نقاط على الحروف

لبنان في مرآة فلسطين وسورية

ناصر قنديل

 

– لا يُخفي قادة كيان الاحتلال أنّهم ينظرون لخططهم في لبنان في سياق رؤية شاملة تحتوي خطط الاحتلال في غزة وسورية، وأن نظرية المناطق العازلة تشكل العنصر الجامع بين هذه الجبهات، حيث تتحرّك المنطقة العازلة بحجمها من محور فيلادلفيا في غزة إلى التلال الخمس والجزء اللبناني من بلدة الغجر في لبنان لتصبح ثلاث محافظات سورية هي درعا والسويداء والقنيطرة. كذلك لا يُخفي قادة الكيان أن هذه الخطط تحظى بدعم أميركيّ كامل، بالرغم من أن واشنطن تقف وراء صياغة وضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، والخطط الإسرائيلية تمثل انقلاباً على هذه الاتفاقات، والدعم الأميركي تنصّل من مسؤوليّة الراعي والضامن، بينما في سورية لا يشفع للحكم الجديد ورعاته الإقليميين وخصوصاً تركيا وقطر أنّهم قدموا جوائز ثمينة لواشنطن وتل أبيب، كي يلقوا معاملة خاصة. والمعادلة بنظر تل أبيب وواشنطن مختلفة، حيث يصبح ما حصلت عليه أميركا و”إسرائيل” من مكاسب بإبعاد إيران وحزب الله عن سورية وقطع طريق إمداد المقاومة، هي عائدات استثمار “إسرائيل” بشنّ حرب مفتوحة لسنوات على سورية واستثمار أميركي بفرض عقوبات دمّرت الاقتصاد وتسببت بتجويع السوريين، وعلى مَن تسلّم الحكم بحصيلة هذه المساهمات الأميركية والإسرائيلية في إسقاط النظام أن يسدّد فواتير بحجم الطلبات الإسرائيلية التي قد يصبح قبولها شرطاً لرفع العقوبات الأميركية عن سورية.

– قراءة لبنان في مرآة فلسطين وسورية، تسهم بإيضاح الصورة كثيراً عبر إلغاء فرضية الانتظار والترقب لاستكشاف ما إذا كان الخرق الإسرائيلي للاتفاق عملية ابتزاز أو عملية دعائية استعراضية، فيصبح بائناً أن ما يواجهه لبنان ليس ظرفياً ولا عابراً بل هو جدّي ومستدام ويحظى بالدعم الأميركي، أسوة بما يجري في فلسطين وسورية. وهو ضمن سياق وخطة استراتيجية. وهذه الخطة لا تراهن على امتلاك الاحتلال عناصر قوة تمكنه من استئناف الحرب والأمل بتغيير شروطها بما يضمن تحقيق ما لم يتحقق في جولاتها السابقة، بل هي خطة مبنيّة على اعتقاد إسرائيليّ بأن نتائج الحرب على البيئات السياسيّة المحيطة بالمقاومة والمعنيّة بالقرار السياسي في لبنان وفلسطين وعلى المستوى العربي والإقليمي، وهي بيئات لا تشعر بحجم المأزق الداخلي والاستراتيجي لكيان الاحتلال بقدر ما تبني حساباتها على كيفية تفادي جولات حرب جديدة بعدما رأت هول الدمار في الحرب، وتسعى لاسترضاء واشنطن خشية من عقوباتها المالية وقد رأت ما حدث في سورية بفعل هذه العقوبات، فتجتمع لقيادة الكيان حسابات تقول إن بعض التشدّد الميدانيّ مع مقدار من الضغط الأميركيّ قد يتيح تحقيق مكاسب فشلت الحرب في تحقيقها.

– في مرآة فلسطين يستطيع أن يخرج اللبنانيون من النقاش المفتعل الذي يثيره بعض الحاقدين على المقاومة حول وجود نصوص في اتفاق وقف إطلاق النار تتصل بنزع سلاح المقاومة، ويريدون به تبرئة الاحتلال من انتهاك الاتفاق وتبرئة واشنطن من الانقلاب على تعهداتها وضماناتها. ففي فلسطين لا التباس حول أن الاتفاق واضح لجهة وجود ثلاث مراحل متتابعة، ولا جدل حول أن عدم الذهاب إلى المرحلة الثانية هو انقلاب إسرائيلي على الاتفاق، ولا حاجة للتدقيق في أن الدعم الأميركي للانقلاب الإسرائيلي هو تنكر أميركي لدور المبعوث الرئاسي الأميركي في صياغة الاتفاق وموقع واشنطن كشريك في ضمان تنفيذ الاتفاق، حيث تضمن مصر وقطر التزام حركة حماس وفصائل المقاومة، بينما تنحصر ضمانة واشنطن بالتزام الجانب الإسرائيلي، وها هي تنقلب على أداء أمانة هذا الدور.

– في مرآة سورية يرى لبنان حقيقتين، الأولى عودة الاحتلال إلى خطط العبث بالعلاقات بين الطوائف، والإيحاء بدور حامي الأقليات، والتعامل بجدية مع قضايا الوفاق الوطني بين اللبنانيين، منعاً لامتداد هذا العبث الإسرائيلي إلى الداخل اللبناني الذي يملك ذاكرة كافية عن كيفية التلاعب الإسرائيلي بالنسيج الطائفي اللبناني، والثانية هي إسقاط وهم الاعتقاد بأن المرونة وتقديم التنازلات يمكن ان ينتجا حلولاً أو أن يسهما في تفادي المخاطر، حيث أن لبنان لا يملك أن يقدم للاحتلال خدمات بحجم ما قدمته له الحكومة السورية الجديدة، ولا يملك تحالفات راعية لدولته تتبنّاه بحجم من يدعم الحكومة السورية أو يملك مكانتهم إقليمياً، حيث تركيا وقطر من جهة ووزن كل منهما لدى أميركا، وحيث إخراج إيران وحزب الله من سورية وقطع طريق إمداد المقاومة عبرها، جوائز إسرائيلية لا تقدّر بثمن، لكنها لم تكن كافية لتجنيب سورية هذا التحدّي الإسرائيلي.

– الدولة اللبنانية بمختلف مؤسساتها معنية بمناقشة عاقلة وجدّية لهذه المستجدّات وبلورة كيفية إدارة هذه المرحلة بكل تعقيداتها، بدون أوهام ومن دون تهاون مع الحسابات الصغيرة والضيّقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى