سبيل المثال نشر مقال تحت التسمية التالية: «بقلم الأستاذ نعمة ثابت رئيس المجلس الأعلى في الحزب القومي»!
أما البيانات والبلاغات الحزبيّة فكانت تنشر كما هي الأصول الحزبيّة في مخاطبة سعاده «بحضرة الزعيم» بصفته المؤسس والمشرع. ولم تحد عن هذه الصياغة «صدى النهضة» أبداً في أيّ منشور حزبي نشرته.
وبالعودة الى أول إشارة عن إمكانية عودة سعاده الى الوطن، ايّ قبل سنة تحديداً من عودته خرجت «صدى النهضة» إلى القراء والرأي العام تتصدّر صفحتها الأولى صورة للزعيم تحت عنوان «الأستاذ سعاده» مرفقة بالنص التالي: «ننشر أعلاه رسم الأستاذ أنطون سعاده، بمناسبة قرب عودته إلى الوطن، وبمناسبة ذكرى عيد ميلاده هذا اليوم. لقد كان من المتوقع أن يكون سعاده في الوطن في هذا اليوم لكن متطلبات نضاله القومي بين اخواننا في المهاجر اقتضت تأخير قدومه لا سيما أنّ المهاجر المختلفة كلها تصرّ على مروره بها قبل استقراره في الوطن.
ونحن في هذا اليوم نشارك رفقاءه باحتفائهم بذكرى مولده ونرجو له حياة سعيدة، ملأى بالنضال والجهاد».
بطاقة «صدى النهضة»
«صدى النهضة» أصدرها سعاده (1937-1938) وتوقفت بموجب مرسوم جمهوريّ بتاريخ 17 أيار 1938 لتعود الى الصدور قبيل عودته (28 كانون الثاني 1946).
أوْلى سعاده «صدى النهضة» كل الاهتمام من مغتربه القسريّ وأشرف عليها مباشرة إثر عودته من المغترب 1947 ليكون لها الامتياز الأول في مواكبة «العودة» منذ اتخذ «القرار»، وفي 2 كانون الأول 1946 حين صعد سعاده القطار مع عائلته مغادراً البرازيل في طريق العودة إلى الوطن.
اسم الصحيفة «صوت البصير» سابقاً، / أصدرها سعاده في عامي 1937-1938، / هويتها: (صحيقة قومية سياسية يومية)، / أعيد إصدارها في الأعوام 1946 – 1947، / المديرالمسوؤل: فريد مبارك / مديرالإدارة: جبران جريج / تعرّضت للتعطيل من قبل السلطة ثلاث مرات.
البلاغات العشرة… تقرع أجراس العودة
ونشرت الصحيفة البلاغات العشرة التي صدرت في مسار تتابعيّ على درب عودة سعاده الى الوطن، والموقعة من عميد الإذاعة فايز صايغ، في أعداد متفاوتة وصولاً إلى الثاني من آذار 1947… ابتدأت بالبلاغ رقم 1 وصولاً الى البلاغ اليقين رقم 10 الذي حدّد عودة سعاده في 2 آذار… وقد اعتمدت «صدى النهضة» صورة واحدة للزعيم مع كلّ بلاغ التقطت له في العام 1936 ايّ قبل اغترابه القسري لدلالتها الرمزيّة.. ونثبت هذه البلاغات في هذا التقرير.
“البلاغ رقم 1 تاريخ 24 أيلول 1946:
أيّها القوميون: إنّ مجيء الزعيم على الأبواب! فلقد حدّد حضرته، في رسالة وردت مؤخراً الى مركز الحزب: تاريخ مغادرته بلاد الاغتراب المضيافة، متوجهاً نحو الوطن الحبيب!
فكونوا على استعداد!
وستدعون في وقت قريب جداً إلى مهرجان الاستقبال.
البلاغ رقم 2 بتاريخ 23 تشرين الأول 1946:
أيّها القوميون: إنّي مكلف أن أذيع بأنّ حضرة الزعيم قد انتقل من توكمان الى بيونس ايرس كخطوة أولى في انتقاله من مغتربه إلى الوطن.
البلاغ رقم 3 تاريخ 11 كانون الثاني 1947 “صدى النهضة” العدد 210:
أيّها القوميون:
إنّ رحلة حضرة الزعيم نحو الوطن قد ابتدأت…
في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر أقامت مديرية “تكمان” وفريق من المغتربين المحبّذين، مأدبة وداعية لحضرة الزعيم.
في 2 كانون الأول/ ديسمبر غادر حضرة الزعيم “تكمان” بصحبة عائلته إلى بيونس ايرس.
في 20 كانون الأول/ ديسمبر توجّه حضرة الزعيم إلى “كردبه”، حيث أقيمت له حفلة وداعيّة في دار “الجمعية السورية – اللبنانية” اشتركت فيها عدة جمعيات ومنها “معهد التبادل الثقافي الأرجنتيني ـ العربي”، وقد ألقى الزعيم في ذلك المعهد ثلاثة أحاديث دراسية اختصّ بها المعهد المذكور.
في 25 كانون الأول/ ديسمبر انتقل حضرة الزعيم الى ضواحي “روكلد” حيث قضى فترة للاستجمام في دار ومزرعة السيد عبود سعاده وعائلته.
سيمرّ حضرة الزعيم بالبرازيل لمدة أسبوع أو عشرة أيام.
البلاغ رقم 4 تاريخ 14 كانون الثاني 1947 “صدى النهضة” العدد 211:
أيّها القوميون:
إنّي أحذركم من الإصغاء الى سائر الإشاعات والأقوال التي ترد في بعض الصحف.
إنّ موافقة الحكومة اللبنانية على التأشيرة على جواز سفر حضرة الزعيم لم تكن موضوع بحث.
البلاغ رقم 5 تاريخ 21 كانون الثاني1947 “صدى النهضة” العدد 217:
أيّها القوميون
لقد عاد حضرة الزعيم من رحلته الى “كردبه” (التي ابتدأت في 20 كانون الأول/ ديسمبر، ثم انتقل الى “وركلده” في 25 كانون الأول/ ديسمبر، وإلى عاصمة الارجنتين في 31 كانون الأول/ ديسمبر.
وبالامس، في 20 كانون الثاني/ يناير، توجّه إلى البرازيل، لزيارة منفذية سان باولو.
لن تستغرق رحلة الزعيم إلى البرازيل مدة طويلة.
البلاغ رقم 6 تاريخ 26 كانون الثاني 1947”صدى النهضة” العدد 220:
أيّها القوميون:
تباعاً للخطة المرسومة بإبلاغكم تنقلات حضرة الزعيم الجليل فإنّ عمدة الإذاعة يسرّها أن تعلن وصول حضرته إلى ساو باولو عاصمة الجمهورية البرازيلية نهارالجمعة الواقع فيه 18 كانون الثاني/ يناير 1947.
البلاغ رقم 7 تاريخ 8 شباط 1947 “صدى النهضة” العدد 234:
أيّها القوميون:
كنت أعلنت لكم في بلاغات سابقة أنّ المعاملات المختصة بعودة حضرة الزعيم كانت سائرة سيرها الطبيعي.
ويسرّ عمدة عمدة الإذاعة أن تعلن الآن انّ وزارة الخارجية قد أبرقت في هذا الأسبوع الى الدوائر ذات الصلاحية في المهجر طالبة إليها تسهيل كلّ المعاملات لعودة الزعيم.
البلاغ رقم 8 تاريخ 15 شباط 1947 “صدى النهضة” العدد 234:
طار حضرة الزعيم من مقرّ إقامته الموقت في البرازيل متجهاً نحو الوطن في 15 شباط فبراير الحالي، فوصل إلى باريس في 16 منه. وسيكون في القاهرة غداً الاثنين في 17 منه.
وقد طار ظهر الأمس من بيروت إلى القاهرة حضرة رئيس المجلس الأعلى الأمين نعمة ثابت، وعضو المجلس الأعلى الرفيق أسد الأشقر لاستقباله.
البلاغ رقم 9 تاريخ 19 شباط 1947 “صدى النهضة” العدد 337:
أيّها القوميون:
لقد وصل حضرة الزعيم إلى القاهرة بعد ظهر الثلاثاء في 18 شباط/ فبراير ونزل في فندق شبرد.
البلاغ رقم 10 تاريخ 26 شباط 1947 “صدى النهضة” العدد 242:
أيّها القوميون:
لقد تقرّر نهائياً موعد وصول حضرة الزعيم الى مطار بيروت وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح الأحد الواقع في 2 آذار/ مارس 1947.
لهذا يقتضي تقديم موعد وصولكم إلى المطار، عما ورد في تعميم حضرة عميد الداخلية.
عليكم أن تصلوا الى المطار في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح الأحد. وأن تتقيّدوا بكافة التعليمات الأخرى الواردة في تعميم حضرة عميد الداخلية”.
منذ هبطتَ من الطائرة وطئتَ قلوباً ترفرف وحناجر تهتف وتزغرد وأيديَ تصفق وعيوناً ترافقك أنّى تحرّكت!وسط
هذا الحشد المتقاطر من كل مناطق الأمة تنطق كلمة واحدة تعبّر عن كلّ قلب وكلّ فكر: «أيها الزعيم ـ إننا على استعداد!»
تأخر وصول سعاده الى بيروت
وفي مراجعة للتفاصيل لجهة الترتيبات المتخذة للاستقبال، بدا واضحاً انّ تأخراً حصل في موعد وصول الزعيم إلى مطار بيروت، حيث كان مقرّراً أن يصل إليه في الأول من آذارالموافق يوم السبت بحسب إفادة مراسل النهضة الخاص في القاهرة الذي أشار إلى «أن وفداً وصل القاهرة قادماً من بيروت يضمّ حضرة رئيس المجلس الأعلى للحزب القومي الأمين نعمة ثابت والرفيق أسد الاشقر يوم السبت في 15 شباط/ فبراير الحاضر، وعلمنا منهما أنهما قادمان لاستقبال الزعيم المنتظر وصوله في 17 من هذا الشهر. إلا أنّ الزعيم لم يأت بطريق باريس كما هو مقرّر ومرتب، لأن الطائرة التي أقلته من ريو دجانيرو لم تتمكن بسبب حالة الإقليم الجوية وحاجة بعض محرّكاتها الى الإصلاح، من متابعة سفرها من لشبونة إلى باريس في الوقت المناسب، الأمر الذي دفع سعاده إلى أن يستقلّ طائرة أخرى وهكذا وصل الى أوتيل كننتنال في القاهرة في 18 شباط/ فبراير وسط اندهاش الوفد الذي كان في انتظاره»…
وأنهى المراسل رسالته أنه من المتوقع وصول سعاده الى بيروت صباح السبت في الأول من آذار. غير أنّ سعاده وصل صباح الأحد في 2 آذار.. ولم يتّضح سبب التأخير في مرويات القوميين، والأرجح أنّ السبب يعود إلى أنّ 2 آذار واقع يوم الأحد وهو يوم عطلة الأمر الذي يسمح للوفود بالمشاركة والتحرّك من غير تعطيل حركة البلد (تقدير شخصيّ).
هذا التبديل بموعد عودة الزعيم من 1 آذار الى 2 منه أدّى إلى تعديل الترتيبات التي كان أعدّها وحضّر لها المركز مما اقتضى إجراء التعديلات على التوقيت الجديد واللافت أنها أوعزت إلى القوميين بالترتيبات بكافة التفاصيل (المنفذين العامين والمدراء المستقلين) عبر صحيفة «صدى النهضة» وهذا إجراء لم يتبع يوماً في المناسبات الحزبية حتى اليوم. في العادة تكون التعليمات من خلال الأطر الحزبية الداخلية، وهذا الأمر إنْ دلّ على شيء إنما يدلّ على حرية العمل التي كان يتمتع بها الحزب آنذاك خاصة أنه كان قد تم ّالترخيص له من وزير الداخلية في حينه كميل شمعون في حكومة رياض الصلح وعهد بشارة الخوري (ولنا عودة لاحقاً إلى رخصة الحزب).
وبهذا الصدد، أيّ التأخر بوصول طائرة الزعيم، وجّه عميد الإذاعة فايز صايغ تعميماً الى القوميين تاريخ 15 شباط/ فبراير1947 العدد 234 جاء فيه:
“أيّها القوميون
في أيّ منفذية كنتم وفي أيّ بلد عملتم: انّ يوم استقبال الزعيم قريب.
وهو يوم لن يتخلّف منكم أحد عن الاشتراك به، وستردكم التعليمات بصدد مهرجان الاستقبال بالأساليب الرسمية الحزبية، كونوا على استعداد.
ولا يتركن أحد منكم مركز إقامته أو عمله، في الليل أو النهار، إلا بعد إبلاغ ذويه عن مكانه، حتى لا يتعذر تبليغه عن الموقف مهما كان التبليغ مباغتاً وفي أيّ وقت جاء تقيّدوا بالنظام! وانتظروا!”.
وقد ألحق هذا البيان بآخر عمّمه عميد الداخلية جورج عبد المسيح بتاريخ 27 شباط/ فبراير العدد 242 أعيد نشره بتاريخ في 1 آذار/ مارس العدد 234 كما ذكرنا للتأخير بطائرة الزعيم، وجاء في تشديد على بنوده التالية:
أيها المنفذ العام… ايها المدير المستقلّ
يقوم بقيادة الهتاف الحزبي أشخاص معينون يحملون شارات خاصة محظور الهتاف على أيّ شخص آخر سواهم… كلّ من يهتف يُسكت.
ممنوع منعاً باتاً إطلاق النار في أي مكان كان، كل مَن يخالف يُعاقَب.
المدير مسؤول عن التقيّد بهذا الأمر.
«صدى النهضة» العدد الممتاز 1 آذار 1947: تشارك الأمة والقوميين الاغتباط بعودة الزعيم الجليل
بعد أن حسم الأمر وتأكد وصول حضرة الزعيم في 2 آذار سارعت «صدى النهضة» إلى تخصيص عدد ممتاز بالمناسبة العزيزة، صدر في 1 آذار 1947 العدد 244، وخرج بحلة مختلفة عن الأعداد العادية وقد جاء في الكلمة التمهيدية للعدد الممتاز:
«إذ كانت النهضة ترغب في مشاركة القوميين بهذا الشعور النبيل في هذه المناسبة السعيدة وتقوم بقسطها المتواضع في هذه المساهمة بالترحيب باسم الشعب بحضرة الزعيم، فقد فتحت صدرها للقوميين، وخصصت صفحاتها لمقالاتهم وكلماتهم، وتركت لهم أمر تعريف القارئ على الزعيم ومظاهر شخصيته وعبقريته»…
ويسرّ «صدى النهضة» أن تشارك الأمة في الاغتباط بعودة الزعيم الجليل، في عودته السالمة الى الوطن المفدى ـ ذلك الوطن الذي أوقف حياته على خدمته – وفي الترحاب به.
وأن تشارك القوميين خاصة في استقبالهم للزعيم المفدى، وتحيّي فيهم ولاءهم له، ذلك الولاء الذي لم ينجح البعد والغياب في إضعافه أو إدخال الفتور إليه، بل زاده شدة وصقلاً… كما تحيّي فهم إخلاصهم لبلادهم ولقضية أمتهم: ذلك الإخلاص الذي عجز المستعمر عن خنقه أو وأده أو كبته، وعجزت الرجعية عن إذلاله، وعجز الخصم عن تشويه طهارته أو استفزازه أو تحويله عن المجرى الإيجابي الواعي، إلى مجرى فنائي سلبيّ هدام… وتحيّي في الأمة هذه الفئة الحية من أبنائها، وهذا الزعيم الجبارمن أبنائها، يعملون معاً متعاونين في سبيل أبنائها!».
وقد شارك في العدد الممتاز عدد من أعضاء قيادة الحزب، إلا انّ الحيّز الأكبر كان لكلمة عميد الإذاعة فايز صايغ.
وتحت عنوان «أيّها العائد الذي لم يغب» كتب صايغ: «انّ هذه الجموع التي احتشدت، بنظامها البديع، وصفوفها المتراصة، تترقب قدومك، وتجشمت الصعاب، ووطئت العقبات، كي تحظى بلقياك ورؤيتك، لخير تعبير عن ترحاب الأمة بأسرها بمقدمك… وإنما أوجه لك هذه الكلمة، ساعة تطأ أقدامك أرض الوطن الذي أحببت وتحبّ، وساعة تجتمع برفقائك الذين أحببتهم فأحبوك، لأعلن لك بالنيابة عن رفقائي، وبالأصالة عن نفسي: إنّ القوة التي أيقظتها من مكامنها، ودفعتها للفعل، وابتدأت تفعل (…)، إنما هي على أتمّ الأهبة لتلقي التوجيه منك مباشرة الآن، بما لك من عبقرية ووعي، فتتوجه نحو الغايات المثلى، وتسخر الوسائل اللائقة، فتتحقق الأهداف المنشودة… ولأعلن لك، أخيراً، أنّ الأمة بكاملها تنتظر، وأنّ القوميين على استعداد وأنّ الظرف مؤات، لحشد قوانا الروحية والمعنوية، وما نملك في سبيل الانطلاق لتحقيق أهداف نهضتنا، وخلق المجتمع الجديد، والحياة الجديدة، والمجد الجديد…
أما المشاركات الأخرى فجاءت على الشكل التالي:
– «عرفته رجلاً… فزعيماً» بقلم معروف صعب عضو المجلس الأعلى.
– «العبقرية الموزونة» بقلم فريد مبارك عضو المجلس الأعلى.
– «كيف أصبحت العضو الأول في الحزب» بقلم جورج عبد المسيح عميد الداخلية – عضو المجلس الأعلى.
ـ «أهلاً بالزعيم العائد» بقلم عبد الله قبرصي المحامي عضو المجلس الأعلى.
– «يا أبناء الحياة لمن الحياة» بقلم وديع الأشقر وكيل عميد الإذاعة.
– «ماتت الطائفية بمولد الزعيم» بقلم ممتاز الخطيب نقيب محرّري الصحافة وناظر الثقافة في منفذية بيروت.
ـ «ردّدوا معي… زعيمي، موطني، علمي» بقلم زكريا لبابيدي ناموس منفذية بيروت العامة.
«صدى النهضة» ـ العدد 245 تاريخ 5 آذار: تغطية حدث الاستقبال الكبير…
– الأحد زحفت الأمة إلى مطار بيروت ترحّب بالزعيم العائد: منقذ الأمة العظيم.
– ألوف القوميين الوافدين من عموم مناطق الوطن يؤدّون للزعيم التحية القومية.
– الزعيم يستعرض القوميين يُحيط به أعضاء المجلس الأعلى ومجلس العمد.
ما إن وصل سعاده وهبطت الطائرة (وهي تابعة لشركة النقليات العامة اللبنانية «بونكر» ذات المحرّكين) على أرض «مطار بيروت» عند الساعة العاشرة والعشر دقائق، كانت «صدى النهضة» منخرطة مع الحشود المحتفلة في تغطية شاملة لهذا اليوم المرتجى، وعنونت بالبنط العريض: «الأحد زحفت الأمة إلى مطار بيروت ترحّب بالزعيم العائد: منقذ الأمة العظيم».
هذا اليوم الذي قيل فيه الكثير من حيث إنه خرج عن سياق التوقعات حتى عند قيادة الحزب إنْ لجهة الأعداد الكبيرة وإنْ لجهة التنظيم الدقيق والانضباط العالي الذي تحلّى به القوميون، وكان مدار إعجاب وتثمين عند الجهات «المراقبة» والرأي العام والصحافة. بدا للجميع هذا الكمّ العارم من العاطفة التي حفظها القوميون الاجتماعيون لزعيمهم رغم سنوات الغربة.
وللإضاءة على صورة يوم الاستقبال المشهود، نشير الى مقتطفات من مرويّات القوميين الذين شاركوا وشاهدوا في الاستقبال ودوّنوا تفاصيله، ومن هؤلاء الأمين عبدالله قبرصي الذي أفرد له حيّزاً في مذكراته بالتالي: «غطت الجموع رمل بيروت تتزاحم وتتدافع»… «من ذلك اليوم أخذ الناس أمثولة ما نسوها ولن ينسوها الحزب السوري القومي الاجتماعي حزب النظام والقوة وحزب الصمود».. «شكّل القوميون حاجزاً طويلاً يتماسكون بالأيدي لكي تبقى الطريق إلى المطار حرة. «ولم يسجل حادث واحد مخلّ بالأمن».
ويسجل الأمين قبرصي تفاصيل هذا اليوم «الأغر» كما أسماه من لحظة هبوط الطائرة حتى نهاية الاستقبال حيث ألقى الزعيم كلمته ووقف رئيس المجلس الأعلى نعمه ثابت يُحيط به أعضاء المجلس وقد انتدبوا الرفيق قاسم حاطوم في الصعود إلى مدخل الطائرة لاستقبال الزعيم…
وفي مرويات القوميين أيضاً… انّ سعاده استعرض الحشود من المطار الذي كان موقعه في بئر حسن آنذاك إلى حيث مستديرة الكولا اليوم ايّ مسافة كيلومتر وكانت قد أمّت المكان وفود جاءت من جميع المناطق اللبنانية والمدن السورية وصولاً إلى القامشلي، ودير الزور، والمدن الفلسطينية، كالقدس وحيفا وغزة، وقد افترشوا الأرض العراء بانتظار وصول الزعيم: «حتى تكاد لا ترى رملاً بل بحراً من الرؤوس» على ما وصف المشهد ميشال فضول صاحب مطبعة الجمّيزة التي سيكون لها الموقع التاريخيّ في الأحداث في ما بعد.
أما خط الموكب بدأ عند توجّه سعاده إلى الغبيري حيث منزل مأمون أياس بسيارة مكشوفة لصاحبها عبدالله الجميل يرفرف عليها علم الزوبعة وتتقدّمها دراجتان.
وقد تمّ تسجيل هذا الموكب بكاميرا عبدالله الجميل بكامله لكن الفيلم تعرّض للتلف أثناء «التحميض» قبل إعادة ترميمه في ما بعد من قبل إبراهيم يموت في العام 1958.. (انتهت التوطئة)
استقبال منقطع النظير لعائد كبير، لمنقذ عظيم، عزيز النظير ويوم من أيام هذه الأمة الكبيرة الجبارة
بهذه العبارات المبجّلة والحفاوة المميّزة وصفت «صدى النهضة» احتفاء القوميين في استقبال زعيمهم والشوق الذي يكنّونه له وقد رصدت هذا اليوم كالتالي:
«شهدت البلاد الأحد أروع استقبال عرفته حتى اليوم، استقبالاً منقطع النظير لعائد كبير، لمنقذ عظيم، عزيز النظير، ويوماً من أيام هذه الأمة الكبيرة الجبارة، السعيدة الخالدة، وشهدت البلاد في غمرة من الغبطة والترحيب، عودة الزعيم سعاده الى الوطن الذي أحبّ، بعد اغتراب تسع سنوات. ففي الصباح الباكر بدأت وفود القوميين من من عموم مناطق الوطن تتقاطر إلى مطار بيروت يحدو بها الشوق، سيول من السيارات الكبيرة والصغيرة، وترفرف عليها الأعلام القومية، وتزخر بالشباب الثائر المتحفز المتحرّر تشقّ هتافاتهم الفضاء تطلقها حناجرهم الفتية شهادة أمة وعهد أمة لقائد أمة، منقذ أمة.
وما أن أزفت الساعة العاشرة حتى غطت أمواج القوميين المسافات الرملية الشاسعة المنبسطة على جانبي شارع المطار، صفوفاً متراصة، فرقاً، فرقاً، يرفرف فوق كلّ منها علم الحزب.
وصول الزعيم
وعند الساعة العاشرة والعشر دقائق تماماً حطّت الطائرة في المطار وكان أول النازلين منها حضرة الزعيم وكان بانتظاره حضرات أعضاء المجلس الأعلى ومجلس العمد في الحزب فعانقهم حضرته واحداً واحداً، عناق الشوق واللقاء بعد تسع سنوات.
… سارالزعيم بين القوميين: تلال من بشر، بل تلال من العيون والقلوب والأيدي، تتحرّك كلها معاً، تحيّيه في هتافها وتصفيقها، وتعجز عن ضبط ما في نفوسها من سرور برؤيته بعد هذا الغياب الطويل.
أيها الزعيم الجليل.. لم تطأ ارضاً بل وطئت قلوباً
وتحت خطاب الزعيم نشرت كلمة عميد الإذاعة الترحيبة، وجاء فيها: «لئن وقفت، في هذه المناسبة السعيدة، وفي هذا اليوم الرهيب، لأقول إنّ في قلب كلّ قومي غبطة بمقدمك ونشوة برؤيتك، فأنا أقول حشواً.
ولقد لمست ذلك، ولا بدّ، بنفسك، فإنك لم تطأ، منذ هبطت من الطائرة، أرضاً، وإنما وطئت قلوباً ترفرف، وحناجر تهتف وتزغرد، وأيديَ تصفق، وعيوناً ترافقك أنّى تحرّكت!
ووسط هذا المشهد، تنطق كلمة واحدة تعبّر عن كلّ قلب وكلّ فكر: «أيها الزعيم – إننا على استعداد!»
ولئن شئت شهادة أبلغ من شهادة القلوب والحشد، فإنّ على مرمى الحجر من هذه البقعة يثري شهيد، شهيدنا الأول (يقصد الشهيد إبراهيم منتش)، يشهد على صدق ما أقول: ففي صمته الرهيب شهادة صارخة تقول: «أيها الزعيم: إننا على قسمنا مخلصون – نسير وراءك حتى الموت، لتسير الأمة على جثثنا قدماً نحو الحياة»…
هوامش العدد الممتاز
لم يفت صدى النهضة لحظ التفاصيل التي تواكبت مع هذا اليوم الطويل والمليء بالغبطة، فسجلتها للأمانة التاريخية، ولدلالتها السياسية والعاطفية، ونشير هنا إلى هذه التغطية وهذه الهوامش لكي لا يضيع جهد.
ـ يستقبل حضرة الزعيم في داره القائمة في زقاق البلاط في الطابق الثاني من بناية الحاسبيني.. خلال الأسبوع، بعد ظهر كل يوم من الساعة الرابعة حتى السادسة، وكذلك خلال السهرة.
ـ القائد فوزي القاوقجي كان قد وصل مع حضرة الزعيم في الطائرة عينها وتقدّمت منه قيادة الحزب ورحّبت به.
ـ عدد من الرجالات دخلوا المطار ليرحبوا بحضرة الزعيم وكان بينهم الفنان الأستاذ فريد الأطرش (لم تشرالصحيفة إلى أنه كان على الطائرة نفسها كما هو شائع).
ـ تلقى مقام الزعامة سيلاً من برقيات التهنئة من مختلف مناطق الوطن والمهجر بمناسبة عودته إلى الوطن.
ـ فرقة ضهور الشوير الموسيقيّة استقبلت الزعيم على باب المطار، بالموسيقى البلدية تنقل ما في نفس أهالي الضهور بل وفي نفوس أبناء البلد عموماً من بهجة وترحاب.
الصحافة ترحّب بالزعيم
تولّت “صدى النهضة” متابعة تغطية الإعلام المحليّ للإستقبال الكبير لمؤسّس الحزب، فأعادت نشر تغطية الصحف للحدث الكبير يومي 3 و4 آذار 1947:
صحيفة الشمس كتبت:
… وترجّل من الطائرة حضرة الزعيم الأستاذ أنطون سعاده رئيس الحزب القومي… وما أن أبصره القوميّون يترجّل من الطائرة حتى دوّى التصفيق وكاد يشقّ عنان السماء… وعلى الأثر قام الزعيم باستعراض عام للفرق القوميّة التي كان منظرها مدهشاً لما كانت عليه من حسن الترتيب والنظام.
وألقى الزعيم عبر مكبّرات الصوت كلمة أعاد فيها الحياة الى نفوس القوميين وجدّد عزمهم على مواصلة الجهاد في سبيل لبنان والأقطار العربية.
صحيفة الزمان عنونت تغطيتها:
“شهدت بيروت (أمس) استقبالاً حافلاً أعدّه القوميّون لاستقبال زعيمهم الأستاذ أنطون سعاده”.
صحيفة النضال عنونت تغطيتها:
“قام القوميون برفع حلل الزينة ومباهج الغبطة ومظاهر العيد”.
صحيفة النصر الشامية كتبت:
كان (أمس) موعد وصول زعيم الحزب القومي السيد أنطون سعاده إلى بيروت فاتخذت الحكومة منذ الصباح الباكر استعدادات كبرى للمحافظة على النظام ودرءاً لوقوع أيّ حادث.
وقد وصلت مطار بيروت سيارات كبرى وصغرى من سائر أنحاء لبنان ومن بعض الأنحاء السوريّة تقلّ أعضاء الحزب وقد اصطفّ القادمون حسب نظام وترتيب مدروسين استعداداً لاستقبال زعيمهم، وقد تمّ ذلك دون وقوع ايّ حادث..
صحيفة النهار كتبت:
وقف منذ صباح الأحد في خارج مطار بيروت جمهور غفير جداً من أعضاء الحزب القوميّ تتقدّمهم أعلامهم لاستقبال زعيمهم العائد بعد غياب طويل، وكان رجال الأمن قد انتشروا منذ الصباح الباكر في ذلك المكان منعاً للحوادث، فلما أطلّ الأستاذ سعاده استقبلوه بالتصفيق والترحاب وكان كلّ فريق يرسل الهتاف الذي يرسمه قائده بشكل حزبي رائع… فنهنّئ الأستاذ سعاده بعودته، ونسأل له التوفيق في خدمة وطنه.
صحيفة البيرق كتبت:
صرف القوميون هذا الأسبوع بكامله في التأهّب لاستقبال زعيمهم فتنادوا من كلّ الأنحاء تحت إرشاد وإشراف هيئة الدعاية القومية… وزحفت جموعهم صباح (أمس الأحد) بالسيارات إلى منطقة المطار ليتاح لكلّ منهم رؤية الزعيم وتحيته.
وتحسّبت الحكومة من جهتها فسيّرت رجالها وعززت منطقة المطار وشوارع المدينة برجال الأمن وأقفلت باب المطار ومنعت الدخول الى الساحة الداخلية كي لا تعرقل حركة الطيران، فموعد وصول الزعيم هو موعد لنزول عدد من الطائرات.
وقد تجمّع حول المطار ألوف القوميين وكلهم فرح جذلين لعودة زعيمهم.
وقد استعرض الأستاذ سعاده خارج المطار فرق القوميين واخترق الصفوف إلى محلة الغبيري، حيث احتشد القوميون… وفي الساعة الواحدة وقف سعاده على شرفة نزل الأستاذ أياس فارتجل خطاباً نقلته مكبرات الصوت.
صحيفة “الجمهور” كتبت:
اليوم يعود فتى الربيع فلا تقف سلطة دون عودته والترحيب به واستقباله فسبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر! وخصوصاً على هذا البلد.
صباح الأحد، كانت جوانب مطار بيروت مسرحاً لحركة وتجمعات فلقد أقبلت مئات السيارات وأقبل معها ألوف الشباب من جميع الأقاليم لاستقبال الأستاذ انطون سعاده زعيم الحزب القومي بعد غياب طال أمده.
وامتازت الاستعدادات بالتنظيم الرائع والهدوء الشامل وكانت كلّ مديرية تلتفّ حول علمها على نحو جميل، وكان أركان الحزب في المطار ينتظرون الطائرة المحلقة في الأجواء التي تقل الزعيم، وما أن أطلت الطائرة حتى خفقت قلوب الآلاف وتعلقت أبصارهم بجناحيها وطغى الحنين والشوق على العيون وما كادت تتوسط أرض المطار حتى أطل منها الزعيم العائد فاستُقبل بعاصفة من الهتاف المنظم داخل المطار وخارجه فنزل من الطائرة بخطوات وطيدة قوية وعانق مستقبليه، وخرج من المطار يستعرض فرق الحزب المختلفة وسار معهم مشياً على الأقدام مسافة طويلة، ثم استقلّ سيارته مع أركان الحزب إلى دار الأستاذ نعمه ثابت رئيس المجلس الأعلى. وهناك بعد استراحة قليلة أطلّ على أعضاء الحزب والجماهير الغفيرة وألقى خطاباً حدّد فيه أهداف النشاط الحزبي الاجتماعي وكانت مقاطع الخطاب تقاطع بالهتافات والتصفيق…
مذكرة التوقيف المشوؤمة.. أبواق التحريض
بعد أن ألقينا الضوء على تغطية صحيفة “صدى النهضة” لعودة سعاده من مغتربه القسري، ووصوله إلى أرض الوطن في 2 آذار 1947 عبر مطار بيروت (بموقعه القديم في بئر حسن) والاستقبال الأكبر الذي أعدّه القوميون والخطاب الشهير الذي ألقاه سعاده، وأصدائه الإيجابية لدى القوميين والرأي العام والإعلام، وقيام الحكومة اللبنانية بإصدار مذكرة توقيف بحق سعاده تماماً، كما كان الوضع قبيل مغادرته في العام 1938 نتيجة الملاحقات والتضييق عليه من قبل سلطة الانتداب الفرنسي المحتل.
في هذه التغطية سنستكمل في عدة “عناوين منفصلة” الأحداث التي تصاعدت بسرعة ما بعد خطاب سعاده والحملات المعادية على الزعيم وحزبه سواء من أحزاب محلية وأبواقها الإعلامية التي عرفت بالعداء للحزب وكان لها الدور الكبير بالتحريض عليهما، كما سيتبين معنا من فضح ومجاهرة “صدى النهضه” لهذه الأبواق وخوضها معركة إعلامية شرسة لدحض وتسفيه حملة التشهير تلك، وتبيانها للنية المبيتة لأركان الدولة وسرعتهم القياسية في إصدار مذكرة التوقيف التي نصت بإلقاء القبض على الزعيم بتهمة زعزعة الاستقرار، (كما سيتبين تالياً)… (ومن جلي الأمر أن نذكر بأن أركان الدولة عام 1947 هم بشاره الخوري رئيساً للجمهورية ورياض الصلح رئيساً للحكومة أي الزمرة نفسها التي شاركت في التآمر على سعاده ثم تلك المحاكمة المسرحية التي قضت باستشهاده رمياً بالرصاص في الثامن من ذاك تموز عام 1949).
مذكرتا الإحضار والتوقيف
ودور تشكيل «الفلانج» المشبوه
بعدما شهدت الدولة بأمّ العين الاستقبال المهيب الذي أقيم لسعاده فقد هالها المشهد، فعزمت أن تتحرّك بسرعة في تصعيد موقفها تجاه سعاده بحجة أن خطاب سعاده يُعدّ انقلاباً وتآمراً على الاستقلال ونيلا من الكيان، واستطاع سعاده و”صدى النهضة” في حملتهما المضادة أن يثبتا أن هذا ليس إلا مجرد ادعاء مضلل، إنما المقصود من هذا العويل ليس إلا إحباط الأثر الجليل والمشهد العظيم الذي تركه استقبال سعاده في نفوس الناس فأوفدت في 4 – آذار 1947 “رجال التحرّي” إلى منزل سعاده الذي كان مخصصاً لإقامته والكائن في منطقة الخندق الغميق لاستدعائه وتقديم نفسه إلى الأمن العام، بحجة أن المطلوب من سعاده هو “تفسير بعض المقاطع التي وردت في خطابه بخصوص ما يتعلق بالكيان اللبناني على اعتبار أنه جاء “مغايراً” تماماً للرخصة المعطاة للحزب، “تحدث عن سورية في حين عليه الاعتراف بالكيان اللبناني والمبادئ الإصلاحية وليس المسائل السياسية”، بحسب تصريح المدير العام للأمن العام أدوار أبو جودة.
ولما كان سعاده في بيت مري (بحسب رواية فريد الصباغ من سعاده إلى أنطوان بطرس في كتابه “انطون سعاده من التأسيس إلى الشهادة”. وكان الصباغ يشغل في حينه “مفوّض” الاتصالات السياسية بتكليف من الزعيم” يشرح في إفادته بشأن مذكرة الاستدعاء بالتالي: “عند أبلغ سعاده من معاونيه بالأمر اتخذ القرار “بإعلان العصيان” ورفض الانصياع للاستدعاء وتحصّن في بشامون لكونها “منطقة قومية اجتماعية حصينة مسلّحة” فما كان من السلطات إلا إصدار مذكرة إحضار ثانية بحقه ثم أتبعتها بمذكرة توقيف وقامت بمحاولات عدة فاشلة لإلقاء القبض عليه “حياً أو ميتاً” قبل التوصل إلى إلغاء مذكرتي الإحضار والتوقيف. إلا أن سعاده وقبل توجّهه إلى بشامون قرّر الرد على الهجوم الذي تشنّه تشكيلة “الفلانج” وجريدة العمل الناطقة باسمها.
سعاده يسفّه ادعاءات “مذكرة الاستدعاء”
صحيح أن سعاده اتخذ قراراً بعدم تلبية الاستدعاء الذي وجّهه مدير الأمن العام حينذاك ادوار أبو جودة في الرابع من آذار غير أنه قرّر الردّ عليه برسالة خطية تفنّد نقاطاً عدة من خطابه مستغرباً لجوء الحكومة إلى تبني التفسيرات التي أبدتها أوساط حزبية معادية لخطابه،… وقد فنّد ردّه بعدد من النقاط، منها:
ـ إنّ خطابي متفق كل الاتفاق ومكمّل لتصريحات سابقة لي في الكيان اللبناني وليس فيه ما يناقض تلك التصريحات.
– لستُ متقيداً بما أخذه بعض النساخ من خطابي ونشرته بعض الجرائد،… وقد يكون بعض النساخ وبعض الجرائد أهملوا بعض فقرات ضروريّة.
– إنّي غير متقيّد بالاستنتاجات الخاطئة التي تستنتجها بعض الدوائر والجرائد وتريد بعض الفئات استنتاجها، لهذه الأسباب الوجيهة أودّ أن تطمئنوا إلى أني لا أقبل أن يكون في لبنان مَن هو لبناني أكثر منّي أو مَن هو أشدّ محافظة على كرامة اللبنانيين وإرادتهم.
أما في رسالته إلى منفذ عام البرازيل بتاريخ 27 /3/1947 كان سعاده أكثر مباشرة في توجيه أصابع الاتهام إلى “السياسة الفرنسية التي لا تزال لها مراكز خفية في البلاد وعمال أمثال أصحاب «الفلانج»، مؤكداً مجدّدًا أنه: لم يكن في خطاب الزعيم ولا في الاستقبال ما يثير أو يسبب قلقاً. ولكن السياسة الفرنسية التي لا تزال لها مراكز خفية في البلاد وعمال أمثال أصحاب “الفلانج” (الكتائب)، رأت وجوب فعل شيء ضد الزعيم شخصياً فعقد اجتماع سريّ في دار الجزويت حضره الأب بوني إيمار وناموس السفارة الفرنسية وبيير الـجميل رئيس “الفلانـج” والياس ربابي من أركان “الفلانج” وبعض الـمطارنة. وبعد هذا الاجتماع صدرت جريدة العمل لسان حال “الفلانـج” وفيها كتابات تحريضية ضد الزعيم وخطابه. والظاهر أنّ بعض رجال الـحكومة دخلوا في الاتفاق ضد الزعيم فحالما صدرت جريدة العمل بحملتها صدرت تعليمات إلى مدير الأمن العام بوجوب “استدعاء الزعيم واستجوابه في صدد خطابه”!
لا مراجع تشير إلى تاريخ إصدار المذكرة
أما التهمة فهي «التفرقة بين الطوائف»!
لم تتبين لنا أي إشارة لتاريخ محدد لصدور مذكرة التوقيف في المدوّنات الحزبية التي صدرت لاحقاً أو الإصدارات الإعلامية وأدبيات القوميين على سبيل المثال في مذكرات عبدالله قبرصي الذي أتى على ذكر تفاصيل هذه الحملة في الجزء الذي خاضه كمحامٍ، أو في مسودة فريد صباغ (لم تصدر في كتاب)، فقط ما نعلمه وما تم التداول به أنه تم سحبها بعد سبعة أشهر من إصدارها تحديداً بتاريخ 29 من تشرين الأول 1947، وكل المراجعات الصحافية العائدة لتلك الفترة تشير (خاصة جريدة النهارالتي كانت السباقة في نشر أي مستجدّ في القضيه) إلى أن كل ما هو معلوم أن السلطات الحكومية أحالت إلى النيابة العامة المركزية خطاب سعاده ومنشورات جريدة “صدى النهضة” الناطقة باسم الحزب وبلاغ عدم انصياع سعاده للمثول الى دوائر الأمن العام.
كما أحيلت إلى النيابة العامة “دائرة الاستنطاق” التي بدورها أصدرت مساء 13 آذار “مذكرة إحضار” بحق سعاده وأبلغت نسخاً عنها إلى مخافر الدرك والشرطة إلى أجل غير مسمّى.
كما ألحقت مذكرة إحضار ثانية في 17 آذار بمذكرة التوقيف غير المؤقت التي لا يُعرف لها تاريخ محدد لصدورها ولا نعرف التهم الموجهة إلى سعاده.
أما التهم التي سقيت ضد سعاده في مذكرة الإحضار:
أولاً “الدعوة إلى اقتطاع جزء من لبنان”
“الإخلال بالأمن والتفرقة بين الطوائف”.
وقد خاضت صدى النهضة معركة شرسة ضد هذه الافتراءات وأعادتها إلى نحور مدّعيها، الأمر الذي أدى إلى صدور مرسوم بتعطيلها بتاريخ 14 آذار.
الإعلام المناصر لقضية سعاده يتتبع «مذكرة التوقيف»
يتبيّن من خلال مراجعة مجلد 1947 “صدى النهضة” (1 كانون الثاني – 20 نيسان الأعداد 206 – 262) أنّه لم يتسنَّ لجريدة “صدى النهضة” المجال الكافي للتغطية الإعلامية لمجريات الحملة المساقَة على سعاده وحزبه من على صفحاتها، حيث إن الدولة حالَت دون هذا الأمر و”عطلت صدورها” وأوقفتها كيديًا بتاريخ 12 آذار 1947 لأسباب لم تبرّرها الحكومة، قبل أن تعاود صدورها بتاريخ 2 نيسان (أي بعد نحو عشرين يومًا). ولم يمض وقت حتى عادت الدولة وأغلقت “صدى النهضة” “إلى أجل غير مسمّى” بمرسوم موقع من رئيس الجمهورية بشارة الخوري بتاريخ 22 نيسان 1947، وكان التعطيل الأخير حيث توقفت نهائيًا عن الصدور. (في آذار 1948، حلت مكانها جريدة “الجيل الجديد”). في وقت أن مجريات التفاوض الدائرة بين سعاده وفريقه من المعاونين له من جهة، وبين الجهة المدّعية، أي الدولة، انتهت بتاريخ 9 تشرين الأول 1947، أي بعد تعطيل “صدى النهضة” بقرابة الستة أشهر.
حكماً في ظل هذا الشغور بفعل التعطيل كان على سعاده وهو في أوج المعركة أن يتحول إلى وسائل صحافية أخرى صديقة للحزب من أجل إيصال صوته ووجهة نظره وإحباط الحملات المعادية فكانت جريدة “الشمس” هي البديل بداية إلا أن الدولة عطلتها أيضاً إمعاناً في التضييق الإعلامي على سعاده فكانت مجلة “الكوكب” البديل الثاني عن “صدى النهضة”.
الحكومة لم تكتفِ بتعطيل الصحف المؤيدة للحزب بل عمدت إلى اعتقال الصحافيين المؤيدين لسعاده فاعتقلت الصحافي كمال الغريب صاحب “جريدة الشمس” الناطقة غير الرسمية باسم الحزب. وفي اليوم التالي ألقت القبض على فريد مبارك مدير جريدة “صدى النهضة” وكميل الأشقر سكرتير “صدى النهضه”. وعند هذا الحد أصبحت المواجهة حتمية، فقرّر سعاده خوضها ضد الحكومة. ورغم اشتداد حملة الملاحقة من قبل أجهزة الحكومة، كان سعاده يستقبل وفوداً حزبية وشعبية وشخصيات رسمية، الأمر الذي جذب إليه الصحف وصار مقصداً لرجال الصحافة وأصحاب الرأي العام، فأضحت إقامة سعاده قبلة مندوبي الصحف من أجل الوقوف على رأيه وقد أعطى الحيّز الأكبر في استقبالاته لمراسلي الصحف المحلية والعالمية وقد استقبل على التوالي مندوبي: الوكالة الفرنسية، جريدة القبس، مجلة الجمهور، بيروت المسا، مجلة الكوكب، والصحف الشاميّة كجريدة “الإرشاد” و”القبس” كذلك “الدنيا” و”النضال” و”النصر” وجريدة “وطن” التركية، جريدة الحياة، جريدة كل شيء، طبعاً إلى جانب “صدى النهضة” بحال كانت خارج التوقف (جميع هذه الأحاديث محفوظة بالآثار والأعمال الكاملة للزعيم).
«النهار»: «نبدي إعجابنا بزعيم الحزب
وإخلاص أعوانه»
الاهتمام الإعلامي والتعاطف مع قضية سعاده ومناصرتها استفزّ وأزعج رجال الدولة، وتحديدًا وزير الداخليّة في حكومة رياض الصلح، كميل شمعون (الذي استقال في نهاية شهر حزيران، وحلّ مكانه رئيس الحكومة رياض الصلح وزيرًا للداخلية). خاصةً أنه لمس أجواء حالة الاستنفار القصوى لدى القوميين، حيث كان يقضي “الصيفيّة” في أوتيل القاصوف (الأوتيل الذي تحصّن به سعاده لفترة وما زال قائمًا إلى الآن). وقد أشار فريد صباغ إلى أن شمعون اعتبر مواقف وحركة سعاده تحدّيًا شخصيًا له، بحكم أنه وزير الداخلية، فعمد إلى إصدار أمر وزاريّ بالقبض على أنطون سعاده مهما كانت الظروف، والإتيان به “حيًا أو ميتًا”. وقد عُمّم هذا الأمر بواسطة الإذاعات والصحف، وكُلفت قوى الأمن الداخلي بتنفيذ الأمر.
وحول هذه المذكرة، سرّبت أيضاً صحيفة “الشمس” في عددها بتاريخ 23 حزيران 1947، أن وزير الداخلية كميل شمعون في 10 حزيران، إذاع بيانًا وزاريًا دعا فيه الأهالي إلى “الامتناع عن نقل الأسلحة الحربية تحت الملاحقات الصارمة”. وقد ادعى لاحقًا كميل شمعون أنه اتخذ القرار بتحريض من رياض الصلح. وقد جرى ترتيب لقاء بين سعاده وشمعون، الذي حرص سعاده على أن يكون سرياً لكي لا يُفسّر على أنه لقاء انحيازيّ انتخابيّ لصالح شمعون. غير أن الصحافي بشارة مارون تمكّن من حضور الاجتماع بشكل خفيّ، وفضح سريّة اللقاء (وقد نشرت تفاصيله مجلة “الرواد”).
«صدى النهضة» بين توقف وصدور تواكب مذكرة التوقيف
الصدور المتقطع لـ “صدى النهضة”، حتى خارج قيد الإغلاق الإلزامي من الحكومة، ظهر عندما تأخرت تغطية وصول سعاده إلى مطار بيروت، يوم الأحد بتاريخ 2 آذار 1947، ولم تُنشر تفاصيل هذا اليوم المحفوف بالأحداث إلا يوم الأربعاء بتاريخ 5 آذار، العدد 245 بحسب الرقم التسلسليّ لإصداراتها، أي بفارق ثلاثة أيام عن العودة (وقد نشرنا آنفاً تفاصيلها كاملة). مما يعني أن عدداً من الصحف المحليّة سبقت “صدى النهضة” في نشر عودة سعاده (قد يعود الأمر لمساحة المادة الكبيرة أو لأسباب تقنية أو مطبعية!) أو انتظارها الإذن من عمدة الإذاعة بنشر خطاب سعاده كما أُقرّ، والذي عمدت عدة صحف إلى اجتزائه بقصد تشويه حقيقته لغرض تحريضيّ كما تبين لاحقاً.
وفي أول إشارة صدرت في “صدى النهضة” تدل فيها على وجود مذكرة توقيف بحق سعاده، كانت في العدد رقم 256 بتاريخ 11 نيسان 1947 في الصفحة الثانية تحت عنوان: “حول إلغاء مذكرة بحق الزعيم”. كانت قد سبقتها الإشارة إلى حملات التشهير والتآمر على سعاده من قبل حزب “الكتائب اللبنانية”، بدءًا من العدد 246 – 6 مارس 1947، حيث ظهرت بوادر الحملة التي تقودها منظمة “الكتائب اللبنانية” ضد القوميين، والتي باشرتها في صحيفة “العمل” الناطقة باسمها عبر نشر عدة مقالات تحرّض على خطاب سعاده. غير أن “صدى النهضة” ردّت بافتتاحيّة بعنوان بالخط العريض “كتائب الخيانة”، تُحمّل صحيفة “العمل” المسؤوليّة المباشرة عن حملة التحريض.
ونظراً لعدم تناول هذا المقال في الدوريات الحزبية لاحقاً سوف نقتطع منه هذه الأجزاء لنشرها هنا وقد جاء فيه:
“إن التشكيلات الشكليّة، التي تسمّى “منظمات”، ولما تعرف من التنظيم والنظام شيئاً غير تقليد لحركات كالسعادين – تلك التشكيلات التي كانت حرباً على الشعب اللبنانيّ وأثارت تلك الاصطدامات الدينية بين المسيحيين والمحمديين التي يعود الفضل في إيقافها ومنعها من التحوّل إلى مذابح فاجعة، إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. الحزب السوري القومي الاجتماعي عينه الذي حقن دماء اللبنانيين وتوسط المعارك لمنع الاشتباك.
تلك التشكيلات عينها، خصوصاً تشكيلات “الكتائب اللبنانية” التي تجمّعت فيها أخيراً جميع تلك الفئات الطائفية المارونية التي تعشق الطائفية وتفضلها على القومية، تريد اليوم أن تظهر بمظهر “حامي” الكيان اللبناني بواسطة تحريض الحكومة على اتباع تأويلاتها الجاهلة لخطاب الزعيم والقيام بأعمال “تفتيش” إرهابية ضد الحركة التي صانت الكرامة اللبنانية وعلّمت اللبنانيين القومية والإخاء القومي.
إذا كان يوجد في لبنان تشكيلات وتكتلات خائنة للبنان ولمبدأ السيادة في لبنان فإنما هي التشكيلات المسماة “الكتائب اللبنانية”.
وعلى هذا المنوال من اللهجة العالية تتوالى حملة “صدى النهضة” للتصدّي على حملات الصحف المعادية للحزب بعدة مقالات طالت الدولة نفسها عبر توجيه الأسئلة الى الحكومة اللبنانية بخصوص مذكرة التوقيف المشوؤمة إلى جانب البيانات الأربعة التي وجّهها سعاده إلى الشعب اللبناني، والتي نوردها هنا بحسب التسلسل التاريخيّ لأعداد “صدى النهضة”.
العدد 247 8 مارس 1947
صدر في الصفحة الأولى مقال بتوقيع أنطون سعاده يحمل عنوان “بيان إلى الشعب اللبناني”
العدد رقم 248 9 مارس 1947
“إلى قادة حزب الكتائب” (إلا أنه للأسف لم تتوفر بالعدد الصفحة الأولى فلم نحصل إلا على التتمة على الصفحة 3
العدد 249 -11 مارس -1947
“هذه هي أوجه الخلاف الأصيلة بين الكتائبيين والقوميين”
العدد 250 12 مارس 1947
أسئلة موجهة إلى أركان الحكومة: على أثر الضجة القائمة حول خطاب الزعيم سعاده، نوجه إلى أركان الحكومة، على صفحات «النهضة»، هذه الأسئلة.
وعلى الصفحة 3 مقال آخر في العدد نفسه يحمل عنوان: “الكتائب خطر على الكيان اللبناني”
العدد 253 5 أبريل 1947
بيان الزعيم الثاني إلى الشعب اللبناني “حالة البلاد الأرض بور والفوضى تدور”.
عنوان آخر يسأل “لماذا عطّلت صدى النهضة”
العدد 256 11 أبريل 1947:
حول إلغاء مذكرة التوقيف بحق الزعيم وتصريح وزير الداخلية بهذا الشأن.
العدد 258 13 أبريل 1947
“الرأي العام اللبناني يطالب باسترداد مذكرة التوقيف المتعلقة بالزعيم”.
العدد 259 16 أبريل 1947
برقية احتجاج “حرسوا استقلال لبنان يوم بشامون – وفكّوا الأغلال- وتلاحقون الزعيم؟”.
العدد 260 17 أبريل 1947
كتاب مفتوح إلى رئيس الجمهورية بتوقيع فريد مبارك
العدد 261 20 أبريل 1947
مذكرة التوقيف المشؤومة تخدم مصلحة أجنبيّة
«استرداد المذكّرتين»
في 13 أيلول ذكرت “النهار” أن الحكومة في صدد إلغاء مذكرة التوقيف والإفراج عن “صدى النهضة” لأنها لم تلاحظ على الحزب وزعيمه أي عمل يسيء إلى الوطن”. هذا أول تلميح إلى نية الدولة بإلغاء مذكرة التوقيف ظهر إلى العلن دون أي تفصيل آخر… بدون أي تلميح آخر.
وحول هذا الأمر يقول الأمين عبد الله قبرصي في كتابه “عبدالله قبرصي يتذكّر ج. 2” (وهو كان من معاوني سعاده ومحامٍ والقضيّة قضيّة قانونيّة بامتياز): “إن الذي سهّل المفاوضات لإلغاء مذكرة التوقيف كان سلوك الحزب الحسن في الانتخابات (يقصد الانتخابات النيابية) وإلى طليعة المفاوضين الدكتور رئيف أبي اللمع صديق سعاده، ونقيب الصحافة عفيف الطيبي، والصحافي سعيد سربيه ثم إدمون طوبيا، العضو السرّي في الحزب، بالإضافة إلى كثيرين… إلا أن الوساطة الناجحة كانت وساطة الوزير غبريال المر (نائب رئيس الحكومة ووزير الأشغال العامة) وإلى فريد صبّاغ المسؤول القومي الاجتماعي الذي مثل سعاده لدى الوسطاء عن طريق الشيخ خليل الخوري، نجل رئيس الجمهورية”. ونتيجة ذلك أقرّ وزير العدلية أحمد الحسيني في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في بيت الدين (وبحسب إفادة فريد صباغ) صيغة زعيم الحزب حيث لم يجد أي جرم جزائيّ ارتكبه ليلاحق بشأنه. وهكذا بتاريخ التاسع من تشرين الأول 1947 تمّ استرداد “المذكرتين” وقد تمكّن سعاده من فرض وجهة نظره بعد صراع دام سبعة أشهر.
وحول هذه النتيجة قال سعاده: “إنّ المعركة التي دارت بين قوانا المنظمة وقوى الرجعة والطائفية والنفعية قد انتهت بانتصار الحزب القومي الاجتماعي واندحار خونة الأمة وارتداد كيد الكائدين في نحورهم”.
هذه جولة من الجولات التي خاضها سعاده بوجه قوى التأمر التي عادت واغتالته بمحاكمة أقل ما يُقال عنها إنها وصمة عار يندى لها جبين قوس العدالة.